Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 78-83)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنْشَأَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } . يذكرهم نعمه التي أنعمها عليهم ؛ ليتأدى بذلك الشكر له عليها ، لكنّه ذكر هنا أمهات النعم ، لم يذكر غيرها ، وهو السمع والبصر والفؤاد الذي ذكر ، إذ بها يوصل إلى معرفة : كل نافع وضار ، وكل طيب وخبيث ، وكل لين وخشن ، وكل سهل وشديد ، وكل حلو ومر ، وكان الإنسان مطبوعاً على حب النافع والطيب واللين والسهل ، واختياره على أضداده ، والهرب من كل ضار ومؤذ ، والفرار عن أضداد ما ذكرنا من المختارات عنده ؛ فأخبر أنه أعطى لهم ما يعرفون به : النافع من الضار ، والطيب والخبيث ، ونحوه شهادة وخبرا ، وما به يميزون ذا من ذا ، ويختارون ما هو المختار عندهم من غيره ، وما ينفعهم مما يضرهم ؛ ليتأدى بذلك شكره . [ و ] يذكرهم في قوله : { وَهُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ } . أي : جعلكم سكان الأرض بقدرته وسلطانه ، وأخبر أنه لم يخلقكم عبثاً ؛ ولكن للبعث بعد الموت ، والحشر إليه ؛ لما ذكرنا في غير موضع : أن خلق الخلق للفناء خاصّة لا للبعث والإحياء بعد الموت - عبث ولعب ، وأخبر عن قدرته وسلطانه ؛ حيث قال : { وَهُوَ ٱلَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ ٱخْتِلاَفُ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } . أي : من قدر - والله أعلم - على إحياء الموتى وإماتة الحيّ لقادر على البعث ، ومن ملك على أنشاء الليل بعد ما ذهب أثر النهار وإنشاء النهار بعد ما ذهب أثر الليل لقادر على الإحياء والبعث بعد الموت . ثم قال : { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } . أي : أفلا تعقلون أنه كذلك ؛ فكيف تنكرون قدرته على البعث والإحياء بعد ما صرتم رماداً وتراباً ؟ ! وكيف تشكرون غيره في عبادتكم إياه وتصرفون الشكر إلى غيره فيما أنعم عليكم . وأهل التأويل صرفوا قوله : { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنْشَأَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ } إلى آخره إلى الكفار ، وهم يكفرون بنعمته التي ذكر وينكرونها ، وهم لا يشكرون رأساً ؛ بقوله : { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } ، إلا أن يقال : إنهم في بعض الأحايين ربما يشكرون الله ويتضرعون إليه ؛ نحو قوله : { فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ … } الآية [ العنكبوت : 65 ] ، ونحوه من الآيات التي ذكر فيها دعاءهم وتضرعهم إلى الله عندما أصابهم الضرّ ؛ فذلك منهم شكر ، أو أن يقال : إن قوله : { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } ، أي : قليلا ما تشكرون رأساً ؛ كقول الرجل : لآخر قليلا ما تفعل كذا ، أي : لا تفعل ؛ فعلى ذلك هنا إن كان المراد منها والخطاب بها أولئك الكفرة ، وإلا : الخطاب بها يجيء أن يكون راجعاً إلى المؤمنين الذين يقومون بفرض الشكر لنعمه وقليله ، وأما الكفرة فهم يكفرونها وينكرون رأساً . وقوله : { بَلْ قَالُواْ مِثْلَ مَا قَالَ ٱلأَوَّلُونَ * قَالُوۤاْ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً } . يخبر - جل وعلا - رسوله : سفه قومه ، وقولهم الذي قالوا له بعد ما تبين لهم حكمته في خلقهم وإنشاء ما أنشأ لهم ، وذكرهم نعمه التي أنعم عليهم ، وذكر قدرته وسلطانه فيما ذكر من قوله : { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنْشَأَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ } ، وقوله : { وَهُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } ، وقوله : { وَهُوَ ٱلَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ } : ذكرهم ما ذكر في هؤلاء الآيات خلقهم وقدرته في إنشاء ما أنشأ له ، وعرفهم ذلك ؛ حتى عرفوا ذلك كله ، ثم بين سفههم في جوابهم رسوله ، فقال : { بَلْ قَالُواْ مِثْلَ مَا قَالَ ٱلأَوَّلُونَ } : يخبر رسوله أن هؤلاء ليسوا بأوّل مكذبي الرسل ؛ ولكن كان لهم شركاء وأصحاب في التكذيب فقلد هؤلاء أولئك الأولين ، يصبر رسوله على سفه هؤلاء ، وأذاهم ؛ ليصبر على ذلك كما صبر إخوانه الذين كانوا من قبل ؛ إذ يذكر لرسوله سبيل بعض ما تداخل فيه بتركهم إجابته ، وخوضهم فيما فيه هلاكهم ؛ لأنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاد أن تهلك نفسه لذلك ؛ حتى قال : { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } [ فاطر : 8 ] ، { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ } [ الكهف : 6 ] : فبين ما قالوا : { قَالُوۤاْ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَآؤُنَا هَـٰذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } . يقولون : قد وعد آباؤنا بمثل ما وعدنا نحن ، فلم ينزل بهم ما وعدوا من العذاب ؛ ولا ينزل - أيضاً - بنا ما تعدنا ، وهو أساطير الأولين ، أي : أحاديث الأولين ، ثم أمر رسوله أن يسألهم ما يلزمهم الإيمان والاعتراف بما كانوا ينكرون ، فقال : { قُل لِّمَنِ ٱلأَرْضُ وَمَن فِيهَآ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } .