Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 25-29)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } قوله : { كَفَرُواْ } هو خبر ماض ، وقوله : { وَيَصُدُّونَ } خبر مستقبل ، فنسق المستقبل على الماضي . قال الزجاج : إن الكافرين والصادين عن سبيل الله { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ } . وعندنا تأويله : أنّ الذين كفروا قبل أن يبعث محمدّ ويصدون الناس عن سبيل الله إذا بعث محمد . ثم يحتمل قوله : { وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } أي : كانوا يمنعون المسلمين عن دخول المسجد الحرام للإسلام والسؤال عنه ، والثاني : إخراجهم منه ، كقوله : { وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ } [ البقرة : 217 ] . وقوله : { ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ } ظاهر هذا أن يكون الذي جعل فيه العاكف والبادي سواء هو المسجد الحرام ؛ لأنه قال : { جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً } ، لكن أهل التأويل صرفوا ذلك إلى مكة ، وقالوا : { سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ } في النزول في المنازل ، وظاهره ما ذكرنا . ثم يحتمل أن يكون المسجد الحرام مخصوصاً بهذا ليس كسائر المساجد التي لها أهل : أن أهلها أحق بها من غيرهم ، وأمّا المسجد الحرام فإن الناس شَرَعٌ ، سواء العاكف فيه والبادي . ويحتمل أنه [ خص ] المسجد الحرام بأن الناس [ سواء ] فيه ؛ ليعلموا أن الحكم في سائر المساجد كذلك : أن الناس فيها سواء أهلها وغير أهلها ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } قال بعضهم : الإلحاد فيه : هو الشرك والكفر . وقال [ بعضهم ] : الإلحاد : هو كل المعاصي ، وأصل الإلحاد : هو العدول والميل عن الطريق . وتأويله : ومن يلحد فيه إلحاد ظلم نذقه كذا . قال بعضهم : من هَمَّ فيه بإلحاد بظلم نذقه كذا . ثم يحتمل تخصيص ذلك المكان بما ذكر وجوهاً : أحدها : ليعلموا أن كثرة الخيرات وتضاعفها مما لا يعمل في إسقاط المساوئ فيه وهدمها ؛ لما روي : " أن صلاة واحدة بمكة تعدل كذا وكذا صلاة في غيرها من الأماكن " ، وكذلك حسنة فيها . والثاني : خصت بالذكر فيه على التغليظ والتشديد ، على ما خصّت تلك البقعة بتضاعف الحسنات . والثالث : أن أولئك ادّعوا أنهم أولى بالله من غيرهم ؛ لنزولهم ذلك المكان ، فأخبر أن من يرد فيه بكذا نذقه ، ليس تخصيص ذلك المكان بما ذكر ، والعفو في غيره ، ولكن بما ذكرنا . وقال بعضهم : معناه : من يرد فيه إلحادا بظلم ، والباء زائدة ، ومثله قوله : { تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } [ المؤمنون : 20 ] معناه : تنبت الدهن . روي بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " احْتكارُ الطعام بمكةَ إلحْاد " ، وكذلك روي عن عمر وابن عمر . وجائز أن يكون ما ذكرنا من التغليظ والتشديد وتضاعف العقوبة ؛ ولذلك كره قوم الجوار بمكة لما يتضاعف عليهم العقوبة إذا ارتكب فيه مأثماً وألحد فيه ، وجائز ما ذكرنا . وقد كره قوم بيع رباع مكة وإجارتها بقوله : { سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ } ، وعلى ذلك رويت الأخبار بالنهي عن ذلك ، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مكة مناخ ، لا يباع رباعها ، ولا يؤاجر بيوتها " . [ و ] عن عمر - رضي الله عنه - : " يا أهل مكة ، لا تتخذوا لدوركم أبواباً ؛ ليرد البادي حيث شاء " ونهاهم أن يغلقوا أبواب دورهم . وليس في ظاهر الآية ذكر مكة ؛ إن في الآية ذكر المسجد ، حيث قال : { وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ } ، وإنما ذكر ذلك في المسجد الحرام خاصّة . وقال أبو حنيفة - رحمه الله - : أكره إجارة بيوت مكة في الموسم من الحاج والمعتمر ، فأما المقيم والمجاور فلا نرى بأخذ ذلك منهم بأساً . وهو قول محمد . وقوله - عز وجل - : { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ } قال بعضهم : { بَوَّأْنَا } ، أي : هيأنا { مَكَانَ ٱلْبَيْتِ } ؛ لينزل فيه ، والبيتوتة : الإنزال ، كأنه قال : { بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ } ، أي : أنزلناه مكان البيت ؛ ليتخذ فيه بيتاً ، وقلنا له : لا تشرك بي شيئاً ، وهكذا بعث الأنبياء جميعاً ، بعثوا ألا يشركوا بالله ، وأمروا أن يدعو الناس إلى ترك الإشراك بالله تعالى . وقوله - عز وجل - : { وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ } وادع الناس أيضاً إلى ألا يشركوا بالله شيئاً . ثم يحتمل قوله : { وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ } ومن ذكر ، أي : طهره من الأصنام والأوثان التي فيه لئلا يعبد غيره . وجائز أن يكون قوله : { وَطَهِّرْ بَيْتِيَ } عن جميع الخبائث ، وعن كل أنواع الأذى من الخصومات ، والبياعات ، وغيرها ، وذلك للمسجد الحرام ولغيره من المساجد يطهر ويجنب جميع أنواع الأذى والخبث والفحش . وقوله - عز وجل - : { لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } قال أهل التأويل : { لِلطَّآئِفِينَ } هم القادمون من البلدان { وَٱلْقَآئِمِينَ } : المقيمين هناك { وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } : المصلين . ويحتمل قوله : { لِلطَّآئِفِينَ } : لكل طائف به ، { وَٱلْقَآئِمِينَ } ، { وَٱلْعَاكِفِينَ } [ البقرة : 125 ] : لكل عاكف نحوه ، والعكوف هو المقام للعبادة ، { وَٱلْقَآئِمِينَ } : لكل قائم عاكف نحوه ، { وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } وساجد نحوه ، أي : لكل مصلٍّ ، وهذا أشبه ، والله أعلم . وقوله : { وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ } يحتمل وجهين : أحدهما : على الإعلام : أن أعلم الناس : أن لله عليهم الحج بالبيت ، كقوله : { وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ … } الآية [ آل عمران : 97 ] . والثاني : { وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ } أي : ادع الناس ونادهم أن يحجوا البيت . قال أهل التأويل : لما أمر الله إبراهيم ينادي في الناس بالحج ، فنادى ، فأسمع الله صوته ما بين المشرق والمغرب ، حتى أسمع صوته ونداءه من في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، فقالوا : ( لبيك ) ، ومن حج بيته فهو الذي أجاب إبراهيم لما ناداهم بالحج . لكن لا يعلم ذلك إلا بالخبر عن رسول الله أنه كان ما ذكروا ، وإلا السكوت عنه وعن مثله أولى . وقالوا : إن قوله : { وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ } موصول بقوله : { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ … } الآية . وجائز أن يكون قوله : { وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ } لرسول الله ، أو لكل رسول بعث الأمر بذلك في كل زمان ، والله أعلم بذلك . وقوله : { يَأْتُوكَ رِجَالاً } أي : على الأرجل مشاة { وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ } ، أي : يضمر ويذهب سمنه ؛ لبعد المضرب ، وهو ما ذكر : { يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ } أي : من كل بعيد . ثم قوله : { وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ } على الدعاء والأمر ، فيكون في قوله : { يَأْتُوكَ رِجَالاً } دلالة لزوم الحج على المشاة ، كأنه قال : مرهم يحجّون مشاة على الأرجل وركبانا ، وإن كان على الإعلام فهو على الوعد والجزاء : أنهم يأتونك على الأرجل مشاة وعلى الدّواب . وقوله - عز وجل - : { يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ } أضاف الإتيان إلى الدّواب ؛ لأنه بالدواب يأتون ، فأضاف إليها ذلك ، والله أعلم . وقال أبو عوسجة : { يُحَلَّوْنَ فِيهَا } [ الحج : 23 ] من الحلي من الذهب والفضة ، تقول : حليت المرأة ، أي : اتخذت حليا ، ويقال : حلي الشيء يحلى حلًى ؛ إذا حسن ، ويقال : بعينه إذا حسن في عينه ، ويقال : حلى الشيء يحلو حلاوة فهو حلو ، ويقال : تحليت ، إن شئت جعلته أكلت حلاوته ، وإن شئت جعلته من الحلي ، ويقال : حلأت الإبل عن الماء ، أي : منعت ، ويقال : حليت الشيء وأحليته ، أي : جعلته حلواً . وقال القتبي : { سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ } أي : المقيم ، والبادي - وهو الطارئ من البدو - سواء فيه ليس المقيم فيه بأولى من النازح إليه . { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ } أي : من يرد فيه إلحادا ، وهو الظلم والميل عن الحق ، فزيدت الباء ، كما يقال : { تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ } [ المؤمنون : 20 ] ، وهو ما ذكرنا . وقوله : { وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ } ، أي ركبانا على ضمر من طول السفر { مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ } أي : بعيد غامض . وقال أبو عوسجة : { ٱلْعَاكِفُ } : المقيم ، { وَٱلْبَادِ } : من كان في البادية ، والإلحاد : الميل عن الحق ، ومنه اشتق اللحد ، لحد القبر . { وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ } ، أي : على كل بعير ضامر ، أي : خميص البطن . { يَأْتُوكَ رِجَالاً } تقول : رجل الرجل يرجل رجلة ، فهو راجل ، والفج : الطريق ، [ و ] العميق : البعيد ، يقال : عمق ، أي : بعد ، يعمق عمقا ، فهو عميق . وقوله - عز وجل - : { لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ } ، قال الحسن : يشهدون مشاهد فيه ، فيذكرون الله فيها ويكتسبون أشياء تنفع لهم في الآخرة ، فذلك منافع لهم التي يشهدونها . وقال غيره من أهل التأويل : { مَنَافِعَ لَهُمْ } : التجارات والمنافع التي كانوا يكتسبونها إذا خرجوا للحج . وقال بعضهم : التجارة في الدّنيا ، والأجر في الآخرة ، وهو مثل الأوّل . وجائز أن يكون قوله : { لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ } : الأرزاق التي جعلت لهم في البلدان النائية البعيدة ما لو لم يشهدوها لم يسق الله ذلك إليهم ؛ لأن من الأرزاق التي جعلت لهم في البلدان ما يساق إلى أهلها وهم في مقامهم وأمكنتهم ، [ و ] من الأرزاق ما يساق أهلها إليها ما لو لم يأتوها لم يسق ذلك إليهم ، فجائز ما ذكر من المنافع : هو ما غاب عنهم من المنافع والأرزاق التي جعلت لهم في البلدان النائية البعيدة إذا خرجوا للحج نالوها ، وإذا لم يخرجوا له لم ينالوا . وقال بعضهم : { لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ } أي : متاجرهم وقضاء مناسكهم . وقوله : { وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ } اختلف فيه : قال الحسن : هو يوم النحر خاصّة . وجائز إضافة الواحد إلى الجماعة ، كقوله : { وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً } [ نوح : 16 ] وإنما جعل في السماء الدنيا ، وكما يقال : ( توارى فلان في دور بني تميم ) ، وإنما توارى في دار من دورهم ، ومثل هذا كثير ، وذلك جائز في اللسان . وقال بعضهم : الأيام المعلومات : هو يوم النحر ويومان بعده . وقال بعضهم : المعلومات والمعدودات هي أيام التشريق جميعاً . وقال بعضهم : الأيام المعلومات : هي أيام العشر ؛ لأنها هي أيام الذكر فيها . وجائز أن يكون قوله : { وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ } كناية عن الذبح ، وأيام الذبح ثلاثة : يوم النحر ويومان بعده ؛ ألا ترى أنه قال : { عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا } ذكر الأكل ولم يذكر الذبح ، فذلك يدل على أن قوله : { وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ } كناية عن الذبح ، وإنما كان كناية عنه ؛ لأنه بالذكر يقدم الذبائح ولا يخلو منه دونه ، والله أعلم . وقوله : { فَكُلُواْ مِنْهَا } : قال بعضهم : من الأضاحي ؛ لأن التناول من الأضاحي كان لا يحل فخرج ذلك مخرج رخصة التناول منها والحل ، لكن الأضاحي لا يحتمل ؛ لأن الوقت ليس هو وقت الأضاحي ولا أماكنها ، إنما هو وقت دم المتعة والقران ودم التطوع . وفيه إباحة التناول من دم المتعة والقران . وقوله - عز وجل - : { وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ } : قال بعضهم : البائس : من البؤس ، وهو ما اشتد به من الحاجة والشدة . وقال بعضهم : البائس : الذي سألك ، والفقير : المتعفف الذي لا شيء له . وقال بعضهم : البائس : هو الذي به زمانة ، والفقير : الصحيح الذي لا شيء له ، وهو مثل الاوّل . وقوله : { ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ } : قال بعض أهل الأدب : التفث : لا يعرف في لسان العرب ما يراد به . وقال الحسن : التفث : هو التقشف ، وهو ترك الزينة ، يدل على ذلك ما روي أنه سئل عن الحاج ، فقال : " كُل أشْعَث تفِل " . وقال أبو عوسجة : التفث في الأصل : الوسخ ، يقال : امرأة تفثة : إذا كانت خبيثة الريح ، وهو قريب مما قال الحسن : إنه ترك الزينة . وأهل التأويل يقولون : التفث : هو حلق الرأس ، وقصّ الأظفار والشارب ، والرمي ، والذبح ، ونحوه . وقال بعضهم : { ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ } : المناسك كلها . وروي في الخبر : " من وقف من عرفة بليل ، وصلى معنا الجمع ، فقد تم حجّه وقضى تفثه " ، ظاهر " قضى تفثه " ، أي : نسكه . وجائز أن يكون قوله : " قضى تفثه " أي : جاء وقت الزينة ، وهو وقت الحلق واللباس ، والله أعلم . وقوله : { وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ } ، أي : ليوفوا ذبح ما أوجبوا ذبحه ، ذكر فيما ساق من الهدي لمتعته ولحجته الأكل منه ؛ لقوله : { فَكُلُواْ مِنْهَا } ، ولم يذكر الأكل ممّا أوجب بالنذر ؛ فلذلك يقول أصحابنا : إنه يجوز له التناول من هدي المتعة والقران ، ولا يجوز التناول مما كان وجوبه بالنذر والكفارة ، بل عليه أن يتصدق بالكل ، وهو ما قال : { فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } [ البقرة : 196 ] ، والله أعلم . { وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } هو طواف الزيارة ، وهو طواف يوم النحر ، وهو الفرض عندنا ، ولا يحتمل ما قال بعض الناس : إنه طواف الصدر ؛ لأن الله تعالى قال : { وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ } [ آل عمران : 97 ] وحج البيت هو الطواف بالبيت لا غير ، وطواف الدخول وطواف الصدر ليس على أهل مكة ذلك الطوافان ، وعليهم الحج كما كان على غيرهم من النّاس ؛ فدل ما ذكرنا على أن قوله : { وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } هو طواف الزيارة ، وهو حج البيت الذي قال الله : { وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ } [ آل عمران : 97 ] . وقوله : { بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } قال بعضهم : سماه : عتيقاً ؛ لأنه أعتقه عن الجبابرة عن أن يتجبروا عليه ، وكم من جبار قد صار إليه ليهدمه فمنعه الله عن ذلك . وقال بعضهم : سماه : عتيقاً ؛ لأنه يرفع إلى السماء الرابعة ، فذلك المرفوع هو البيت العتيق . والبيت العتيق - عندنا - هو الذي بناه إبراهيم - صلوات الله عليه - وأسسه ، ويكون قوله : { وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } الذي أسّسه إبراهيم ، لا بالبيت الحادث الذي أحدثه النّاس ؛ ألا ترى أنه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال لعائشة : " لولا أنَّ قومك حَديثُو عَهْد بالإسْلام لرددت البيت على أساس إبراهيم ، وجَعَلتُ لَهُ بابين : باباً يدخل فيه ، وباباً يخرج منه " ، وروي في بعض الأخبار يرويه عبد الله بن الزبير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما سمي البيت العتيق ؛ لأنه لم يظهر عليه جبّار " فإن ثبت هذا فهو هو .