Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 17-22)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ } . قال بعضهم : سبع سماوات . وقال بعضهم : سبعة أفلاك . يذكر هذا - والله أعلم - أيهما كان السماوات أو الأفلاك التي جعل لأمر الخلق ولحوائجهم ؛ لوجهين : أحدهما : يخبر عن قدرته وسلطانه وغناه : أن من قدر على خلق ما ذكر وإنشائه بلا سبب ، لقادر على إنشاء الخلق لا من شيء . والثاني : أن من قدر على هذا يقدر على بعثهم وإحيائهم بعد الموت . قال القتبي : سبع طرائق ، أي سبع سماوات : كل سماء طريقة ، ويقال عن الأفلاك : كل واحد طريق . وإنما سمي طرائق ؛ لأن بعضها فوق بعض ، يقال : طارقت الشيء ؛ إذا جعلت بعضه على بعض . ويقال : وبشر طرائق . وغيره قال : طرائق أهواء مختلفة . وقوله : { وَمَا كُنَّا عَنِ ٱلْخَلْقِ غَافِلِينَ } . أي : لم نخلقهم على جهل منا بأحوالهم ؛ ولكن على علم منا بذلك . ولا يحتمل أن يكون خلقه إياهم على علم منه ، ثم يخلقهم للفناء لا لعاقبة تتأمل ؛ لأن من يفعل هذا في الشاهد إنما يفعل إما للجهل به أو لحاجة ، والله يتعالى عن ذلك كله . أو أن يكون قوله : { وَمَا كُنَّا عَنِ ٱلْخَلْقِ غَافِلِينَ } : خلق ما ذكر ، أي : إذا عرفتم أن خلق هذه الأشياء لا لأنفسها ، ولكن لأنفسكم ولمنافعكم ، فلا يحتمل أن يكون خلقها لكم بلا محنة ولا ابتلاء ، فإن ثبت المحنة فيكم ثبت الثواب والعقاب ؛ فإن ثبت هذا ثبت البعث والحياة ، والله أعلم . وقوله : { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ } . قال بعضهم : بقدر : بعلم منّا . وقال بعضهم : ما يقع لهم الحاجة والكفاية . وجائز أن يكون قوله : { بِقَدَرٍ } ، أي : معلوم مقدر ، لا يتقدم ولا يتأخر ، ولا يزداد ولا ينتقص ، ولكن على ما قدر ، وكذلك جميع الأشياء . وقوله : { فَأَسْكَنَّٰهُ فِي ٱلأَرْضِ } . يذكر هذا ويخبر عن قدرته وسلطانه : أن من قدر على استنزال الماء من السماء يقدر على البعث وعلى خلق الشيء لا من شيء ؛ إذ لا أحد من الخلائق يقدر على ذلك إلا بالحيل التي علّمه الله . أو أن يكون يقول : إنه حيث جعل منافع الأرض متصلة بمنافع السماء ، ومنافع السماء [ متصلة ] بمنافع الأرض ؛ [ على ] بعد ما بينهما ، دل اتصال منافع أحدهما بالآخر ، [ مع ] بعد ما بينهما على أن منشئهما واحد ، ومدبّرهما واحد عالم بذاته . وقوله : { وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَٰدِرُونَ } . كقوله : { أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً … } الآية [ الكهف : 41 ] . وقوله : { فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ } . أي : بالماء . { جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ } . أي : الكروم ؛ يذكر نعمة الله [ التي ] أنعمها عليهم من الماء الذي به حياة الأبدان والأشياء جميعاً ؛ ليتأدى به شكره وعبادته . وقوله : { فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ } . إن كان قوله : { لَّكُمْ فِيهَا } ، أي : في الجنات ؛ حيث ذكر أنه أنشأ لنا فواكه كثيرة ؛ ففيه حجة لأبي حنيفة - رحمه الله - أن من حلف ألا يأكل فاكهة ، فأكل عنبا - لم يحنث ؛ حيث ذكر النخيل والأعناب ، وذكر فيها الفواكه على حدة . وإن كان يعني به النخيل والأعناب ، فليس فيه حجة له . وقوله : { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ } . أي : أنشأنا لكم - أيضاً - شجرة في طور سيناء ، ثم الشجرة التي تكون في الجبال لا صنع للخلق في إنباتها ، وما يكون في الجنان والبساتين إنما يكون بإنبات الخلق ، ثم أضاف كليهما : ما يكون للخلق فيه صنع وما لا يكون ؛ دل إضافة ذلك إليه كله على أن لله في فعل العباد صنعا ، وأن جميع ما يكون إنما يكون بصنع منه ولطف ، ويذكرهم نعمه التي أنعمها عليهم : من إنشاء الجنان لهم ، والنخيل والأعناب والفواكه التي ذكر ليتأدى بذلك شكره . وفيه دلالة قدرته وسلطانه ؛ حيث أنشأ الشجرة ، وأخرجها من الجبل ، وهو أشد الأشياء وأصلبها ، [ وجعل ] في تلك الشجرة الدهن ، وهو ألين الأشياء وألطفها ؛ فيخبر أن من قدر على إخراج ألين الأشياء من أشدها وأصلبها لا يعجزه شيء . وفيه أن لا بأس بقران شيء إلى شيء ، فهو كان جميعاً وضم بعضهم بعضه إلى بعض ، ويجمع في الأكل حيث قال : { تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ } هو الإدام . ثم اختلف في قوله : { طُورِ سَيْنَآءَ } : قال بعضهم : الطور : الجبل ، بالسريانية ، والسيناء : الحسن ، بالحبشية . وقال بعضهم : الطور : الجبل وما ذكر ، والسيناء : الشجرة الحسناء . وقال بعضهم : الطور : هو الجبل الذي كلم الله موسى وأوحى إليه ، والشجرة : هي شجرة الزيتونة . وقال بعضهم : السيناء : الحجارة . وقال بعضهم : الطور : السيناء المبارك بما أوحى على موسى . وقال بعضهم : الطور : الجبل ، والسيناء : شجر حوله . وفي حرف ابن مسعود وحفصة : ( وشجرة تخرج من طور سيناء تخرج الدهنَ وصِبْغَ الآكلين ) . قال بعضهم : تخرج الثمر . قال أبو معاذ : أنبت النبات ونبت : لغتان ؛ كقولك : أسرى وسرى . وقال زهير : حتى إذا أنبت البقل . قال الكسائي : تقول : خرجت بزيد وأخرجت زيداً ، ولا تقول : أخرجت بزيد ، إلا أن تقول : أخرجت بزيد عمرا . وقال القتبي : { وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ } مثل الصباغ كما يقال : دبغ دباغاً ، ولبس لباساً . وقال أبو عوسجة : { وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ } ، أي : الصباغ ، وهو ما اصطبغت به من شيء ، أي : غمرته فيه . وقوله : { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا } . في سورة النحل { مِّمَّا فِي بُطُونِهِ } [ النحل : 66 ] قال بعضهم : إنما ذكره على الفرد والوحدان ، وفيما ذكره على التأنيث على الجمع . وقال بعضهم : فيما ذكره بالتذكير أراد به جنساً من الأنعام مما في بطونه ، وهذا أشبه ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم . ثم قوله : { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً } وجه العبرة فيها من وجوه : أحدها : ما قال ابن عباس ، وهو ما ذكر - عز وجل - : { مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ … } الآية [ النحل : 66 ] ؛ ففي ذلك عبرة ودلالة على وحدانيته وربوبيته وعلمه وقدرته وتدبيره ولطفه ؛ إذ ليس شيء منها إلا وفيها دلالة وحدانيته وربوبيته ، ودلالة علمه وقدرته وتدبيره . وفيه أنه لم ينشئ هذه الأنعام لأنفسها ، ولكن أنشأها للبشر ؛ حيث أخبر أنه سخرها لهم ؛ ليمتحنهم بها . ثم اختلف في الأنعام : قال مقاتل : الأنعام : كل شيء يؤكل لحمه ويشرب لبنه ، وما لا يؤكل لحمه ولا يشرب لبنه - فليس من الأنعام . وقال أبو معاذ : إن من الأنعام ما لا يؤكل لحمه ولا يشرب لبنه . وقال بعضهم : الأنعام : كل بهيمة حتى الوحش . والأشبه أن تكون الأنعام هي الإبل ، ولكنا لا نعلم حقيقته ؛ إنما هو اللسان ، فهو على ما يسميه أهل اللسان . وقوله : { وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ } . قيل : من الحمولة وغيرها ، وقد ذكرنا هذا في سورة النحل . وقوله : { وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } . يذكرهم نعمه فيما سخر لهم من الأنعام والسّفن ؛ ليتأدى به شكره .