Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 14-17)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } . المعتزلة كذبت هذه الآية والآية التي تلي هذه الآية ، وهو قوله : { وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ } ؛ لأنهم يقولون : أراد إيمان جميع الخلائق ثمّ لم يفعل ذلك ، وأراد جميع الخيرات والكف عن الشرور ثم لم يقدر على وفاء ما أراد ، ويقولون : لا صنع له في أفعال العباد ، ولا تدبير ؛ فعلى قولهم : لم يفعل الله مما أراد واحداً من ألوف ، ويقولون : إن الله أراد هدى جميع الخلائق ، لكنهم لم يهتدوا ، وهو أخبر أنّه يهدي من يريد ، وهم يقولون : يريد هدى الخلق كلهم فلم يهتدوا . ونحن نقول : من أراد الله هداه اهتدى ، وما أراد أن يفعل فعل ، وهو ما أخبر { فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } [ هود : 107 ] أخبر أنه يفعل ما يريد ، فيخرج على قولهم على أحد الوجهين : إمّا على الخلاف في الوعد ، وإمّا على الكذب في القول والخبر ، فنعوذ بالله من السرف في القول . وقوله - عز وجل - : { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ } . تأويل الآية - عندنا - يخرج على وجهين : أحدهما : من كان يظن أن لن ينصر الله محمداً - عليه أفضل الصلوات - ثم نصره ، فغاظه نصره إياه فيدوم غيظه - { فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ } أي : بحبل من السماء فيخنق ويقتل نفسه ؛ ليذهب غيظه الذي غاظه نصره ؛ يستريح مما غاظه . والثاني : يخرج على الوعد بالنصر والخبر : أنه ينصره ، يقول : من كان يظن أن ما وعد له من النصرة ، لا يفعل ذلك له ، ولا ينصره ، ولا ينجز ما وعد ؛ { فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ } ، أي : ليحبس ما وعد له من النصر ؛ إن غاظه ما وعد ؛ ليذهب غيظه الذي غاظه ؛ فعلى هذا التأويل يكون السماء سماء الأصل ، أي : يحبس السبب الّذي ينزل من السماء . قال بعضهم : قوله : { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ } أن لن يرزقه الله ، ويجعله صلة قوله : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ } [ الحج : 11 ] لأنه يجعل الآية في أهل النفاق ، يقول : من كان يظن من أهل النفاق : أن الله لا يرزقه إذا كان في ذلك الدّين الذي كان فيه ودام - فليمدد بما ذكر . وقال مجاهد : { كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ } ، قال ذلك خيفة ألا يرزق . وأهل التأويل صرفوا السماء إلى سقف البيت ، ويقولون : القطع : الخنق . وقال القتبي : { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ } أي : لن يرزقه الله وهو قول أبي عبيدة يقال : مطر ناصر ، وأرض منصورة ، أي : ممطورة . وقال المفسرون : من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا { فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ } ، أي : بحبل إلى سقف البيت ، { ثُمَّ لْيَقْطَعْ } ، أي : ليختنق : { فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ } - أي : حليته - غيظه ، أي : ليجهد جهده . وقال أبو عوسجة : { فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ } قال : هذا شيء لا يكون ولا يقدر عليه ، وهذا ذم للمقول فيه ؛ لأنه جعل السماء سماء الأصل ، وقوله : { فَلْيَمْدُدْ } أي : يمد يده . وقوله : [ { بِسَبَبٍ } ] السبب في الأصل : الحبل ، أي : يعلق سببا فيرتقي في السماء ، والسبب : الحمار ، وسبوب جمع ، أي : حمر . قال : والسبب : الحبل بلغة هذيل . وقوله : { مَا يَغِيظُ } : هو شدة الغضب . وقوله - عز وجل - : { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } أي : مثل هذا ، وهكذا أنزلناه آيات بينات ، يبين ما لهم وما عليهم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئِينَ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلْمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ } : أما الصابئون : فإن الناس اختلفوا فيهم : قال أهل التأويل : هم عبّاد الملائكة ، وقد ذكرنا أقاويلهم فيه في سورة المائدة ، فتركنا ذكره هاهنا لذلك . { وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ } : قيل : هم المشركون من العرب ، وهم عبدة الأوثان والأصنام . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ } . يحتمل قوله : { يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ } ، أي : يحكم بين هؤلاء يوم القيامة ؛ لاختلافهم في الدنيا ، كقوله : { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ } [ البقرة : 113 ] ثم قال : { فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } [ البقرة : 113 ] أي : يحكم بين هؤلاء يوم القيامة ، فالفصل بينهم يوم القيامة هو الحكم الذي ذكر فيه هذه الآية . ويحتمل قوله : { يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ } في المقام : يبعث هؤلاء إلى الجنة ، وهؤلاء إلى النار ؛ فذلك الفصل بينهم . وجائز أن يكون قوله : { يَفْصِلُ } أي : يبين لهم الحق من الباطل ؛ حتى يقروا جميعاً بالحق ويؤمنوا به ، لكن لا ينفعهم ذلك يومئذ . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } من أعمالهم ، وأفعالهم ، وإقرارهم ، وأقوالهم ، وجميع ما كان منهم .