Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 11-13)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ } اختلف في قوله : { عَلَىٰ حَرْفٍ } : قال بعضهم : { يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ } ، أي : على شك يمتحن ربه ؛ على أنه [ إن ] أعطاه طمعََه وأملَه في هذه الدنيا حقق له الألوهية والعبادة ، وإن لم يجد طمعه وأمله لا يحقق له ذلك ، ويقول : ليس هو بإله ؛ إذ لو كان إلهاً لأعطاه ما يطلب منه على هذا الشك ، يعبد بالامتحان . وقال بعضهم : { عَلَىٰ حَرْفٍ } أي : على شرط ، أي : يعبده على شرط الإعطاء ؛ يقول : إن أعطاني أملي عبدته ، وإن لم يعطني ذلك لم أعبده ؛ تكون عبادته على هذا الشرط . وقال بعضهم : { يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ } أي : على حال واحدة ، [ و ] على جهة واحدة ، ليس يعبده على حالين كالمؤمن يعبده في حالين جميعاً : حالة الظاهر ، وحالة الباطن ، وحالة الضراء والسراء ، وحالة السعة والشدة على ما تَعَبَّدَه الله ، كقوله : { وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ } [ الأعراف : 168 ] ونحوه ، عبده المؤمن على الحالين جميعاً على ما تعبده الله ، والمنافق إنما يعبده على حالة السعة [ و ] الخصب ؛ لأنه ليس يعرف ربّه حق المعرفة ، فإنما يعبد السّعة والرخاء ، وأمّا المؤمن فإذا عرف ربّه عبده في الأحوال كلها لما عرف نفسه عبداً لسيّده ، ولم ير للعبد سعة ترك العبادة لمولاه في كل حال ، ورأى للمعبود حق استعباده واستخدامه في كل حال : في حال الضيق وحال السّعة . أو أن يكون رأى ما يصيبه من الشدائد والبلايا بتقصير كان منه وتفريط ؛ فعبده في الأحوال كلها . أو لما رأى وعرف [ أن نعم ] ربه عليه كثيرة ، ورأى شكر تلك النعم عليه لازماً ؛ فعبده في الأحوال كلها ؛ شكراً لتلك النعم ، وأمّا أولئك لم يروا لله على أنفسهم نعماً فإنما عبدوه على الجهة التي ذكرنا ، كانوا فرقا من الكفرة : [ منهم ] من يعبد الله في حال الشدة والضيق ولا يعبده في حال السعة والرخاء ، كقوله : { وَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ كَفُوراً } [ الإسراء : 67 ] ، ونحوه . ومنهم من كان يعبده في حال السعة والرخاء ، وهو ما ذكرنا من أمر المنافق . وأمّا المؤمن فهو يعبده في الأحوال كلها لما رآه معبوداً حقيقة ، على ما ذكرنا . وقوله : { وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ } : قد ذكرنا أن الفتنة هي المحنة التي فيها بلاء وشدة . وقوله : { ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ } : قال بعضهم : هو على التمثيل ؛ على ما ذكرنا في قوله : { نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ } [ الأنفال : 48 ] ، وقوله : { ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ } [ آل عمران : 144 ] . وقال بعضهم : على تحقيق انقلاب وجهه ؛ لأنه كان عبادته ظاهرة ، لم يكن يعبده في الباطن في حال السعة ، فلما أصابته الشدة ترك عبادته ظاهراً على ما كان باطنه ، فهو انقلاب وجهه ، والله أعلم . وقوله : { خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ } : أمّا خسران الدنيا ؛ لأنه فات عنه ما كان يأمله بزوالها ، وخسران الآخرة ظاهر : العذاب والشدائد . وجائز أن يكون خسران الدنيا هو خضوعه لمن لا يضر ولا ينفع للعبادة للأصنام { ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } ؛ لأنه خسر في الدارين جميعاً أمله وطمعه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ } . قيل : إن الآية في المنافقين ، وهم كانوا لا يعبدون على حرف ليست بعبادة الله ، إنما هي عبادة للشيطان ، فأخبر أنه يعبد ما لا يضرّه إن ترك العبادة له ، ولا ينفعه إن عبده ؛ يدل على ذلك : [ قوله ] : { هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } ؛ لأنه عبد من لا يضره إن لم يعبده ، ولا ينفعه إن عبده ، فذلك هو الضلال البعيد . وقوله - عز وجل - : { يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ } . قال بعضهم : تأويله : يدعو من ضرره أقرب من نفعه . وقال بعضهم : قوله : { يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ } ، هذا إن عبده ، ضرّه عبادته إيّاه في الآخرة والأولى ؛ حيث قال : { مَا لاَ يَضُرُّهُ } إن ترك عبادته في الدنيا { وَمَا لاَ يَنفَعُهُ } إن عبده ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ } . قال بعضهم : { لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ } أي : الولي ، وهو الشيطان { وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ } يعني : الصاحب ، كقوله : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } [ النساء : 19 ] أي : صاحبوهنّ بالمعروف . وقال بعضهم : { لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ } أي : الولي ، وهو الشيطان ، { وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ } أي : القرين الذي لا يفارق . وقال القتبي : أي : الصاحب والخليل ، وهو ما ذكرنا ، كله واحد . وقال أبو عوسجة : العشير : الرفيق الذي تعاشره وتصاحبه وتخالطه ، والعشير : الزوج أيضاً . وقال القتبي : { ثَانِيَ عِطْفِهِ } : يتكبر معرضا ، وكذلك قال أبو عوسجة : { ثَانِيَ عِطْفِهِ } ، أي : متكبرا متجبرا ، والعطف في الأصل : الجانب ، والأعطاف جمع . وقوله : { مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ } قال : لا يدري أحق هو أم باطل ؟ وهو الشك ، يقال : إني من هذا الأمر على حرف ، أي : على شك ، لست بمستيقن . وقال القتبي : على حرف واحد ، وعلى وجه واحد ، وعلى مذهب واحد . وقال قتادة : على شكّ ، على ما ذكرنا . وقال أبو عبيدة : على حرف ، أي : لا يدوم ، ويقول : إنما أنا حرف ، أي : لا أثق بك ، ونحو هذا ، وأصله ما ذكرنا فيما تقدم . وقال بعضهم : قوله : { يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ } في الآخرة { أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ } ، { ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ } أي : يرجع إلى دينه .