Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 18-24)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ } حرف ( من ) في ظاهر اللغة واللسان إنما يعبر به عن الممتحن من البشر والجن والملائكة ، وأما الموات فإنه لا يعبر به عنه ، وإنما يعبر عنه بحرف ( ما ) ، لكن ذكر في آخره - وهو قوله : { وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ … } الآية - ما يدل أنه أراد الكل : الممتحن ، والموات جميعاً ، حيث قال : { وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ } وإلا ظاهره ما ذكرنا : أنه إنما يعبر بـ ( من ) عن الممتحن ، وبحرف ( ما ) عن الكل . [ و ] جائز أن يكون عند الاجتماع يذكر باسم الممتحن ؛ على ما يذكر عند اجتماع الذكر والأنثى باسم الذكور . ثم ما ذكر من سجود هذه الأشياء يخرج على وجوه : أحدها : سجود خلقة ، يسجد كل شيء ذكر بخلقته لله ، على ما ذكرنا في التسبيح . والثاني : سجود عبادة ، وهو سجود كل ممكن من [ إتيانه ] وتركه ، وهو سجود الممتحن . والثالث : سجوده : بذل ما بذل في هذه الأشياء من المنافع لا يتأتى بذلها لأحد من الماء ، والشمس ، والشجر ، والدواب ، وكل شيء . والرابع : ما ألهم هذه الأشياء من الطاعة لله والخضوع له ؛ ألا ترى أنه قال : { ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } [ فصلت : 11 ] ألا ترى أنه ألهم الدواب معرفة إتيان الصالح لهم واتقاء المهالك ؛ فجائز أن يعرفن طاعته والخضوع له ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ } في الجنة { وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ } هذا يحتمل وجهين : أحدهما : من خذله الله وطرده عن عبادته وبابه { فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ } ، كقوله : { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } [ الرعد : 33 ] . أو أن يقول : ومن أهانه الله في النار بالعذاب ، فما له من منجٍ ينجيه عن ذلك . { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } هذا على المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : شاء أشياء فلم يفعل ، فهو يقول : { يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } . وقوله : { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ } اختلفوا في تأويله : قال بعضهم : نزل هذا في ستة نفر تبارزوا : ثلاثة من المسلمين : حمزة بن عبد المطلب ، وعلي بن أبي طالب ، وعبيدة بن الحارث ، وثلاثة من المشركين : عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، والوليد بن عتبة ، فذلك اختصامهم . وقال بعضهم : أهل الإسلام وأهل الكتاب في الدين : قالت اليهود والنصارى : نحن أولى بالله منكم يا معشر المسلمين ؛ لأن نبينا قبل نبيكم ، وديننا قبل دينكم ، وكتابنا قبل كتابكم . فقال المسلمون : بل نحن أولى بالله ، آمنا بكتابنا وكتابكم ، ونبيّنا ونبيكم ، وبكل كتاب أنزله الله ، ثم كفرتم أنتم بنبينا ، وكتابنا ، وبكل نبيّ كان قبل نبيكم ؛ فأنزل الله تعالى ما فصل بين المؤمنين وأهل الكتاب فقال : { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بمحمد وبالقرآن ، وهم اليهود والنصارى ، { قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ . … } إلى آخر ما ذكر ، وقال في المؤمنين : { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ … } الآية . وقال بعضهم : { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ } : النار والجنة : قالت النار : جعلني الله للعقوبة للعصاة والفسقة ، وقالت الجنة : جعلني الله للرحمة للأنبياء والأولياء ، ونحوه . لكن متى يكون للنار مخاصمة ، وكذلك الجنة ، وهو بعيد . وقال بعضهم : اختصم المسلم والكافر في البعث . وجائز أن يكون اختصامهم ما ذكر من أوّل السورة إلى هذا الموضع ، من ذلك قوله : { ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } [ الحج : 8 ] وقوله : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ } [ الحج : 11 ] وقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئِينَ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلْمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ } [ الحج : 17 ] يكون اختصامهم بين هؤلاء الذين ذكرهم في هذه السورة ، وهم أهل الإسلام وأهل الكفر ؛ في الآية بيان ذلك ، حيث قال : { فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ } ، وقال في المؤمنين : { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [ الحج : 14 ] . ثم جائز أن يكون هذا الذي ذكر في الآية الأولى ، حيث قال : { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ } [ الحج : 17 ] : ينزل أهل الإسلام في الجنّة وأهل الكفر في النّار ، والله أعلم . وقوله : { قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ } كقوله : { سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ … } الآية [ إبراهيم : 50 ] . وقوله : { يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ } قيل : الحميم : الماء الحار الذي انتهى حرّه غايته . وقوله : { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ } : قال القتبي : يصهر : يذاب ، يقال : صهرت النار الشحمة ، والصهارة : ما أذيب من الألية ، وكذلك قال : الصّهارة : ما يبقى من الشحم والألية إذا أذيبا ، يقال : صهرت الشحم : أي : أذبت ، أصهره صهراً . { وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } قال بعضهم : المقامع : الأعمدة من الحديد ، وهو قول أبي معاذ . وقال بعضهم : المقامع : شبه العصى ، الواحدة : مقمعة . قال أبو معاذ : يعني قوله : { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ } أي : يذاب ما في بطونهم خاصّة ، وأمّا الجلود فإنّها تحرق ؛ لأن الجلد لا يصهر و لا ينصهر ، وقال : هذا مثل قول العرب : ( أتيته فأطعمني والله ثريداً ، والله ولبنا قارصا - أي : حامضاً - والله فإزاراً ورداءً ، والله وحملانا فارها ) تضمر لكل شيء فعلا يشاكله ، وفي القرآن مثله كثير ، وكذلك في اللسان . وقوله - عز وجل - : { كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا } : قال بعضهم : إن جهنم إذا جاشت ، ألقت من فيها إلى أعلاها ، فيريدون الخروج منها ، فيعيدهم الخزّان فيها بالمقامع ، ويقول لهم الخزنة : { وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } . وقال بعضهم : إن في جهنم دركات ، فإذا اشتد العذاب بهم ينقلبون من دركة السفلى إلى دركة العليا ، ويصعدون ، ثم يريدون الخروج منها ، فيعادون فيها ، كقوله : { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } [ المدثر : 17 ] . وقال بعضهم : إن النار تضربهم بلهبها فترفعهم ، حتى إذا كانوا في أعلاها ضربوا بمقامع من حديد ، فإذا انتهوا إلى أسفلها ضربهم زفر لهبها ، والله أعلم بذلك . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } ، أي : من تحت أهلها ، وهو كما ذكر في آية أخرى : { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } . وقوله : { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً } ذكر هذا - والله أعلم - لقوم رغبوا في هذه الدنيا بالتحلي بما ذكر ، وتفاخروا به فيها ، وهو ما ذكر : { فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ } [ الزخرف : 53 ] وإلا قلما يرغب الناس في الدنيا في التحلي بما ذكر إلا النساء خاصّة . فإمّا أن ذكر للنساء أو لقوم تفاخروا به في الدنيا فوعد لهم في الآخرة ذلك { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ } [ الزخرف : 71 ] . وقوله : { وَلُؤْلُؤاً } قال الكسائي : من قرأ : ( لُؤْلُؤٍ ) بالخفض فهو يخرج على أنهم : يحلون فيها من أساور من ذهب ، ويحلون فيها من لؤلؤ حلية سوى الأساور . ومن قرأ بالنصب : { وَلُؤْلُؤاً } ، أي : يحلون فيها لؤلؤاً . وقوله - عز وجل - : { وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } ، وكذلك ذكر في الخبر : " هُوَ لَهُم فِي الدنيا ، ولنا في الآخرة " . وقوله - عز وجل - : { وَهُدُوۤاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَهُدُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْحَمِيدِ } . جائز أن يكون هذا في الدنيا والآخرة : أما في الدنيا : هو قول التوحيد ، وشهادة الإخلاص ، وأمّا في الآخرة كقوله : { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ يونس : 10 ] فهو القول الطيب الذي هدوا إليه . وقال بعضهم : قوله : { وَهُدُوۤاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ } : هو القرآن { وَهُدُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْحَمِيدِ } : الإسلام وشرائعه . وقال قتادة : ألهموا التسبيح والتحميد كما ألهموا النفس . وقال : { ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ } : هو كل قول حسن . وقوله : { ٱلْحَمِيدِ } يحتمل { صِرَاطِ ٱلْحَمِيدِ } ، أي : صراط الله ، كقوله : { صِرَاطِ ٱللَّهِ } [ الشورى : 53 ] . ويحتمل أن يكون نعت ذلك الصراط ، أي : صراط حميد ، والله أعلم .