Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 71-76)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } هو ما ذكرنا أنه يسفههم بعبادتهم دون الله بلا حجة ، ولا برهان ، ولا علم ، وتركهم عبادة الله مع الحجج ، والبراهين ، والعلم أنه إله ، وأنه ربهم مستوجب للعبادة . وقوله : { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } ينصرهم ويمنعهم من عذاب الله ، ففيه دلالة إثبات رسالته ؛ لأنه إنما قال ذلك للرؤساء منهم والقادة فلم يتهيأ لهم نصرة شيء ، ولا رد ما قال بشيء دل أنه بالله كان ذلك ، والله أعلم . وقوله : { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ } يحتمل الآيات : الحجج والبراهين ، ويحتمل : القرآن المنزل عليه . { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمُنْكَرَ } : الإنكار ، آثروا العناد ، والردّ لآياته ، والكراهية والبغض له . { يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِٱلَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَٰتِنَا } يخبر عن سفههم وشدة تعنتهم وعتوهم عند تلاوة الآيات عليهم ، وإقامة الحجج عليهم ، حيث قال : { يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِٱلَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ } { يَسْطُونَ } ، قيل : يأخذون أخذا ، وقيل : يبطشون بطشاً . وقال القتبي : { يَسْطُونَ } ، أي : يتناولونهم بالمكروه من الشتم والضرب . وقال أبو عوسجة : { يَكَادُونَ يَسْطُونَ } أي : يقعون بهم ، يقال : سطا يسطو سطوة ، ورجل ذو سطوة وبطشة ، أي : ذو قوة وقدرة ، قال : ويقال : سطوت بفلان ، أي : أخذته أخذاً شديداً ، أو بطشت به كذلك . ثم قال : { قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكُمُ ٱلنَّارُ } ظاهر الآية ليس بجواب لما تقدم ، ولا صلته ، وليس على الابتداء ، ولكن على نازلة وأمر كان منهم ، لم يذكر لنا ذلك . فأمّا ابن عباس وغيره من أهل التأويل قالوا : إنما أنزلت جوابا لما قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه ، حيث قالوا : ما نعلم قوما أشقى منكم حيث رأوهم قد حظر الدنيا عليهم ، لم يعطوا من الدنيا شيئاً ، فنزل جواباً لهم : { قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكُمُ ٱلنَّارُ … } الآية . وقال بعضهم : هو جواب قوله : { كَادُونَ يَسْطُونَ بِٱلَّذِينَ يَتْلُونَ } { قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكُمُ ٱلنَّارُ } ؛ كقوله : { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ … } الآية [ المائدة : 60 ] . وقوله : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ } قد ذكر معنى ضرب الأمثال والحاجة إليها ، وذلك أن العقول يجوز أن يعترض ما يستر عليها سبيل الحق وإلا لم يجز ألا تدرك العقول لما جعلت العقول له من درك الحق ، لكن يمنع عن درك الحق وسبيله ما ذكرنا من اعتراض السواتر والحجب فيستكشف ذلك بما ذكرنا من الأمثال ، ثم في هذا المثل وجهان : أحدهما : يخبر عن تسفيه أحلامهم في عبادتهم من لا يقدر على خلق أضعف خلق ، وهو ما ذكر : { لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ } وتركهم عبادة من هو خالقهم وخالق جميع الخلائق . والثاني : يخبر عن قطع ما يأملون ويطمعون من عبادتهم الأصنام ، حيث قال : { وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ } ويتركون عبادة من يؤمل منه ويطمع كل خير ، والله أعلم . وقوله : { فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ } قال بعضهم : أجيبوا له . وقال بعضهم : استمعوا استماع من نظر وتأمل الحق ويقبله ، إذا أظهر الاستماع من لا ينظر إلى الحق ، ومعناه : إذا أظهر له الاستماع من لا ينظر إلى الحق ولا يقبله ، والله أعلم . وقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } قال بعضهم : { تَدْعُونَ } ، أي : تعبدون من دون الله ، وقال : { تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } على الدعاء ، أي : تسمونهم : آلهة من دون الله ، وقد كان منهم الأمران جميعاً : العبادة للأصنام من دون الله ، وتسميتهم إياها : آلهة من دون الله . وقوله : { لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ } فيه ما ذكرنا من الوجهين : من تسفيه أحلامهم في عبادتهم من لا يملك خلق أضعف خلق الله ، وعجزهم عما يأملون من النفع ، وعن دفع من يروم بهم الضرر وسلب ما ذكر منهم . ثم اختلف في قوله : { ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ } . قال بعضهم : { ٱلطَّالِبُ } : الصنم ، { وَٱلْمَطْلُوبُ } : هو الذباب ، لكن على التأويل يضمر فيه : ( لو ) ، أي : ضعف الصنم لو كان طالبا . قال بعضهم : { ٱلطَّالِبُ } هو الذباب ، { وَٱلْمَطْلُوبُ } : هو الصنم . فإن قيل : وصفهما جميعاً بالضعف : الذباب والصنم جميعا ، على تأويلهم - أعني : هؤلاء - فالصنم ضعيف ، عاجز ، على ما وصف ، وأمّا الذباب فهو ليس بضعيف ؛ لأنه غلب ذلك الصنم إن كان طالبا أو مطلوبا ، فكيف وصفه بالضعف ، وهو الغالب عليه في الحالين ؟ لكنه كأنه رجع قوله : { ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ } إلى العابد والمعبود ، كأنه قال : ضعف العابد عمّا يأمل ويطمع من عبادته إياه ، وضعف المعبود عن إيفاء ما يؤمل ويطمع منه ، فهذا كأنه أشبه وأقرب إلى التأويل من الأول ، والله أعلم . وقوله : { مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } اختلف فيه : قال بعضهم : { مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } أي : ما عرفوا [ الله ] حق معرفته ، قالوا له بالشريك والولد والصاحبة ، وما قالوا فيه مما لا يليق به ؛ لأنهم لو عرفوه حق معرفته ، لم ينسبوا إليه ، ولا وصفوه ، وعرفوا بذاته وتعاليه عن ذلك ، لكن حيث لم يعرفوه حق معرفته شبهوه بواحد من خلقه ، على ما ذكرنا . وقال بعضهم : { مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } أي : ما عظموا الله حق عظمته ، حيث صرفوا العبادة والشكر إلى غيره ؛ إذ لو عظموه حق تعظيمه ، ما صرفوا عبادتهم وشكرهم إلى غير الذي أنعم عليهم ، وما أشركوا غيره في ذلك ، على علم منهم أنه إنما وصلت إليهم تلك النعم من الله ، لا ممن عبدوه ، وبالله العصمة والصواب . ثم يكون تعظيمه ومعرفته على الحقيقة بتعظيم أموره ، وقبولها ، والقيام بها ، لا في قوله : يا عظيم ، يا كبير ، ونحوه ، ولكن على ما ذكرت من تعظيم أموره ، وقيامه بها ، وكذلك المحبة لله إنما تكون في القيام بأموره وإقباله نحوها ، والانتهاء عن مناهيه ، لا في قوله : أنا حبيبك ، أو تصوير شيء في قلبه ، ولكن على ما ذكرت ، والله أعلم . وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } يحتمل قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } لنصر أوليائه ، وجعل العاقبة لهم { عَزِيزٌ } أي : منتقم من أعدائه . أو يقول : { لَقَوِيٌّ } ؛ لأنه تضعف جميع القوى عند قوته { عَزِيزٌ } : يذل جميع الأعزة عند عزته . أو يقول : { لَقَوِيٌّ } ؛ لأنه به يقوى من قوي ، ومنه يستفيد ذلك { عَزِيزٌ } ؛ لأنه به يعز من عز به ، ومنه كان ذلك ، والله أعلم . وقوله : { ٱللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ ٱلنَّاسِ } يحتمل قوله : { يَصْطَفِي مِنَ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً } ، أي : اختار رسلا من الملائكة في بعض ما امتحنهم [ به ] من أنواع العبادات له والطاعات ، بعث منهم إليهم رسلا بتبليغ ذلك على ما اختار من الناس رسلا إليهم فيما امتحنهم . ويحتمل : اصطفى رسلا من الملائكة إلى الرسل من الإنس ، أي : اختار منهم - أعني : من الناس - رسلا من الإنس ، والله أعلم ، كقوله : { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [ الأنعام : 124 ] . وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } جائز أن يكون قوله : { بَصِيرٌ } لمن يصلح للرسالة ومن لا يصلح ، ويصبر لمن اختار لها ومن لم يختر ، سميع لما يتلقى المرسل إليه الرسول من الإجابة والقبول ، والردّ والتكذيب ، وأنه على علم منه بالرد والتكذيب أرسل [ رسله ] . وفيه دلالة أنه إنما اصطفاهم للرسالة ، لا بشيء يستوجبون منه ذلك ولكن إفضالا منه . قوله : { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } أي : يعلم ما كان قبل أن يخلقهم { وَمَا خَلْفَهُمْ } : بعدما خلقهم . وقال الحسن : يعلم بأوائل أمورهم وبأواخرها . وقال بعضهم : { مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } : من الدنيا ، { وَمَا خَلْفَهُمْ } : من الآخرة . وقال بعضهم : { مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } : من الآخرة ، { وَمَا خَلْفَهُمْ } : من الدنيا . وجائز أن يكون قوله : { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } : ما عملوا بأنفسهم في حياتهم { وَمَا خَلْفَهُمْ } ما سنوا لغيرهم من بعدهم ، كقوله : { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ } [ الانفطار : 5 ] ما عملوا هم ، وما أخرت : ما سنوا لغيرهم من بعدهم . وجائز أن يكون لا على حقيقة بين الأيدي ولا خلف ، ولكن [ معناه ] : لا يخفى عليه شيء من أفعالهم وأقوالهم . { وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } قد ذكرنا معناه فيما تقدم .