Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 60-62)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { ذٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ } قد ذكرنا فيما تقدم أنه جائز في اللغة ذكر حرف ( ذلك ) وحرف ( هذا ) على الابتداء وإن كان مما يخبر به عن غائب ، نحو قوله : { هَـٰذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ } [ ص : 49 ] وقوله : { هَـٰذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ } [ ص : 55 ] يستقيم ذكره بدون ذكر { هَـٰذَا } وهو أن يقول : وإن للمتقين كذا ، وإنّ للطاغين كذا ، فعلى ذلك هذا . أو أن يكون ذكر ذلك صلة ما سبق من ذكر الأنباء والأخبار ، يقول : ذلك الذي ذكرت لك وأنبأتك : { وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ } . ثم اختلف في سبب نزول هذه الآية : قال بعضهم : هي في القصاص : أن من قتل ولي آخر فاقتص منه ، ثم أن المقتص منه بغى على ولي المقتول فقتله ، لينصرنّه على من بغى عليه ، وهو ما ذكر في آية أخرى ، وهو قوله : { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ } [ البقرة : 178 ] ، ثم قال : { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ … } [ البقرة : 178 ] كذا ، لكن ذكر هاهنا الاعتداء بعد ما أخذ المال وعفا ، وفي الأوّل ذكر البغي بعد القصاص ، وهو واحد في معناه . وقال بعضهم : نزل في المؤمنين والمشركين ، وذلك أن المشركين عاقبوا المؤمنين بعقوبات واعتدوا عليهم ، ثم إن المسلمين ظفروا بهم ، فعاقبوهم جزاء عقبوتهم ، ثم إن المشركين بغوا على المؤمنين ، فوعد الله لهم النصر عليهم بعد البغي . وقال بعضهم قريباً من هذا ، وهو أن المشركين كانوا يؤذون أصحاب رسول الله ومن آمن منهم ، ويعاقبونهم في أشهر الحج ، ولم يكن للمؤمنين إذن بقتالهم في ذلك الوقت ، فقاتلوهم مكافأة لهم ، فأخبر الله - عز وجل - ووعد لهم النّصر إذا بغى أولئك عليهم من بعد ؛ فعلى هذا التأويل يكون وعد النصر لهم إذا بغى أولئك عليهم من بعد ، وعلى التأويل الأوّل يكون لهم الوعد بالنصر بعد ما بغى أولئك على هؤلاء ، والله أعلم بذلك . وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } للمؤمنين بقتالهم أولئك في أشهر الحج ، حيث كان لم يأذن لهم بالقتال . أو { إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } إذا تابوا ورجعوا عمّا فعلوا ، والله أعلم . وقوله : { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱللَّيْلِ } قد ذكرنا أن حرف { ذٰلِكَ } يستقيم ذكره على الابتداء والائتناف على غير صلة . وجائز أن يكون صلة قوله : { لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُ } ، أي : ذلك النصر لمن ذكر ؛ لأن من قدر على إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل - قادر على ما وعد من النصر لهم . وقوله : { وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } [ { سَمِيعٌ } ] لأقوالهم ، { بَصِيرٌ } بحوائجهم ، والسّميع ، يقال : هو المجيب ، أي : مجيب لدعائهم ، { بَصِيرٌ } بما يكون من الأعداء . أو أن يكون على الابتداء في كل أمر ، وكذلك : { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ } ما ذكرنا . وقال بعضهم : { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ } أي : هو الذي يفعل هذا . وقوله : { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ } قال الحسن : الحقّ : هو اسم من أسماء الله ، به يعطي وبه يحكم بين الخلق ، وبه يقضي ، ونحوه . وجائز أن يكون قوله : { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ } أي : عنده يتحقق ما يطمع في العبادة ويطلب ؛ إذ هو المالك لذلك . وقوله : { وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ ٱلْبَاطِلُ } أي : ما تطمعون بعبادة من دونه باطل ، وهو الأصنام التي عبدوها رجاء الشفاعة ، أو طمعا في السعة ، فأخبر أنها لا تملك ذلك ، وإنما ذلك لله . وقوله : { وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ } أي : من عنده يطلب العلوّ ، [ و ] من عنده يطلب ويطمع الرزق ، والسّعة ، والشفاعة ، والنصر ، والظفر ، والإجابة ، لا من عند هؤلاء الأصنام التي يعبدونها ، يذكر سفههم بعبادتهم الأصنام من دون الله .