Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 63-66)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { أَلَمْ تَرَ } اختلف فيه : قال بعضهم : { أَلَمْ تَرَ } إنما هو حرف تعجيب ، يعجب رسول الله جميع ما يفعل من أفعاله . وقال بعضهم : { أَلَمْ تَرَ } هو حرف إيضاح الحجج وإنارة براهينه ، كقوله : { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ } [ الفرقان : 45 ] ونحوه . وأصله : أن ظاهره وإن كان استفهاما فهو في الحقيقة تحقيق وإيجاب { أَلَمْ تَرَ } أي : قد رأيت ، وقد أخبرت ، وهكذا جميع ما خرج الظاهر في الكتاب مخرج الاستفهام فهو في الحقيقة إيجاب وإلزام . ثم في قوله : { أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَتُصْبِحُ ٱلأَرْضُ مُخْضَرَّةً } - وجهان من الاستدلال على منكري البعث : أحدهما : يخبر عن قدرته وسلطانه : أن من قدر على إنزال الماء من السماء ، وشق الأرض ، وإخراج النبات منها مع لينه وضعفه وصلابة الأرض وشدّتها - قادر على إحياء الخلق بعد الموت ، ولا يحتمل أن يعجزه شيء . والثاني : حيث قدر على إحياء الأرض بعد مواتها ويبسها ، لقادر على البعث والإحياء ، وقد عرفوا أن إعادة الشيء أهون من ابتدائه ، أو يقدر على الإعادة من لا يملك على الابتداء إذا عرف الابتداء . وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } قال الحسن : اللطيف في الشاهد إنما يقال على وجوه ثلاثة : أحدها : أنه يقال للشيء : لطيف ؛ لرقته ، وذلك عن الله منفي . والثاني : يقال : لطيف ؛ لما يتأتى له الأشياء ولا يصعب عليه . والثالث : اللطيف : هو الرّحيم الرءوف . وهذان الوجهان يضافان إلى الله ، والأوّل لا يجوز إضافته إليه . { خَبِيرٌ } : عليم . وقوله : { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } يخبر أن له ما في السماوات وما في الأرض ، وأنهم عبيده وإماؤه ، وأنّه لم يخلقهم لحاجة نفسه ، ولكن إنما خلقهم لحاجة أنفسهم ، حيث أخبر أنّه الغني بذاته . والثاني : يخبر أنه لم يأمرهم ، ولم ينههم ، ولا امتحنهم لمنافع تكون له ، ولكن لمنافع الممتحنين { ٱلْحَمِيدُ } هو المحمود في فعاله ، أو { ٱلْحَمِيدُ } : الحامد . وقوله : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلأَرْضِ وَٱلْفُلْكَ تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ } يذكرهم نعمه ليتأدى به شكره ؛ لأنه أخبر أنه سخر لهم ما في الأرض من أنواع المنافع ؛ ليعلموا أنه لم يخلقهم عبثاً ليتركهم سدى ؛ لأن من كان خلقه لما ذكر لم يكن خلقه - ليكون خلقاً - متروكا سدى ، ويخبر أنه أعطى لهم الأسباب التي بها يصلون إلى منافع الأرض مع شدتها وصلابتها ، والأسباب التي بها يصلون إلى منافع البحر ، وهي الفلك التي خلقها لهم ؛ ليصلوا بها إلى منافع البحر ، حيث خلق الخشب قارّاً على وجه الماء غير متسرب ، وغيره من الأشياء من طبعها التسفل والتسرّب في الماء من الحديد ، والحجر ، ونحوهما من الأشياء ؛ ليعرفوا فضله ورحمته أن كيف ثبت وقر هذا على وجه الماء ، ولم يثبت الحديد والحجر ونحوه ، ثم ثبت الحديد على وجه الماء مع الخشب ؛ إذ السفن لا تخلو عن الحديد ، وبه تقوم السفن ، ثم لم يتسرب ، والله أعلم . وقوله : { وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } أي : يمسك السماء لا بالأسباب ولا بالأشياء التي تمسك الأشياء في الشاهد ، وهو ما قال : { إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ … } الآية [ فاطر : 41 ] . وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } أي : من رأفته ورحمته ما خلق لهم وسخر ما ذكر . وقوله : { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } هذا قد ذكرناه . وقوله : { إِنَّ ٱلإِنْسَانَ لَكَفُورٌ } جائز أن يكون قوله : { إِنَّ ٱلإِنْسَانَ } ، أي : الكافر { لَكَفُورٌ } للبعث أي : جاحد له ، والكفور لربّه في نعمه التي أنعمها عليهم ، حيث ذكر أنّه سخرها لهم في قوله : { سَخَّرَ لَكُم … } كذا ؛ لأنه ينظر في النعم إلى أسبابه والحيل التي يحتال لا إلى فضل ربّه وإفضاله في تلك النعم ؛ لذلك صار كفوراً لربّه في نعمه . وأمّا المؤمن فإنّه ليس ينظر إلى الأسباب والحيل فيها ، ولكن ينظر إلى فضل الله وإفضاله وإنعامه عليه فيها ؛ فيكون شكوراً له فيها غير كفور ، والكافر ينظر إلى ما ذكرت ؛ لذلك كان ما ذكر . و [ هذا ] على المعتزلة في قوله : { إِنَّ ٱلإِنْسَانَ لَكَفُورٌ } ؛ لأنه يقول : هو الذي سخر الفلك ، وهم يقولون : لم يسخر الفلك ، ولكن إنما سخر الخشب الذي منه تتخذ الفلك ؛ لأنهم لا يرون لله في فعل العباد تدبيراً ولا صنعاً ، وهم يكفرون نعمة ربهم فيما ذكر من تسخير الفلك لنا ، وهم داخلون في ظاهر هذه الآية على الوجه الذي ذكرنا .