Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 68-70)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً } . اختلف في المنسك : قال بعضهم : { مَنسَكاً } ، أي : جعلنا لكل أمّة دينا يدعون إليه ، أي : كل أمة تُدْعْى إلى دين واحد وهو دين الإسلام ، وهو قول الحسن . وقال بعضهم : { لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً } ، أي : شريعة ، فهذا على الاختلاف ، أي : جعلنا لكل أمّة شريعة على حدة . { هُمْ نَاسِكُوهُ } ذلك كقوله : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً } [ المائدة : 48 ] . وقال عامة أهل التأويل : { مَنسَكاً } : أي ذبائح وعيداً ، قالوا : ذكر هذا - والله أعلم - لأن من الناس من ينكر أن يكون الذبح شريعة الله ، فأخبر أن الذبح سنة الله وشريعته في الأمم كلها ، ليس على ما قالت الثنوية . وقوله : { فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي ٱلأَمْرِ } على تأويل من يقول : إن المنسك هو الدين ، أي : لا يخالجنك في نفسك أن الذي أنت عليه هو دين الله وادعُ الناس إليه . وعلى تأويل من يقول : هو الذبح ، يقول : { فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ } ، أي : لا يصدّنك عن الذبح من ينكر ذلك ، كقوله : { وَلاَ يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ ٱللَّهِ } [ القصص : 87 ] . { وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ } أي : ادع إلى توحيد ربك . أو أن يكون قوله : { وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ } : إلى عبادة ربك ، وانههم عن عبادة من دونه . وقوله : { إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ } هذا يدل أن التأويل الذي ذكرنا في المنسك - وهو الدّين - أشبه وأقرب ؛ لأنه ذكر { إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ } فلا يتخالجن في نفسك شك في ذلك ، والله أعلم . وقوله : { وَإِن جَادَلُوكَ } في أمر الذبيحة ، أو في الدين ، وقد جادلوه في الدّين كثيرا ، لكن قال ذلك - والله أعلم - عند إياسه عن توحيدهم وإسلامهم ، يقول - والله أعلم - : { وَإِن جَادَلُوكَ } في الدّين والتوحيد فقل : { ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } ، وهو كقوله : { لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } [ الشورى : 15 ] فعلى ذلك قوله : { ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } من الدّين . قال بعض أهل التأويل : هذه الآية منسوخة ، نسختها آية القتال ؛ لأن فيها حظراً عن القتال ، والترك على ما هم عليه ، وتسليم الأمر إلى الله يحكم بينهم يوم القيامة . لكن جائز ما ذكرنا أنه إنما قال ذلك عند الإياس منهم عن توحيدهم . وقوله : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } قد ذكرنا في غير موضع أن حرف { أَلَمْ } حرف يتوجه إلى وجوه : إلى التعجب مرة ، وإلى التنبيه والإيقاظ ثانياً ، وإلى إيضاح الحجج والبراهين ثالثاً . وقوله : { إِنَّ ذٰلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } . وقوله : { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } : حججا وبراهين ، { وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ } يخبر عن سفههم أنهم يعبدون غير الله ولا سلطان ولا حجة لهم ، ولا لهم بذلك علم ؛ لأنهم كانوا لا يؤمنون برسول يخبرهم ، ولا كان لهم كتاب فيعلمون به ، فيقول : إنهم يقولون : الله أمرهم بذلك ، ولا حجة لهم في ذلك ولا علم . وفيه أنّه إنما بعث الرسل إليهم على علم منهم أنهم يكذبون الرسل ؛ لأن من الناس من ينكر بعث الرسل إلى من يعلم أنه يكذبهم ويترك إجابتهم كمن لا يبعث في الشاهد رسولا إلى من يعلم أنه يكذبه ولا يجيبه ، فعلى ذلك يقولون : لا يجوز أن يكون الله يبعث الرسول إلى من يعلم أنه يكذبه ولا يجيبه ، لكن الله أخبر أنه على علم منهم بالتكذيب وترك الإجابة بعثهم ، حيث قال : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } . وأما قولهم : إن من علم في الشاهد تكذيب المرسل إليه رسوله فإنه لا يبعثه إليه ؛ لأن المرسل إنما يبعثه لحاجة نفسه ومنافعه ، فإذا علم منه تكذيبه وترك الإجابة لم يبعثه ، فأمّا الله - سبحانه وتعالى - إنّما يرسل الرسول لحاجة المرسل إليه ومنافعه ، لا لحاجة نفسه ومنفعته ، فلا ضرر يلحقه في تكذيبه وجحوده ، فجائز أرسله على علم منه بالتكذيب . وقوله : { إِنَّ ذٰلِكَ فِي كِتَابٍ } قال بعضهم : إن ذلك العلم في الكتاب الذي عنده . { إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } يقول : حفظه يسير على الله بغير كتاب ، لا يصعب عليه حفظ شيء ؛ لأنه عالم بذاته ، لا بسبب ولا تعليم ، وإنما يصعب حفظه على من كان علمه بالشيء بسبب وتعليم . وقوله : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّ ذٰلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } فيه دلالة رد قول القدرية ، حيث قالوا : يكذب من كذب الرسل لا بإرادة الله ، فذكر أنه على علم منه ذلك منهم ، وكذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " سيكُون في آخر الزمَانِ ناسٌ من أمتي يُكذبون بالقدَرِ سَيكفيكم من الردّ عليهم أن تقولوا : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } " . وتأويل هذا - والله أعلم - : أن يُسألوا ، فيقال لهم : أراد الله أن يصدق خبره الذي أخبر أو يكذب ؟ فإن قالوا : أراد أن يصدق في خبره ، لزمهم أن يقولوا : أراد جميع ما كان منهم . وإن قالوا : أراد أن يكذب خبره ، فيكون كفراً محضاً .