Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 92-100)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } . قال بعضهم : إن هذه ملتكم وشريعتكم ومذاهبكم ملة واحدة وشريعة واحدة ، يعني : شريعة الإسلام ، وملة واحدة ليست بمفترقة . وقال بعضهم : إن هذا دينكم دين واحد ، ليس كدين الأمم الخالية أدياناً مختلفة . أو أن يكون الأمة ما يؤم إليها ويقصد ؛ لأن الأمة هي الجماعة ، وهي المقصودة . وجائز أن يكون إخباراً عن هذه الأمة على دين واحد وملة واحدة ، ليسوا بمختلفين ولا بمفترقين ، كسائر الأمم الخالية ، كقوله : { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ … } الآية [ آل عمران : 105 ] ، وقوله { وَلاَ تَفَرَّقُواْ } [ آل عمران : 103 ] أخبر عنهم أنهم غير متفرقين ، ونهاهم عن أن يتفرقوا كما تفرق الأولون ؛ ألا ترى أنه قال على إثره : { وَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ } هذا يدل على أنه إخبار عن أهل الإسلام في صدر الأمر أنهم على شيء واحد . وقال الزجاج : { إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } ما لزموا الحق واتبعوه ، وأما إذا تركوا لزومه وتركوا اتباعه فهي ليست بأمة واحدة ، والله أعلم . وقوله : { وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ } [ و ] قال في آية أخرى : { وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ } [ المؤمنون : 52 ] ليعلم أنّ العبادة والتقوى واحد في الحقيقة ؛ لأن الاتقاء هو ما يجتنب من الأفعال والعبادة ما يؤتى من الأفعال والعبادة ، فإذا اجتنب ما يجب اجتنابه فقد أتى بما يجب إتيانه ، وإذا أتى بما يجب إتيانه فقد اجتنب ما يجب اجتنابه ، وهو كقوله : { إِنَّ ٱلصَّلاَةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ } [ العنكبوت : 45 ] لأنه بفعله إياها مجتنب عن الفحشاء والمنكر . وجائز أن يكون قوله : { وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ } أي : توحدون ، على ما قال أهل التأويل ؛ لأنه إنما خاطب به أهل مكة . وقوله : { وَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ } أخبر عن الأولين أنهم اختلفوا في دينهم وتفرقوا { كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ } من تفرق و [ من ] لم يتفرق ، كقوله : { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [ البقرة : 245 ] { وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } [ المائدة : 18 ] . وقوله : { فَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } فيه دلالة ألا يقبل من الأعمال الصالحات إلا بالإيمان ؛ لأنه شرط في قبولها الإيمان ، كقوله : { وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ } أي : لشكر سعيه ، ويقبل ولا يجحد ولا يكفر ، كقوله : { وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَروهُ } [ آل عمران : 115 ] بالياء والتاء ( فلن تكفروه ) ، وأصل الكفران : الستر ، والشكر : هو الإظهار ؛ يخبر - عز وجل - أنه لا يستر ما عملوا من الحسنات والخيرات ، بل يشكر ويظهر . وقوله : { وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ } أي : يكتب لهم تلك الحسنات والخيرات ، كقوله : { وَٱكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ } [ الأعراف : 156 ] . وقوله : ( وحِرْمٌ على قرية أهلكناها ) و { وَحَرَامٌ } بالألف أيضاً ، ثم قوله : ( وحِرْمٌ ) ، { وَحَرَامٌ } - على قول أهل اللسان واللغة - واحد ، يقال : حرم عليك كذا ، وحرام ، كما يقال : حِلٌّ وحَلاَلٌ . وأما على قول أهل التأويل فإنهم يفرقون بينهما ، فيقولون : حرم : حتم وواجب { وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } أي : حتم وواجب على قرية إهلاكهم بعد ما علم { أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } أي : لا يتوبون ؛ لأنه إنما يهلكهم لما علم منهم أنهم لا يتوبون . أو أن يكون قوله : { وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ } أراد الله إهلاكها { أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } . وظاهر قوله : { وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } أن يكون لهم الرجوع ؛ لأنه يقول : ( وحرم … أنهم لا يرجعون ) ، ألا ترى إلى قوله : { حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ } وظاهره أنهم لا يرجعون ، حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج واقترب الوعد الحق ، فعند ذلك يرجعون لقوله : { فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } . أو أن يكون ذكر هذا : { أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } لقول قوم ؛ لأن قوما يقولون : إن الخلق كالنبات ينبت ، ثم ييبس ، ثم ينبت ، فعلى ذلك الخلق يموتون ، ثم يعودون ويرجعون . وبعض من الروافض يقولون : يرجع علي وفلان ، فأخبر أنهم لا يرجعون ردّاً عليهم وتكذيباً لخبرهم ؛ لأن القرآن قد صار حجة عليهم وإن أنكروه لما عجزوا عن أن يأتوا بمثله ، والله أعلم بذلك كله . وقوله : { حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ } كأنه - والله أعلم - أضاف فتح ذلك السدّ إلى أنفسهم وهم جماعة ، وإلا لست أعرف لتأنيث فتح السدّ وجها ، والله أعلم . وقوله : { وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ } قيل : الحدب : الشيء المشرف . وقيل : الحدب : كل ما ارتفع من الأرض . وقيل : الحدب : الأكمة . وقيل : { مِّن كُلِّ حَدَبٍ } : من كل جهة ومن كل مكان . { يَنسِلُونَ } قيل : يسرعون . وقيل : يخرجون . أخبر أنهم من [ كل ] حدب ، أي : من كل ناحية ، ومن كل جهة يسرعون ، كأنهم لما سدّ عليهم ذلك السدّ ، وحيل بينهم وبين ما يشتهون ، أي : بين ما يتعيشون ويرتزقون من هذا العالم - تفرقوا في تلك الأمكنة لطلب ما يتعيشون به ، فإذا بلغهم خبر فتح السد أتوا من كل جهة وناحية التي كانوا متفرقين فيها { يَنسِلُونَ } يسرعون ؛ لأنهم مذ سدّ عليهم السدّ في جهد من فتح ذلك السدّ ، فلما فتح خرجوا مسرعين ، وهو ما ذكر : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } [ الكهف : 99 ] . وقوله - عز وجل - : { وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ } قوله : { ٱقْتَرَبَ } أي : وقع ووجب الوعد الحق ؛ لأنه قد أخبر من قبل هذا الوقت أنه قد اقترب بقوله : { ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ } [ القمر : 1 ] و { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } [ الأنبياء : 1 ] ، وهو كقوله : { إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ الأعراف : 56 ] ليس على القرب ، ولكن على الوجوب ، فعلى ذلك الأوّل يحتمل أن يكون إخباراً عن الوقوع والوجوب . وجائز أن يكون على القرب أيضاً ، ويكون وجوبها ووقوعها في قوله : { فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } كقوله : { إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَارُ … } الآية [ إبراهيم : 42 ] ، وكقوله : { مُّهْطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِ … } الآية [ القمر : 8 ] . وقوله - عز وجل - : { يٰوَيْلَنَا } أي : يقولون : يا ويلنا { قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا } كأنهم تذاكروا فيما بينهم : إنما كنّا في غفلة من هذا ، ثم تداركوا أنهم لم يكونوا في غفلة ، ولكن قالوا : { بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ } في ذلك ، ضالين ؛ اعترفوا بالظلم والضلال . وقوله : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } يقال : إن حرف ( من ) يتكلم عن البشر وحرف ( ما ) يتكلم عما سواهم من العالم ، فإذا كان على هذا الذي ذكروا ، فما ينبغي لأولئك أن يفهموا من قوله : { وَمَا تَعْبُدُونَ } : عيسى وعزير [ و ] الملائكة [ و ] هؤلاء ، ويقولون : هؤلاء عبدوا دون الله فهم حصب جهنم على زعمكم ، إلى هذا يذهب أهل التأويل ، ويقولون : ثم نزل قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } قالوا : استثنى من علمه ممن عبد دون الله من سبقت له منه الحسنى ، وهو عزير وعيسى وهؤلاء ، لكن قد ذكرنا أنه لا يجوز أن يفهم من هذا هؤلاء ، ولكن الأصنام والأحجار التي عبدوها ، كقوله : { وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ } [ البقرة : 24 ] التي عبدوها . أو أن يكون قوله : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } الشياطين الذين أمروهم ودعوهم إلى عبادة غير الله ، فتكون العبادة لمن دون الله للشيطان حقيقة ؛ لأنه هو الآمر لهم بذلك ، والداعي إلى ذلك دون من ذكروا ؛ لأن هؤلاء - أعني : عيسى وعزيراً والملائكة - لم يأمروهم بذلك ؛ فيكون على هذا كأنه قال : إنكم والشياطين الذين تعبدون من دون الله حصب جهنم ، وهو ما ذكر في آية أخرى : { ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ ٱللَّهِ … } إلى قوله : { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ * قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ } [ الصافات : 22 - 51 ] دل هذا أن القرين هو الشيطان ، كقوله : { نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [ الزخرف : 36 ] وقوله : { حَصَبُ جَهَنَّمَ } بالصاد ، وقرئ بالطاء : ( حطب جهنم ) قال ابن عباس : الحصب بلسان الزنجية : هو الحطب . وقال بعضهم : هو حطب بلسان الحبشة ، ويقال - أيضاً - بالضاد : ( حضب جهنم ) قال بعضهم : الحصب : هو الرمي ، يحصب جهنم بهم ، أي : يرمي بهم ، والحطب : هو معروف ، والحضب : هو التهيج ، أي : يهيّج النار عليهم . وقال الكسائي : حصبت النار ، أي : ألقيت فيها الحطب ، وعن عائشة : ( حضب جهنم ) بالضاد . وقوله : { أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } أي : واقعون فيها . وقوله : { لَوْ كَانَ هَـٰؤُلاۤءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا } أي : لو كان الذين عبدوا دون الله آلهة على ما زعموا ما وردوا النار . فإن قيل : إنهم لم يقروا أنها ترد النار . [ قيل ] : لما عجزوا عن إتيان مثله فقد لزمتهم الحجة ، فكأنهم أقروا أنهم واردوها ، وهو كقوله : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَٰتاً فَأَحْيَٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ … } الآية [ البقرة : 28 ] ؛ هم لم يقروا أنهم يحيون بعدما ماتوا ، ولكن لما عرفوا أنهم كانوا أمواتاً فأحياهم ، فقد لزمهم الإقرار والحجة بالإِحياء بعد الموت ؛ فعلى ذلك الأول كأنهم أقروا بأنهم واردون بما لزمتهم الحجة . وقوله : { وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ } ظاهر . وقوله : { لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ } قيل : الزفير : هو الصوت الخفيض الذي فيه أنين ، والشهيق : هو الصوت الرفيع الذي فيه أنين . وقيل : الشهيق : أول نهيق الحمار ، والزفير : هو آخر نهيقه . وقوله : { وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ } قيل : لا يسمعون الخير ، ويسمعون غيره . وقال بعضهم : لا يسمعون ؛ لأنهم يكونون صمّاً بكماً عمياً ، وهو كقوله : { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً } [ الإسراء : 97 ] . وقال القتبي : { وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } : حرام عليهم أن يرجعوا ، ويقال : واجب ، وقال : هو حِرْمٌ وحرامٌ : واحدٌ ، كما يقال : حِلٌّ وحلال . وقال : { وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ } : ومن كل نشز من الأرض و أكمة { يَنسِلُونَ } من النسلان ، وهو مقاربة الخطو مع الإسراع كمشي الذئب إذا بادر . قال أبو عوسجة : الحدب : ما ارتفع من الأرض ، الواحد : حدبة { يَنسِلُونَ } أي : يجيئون .