Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 84-92)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { قُل لِّمَنِ ٱلأَرْضُ وَمَن فِيهَآ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } . فقالوا : لله ، لم يجدوا بدّاً من أن يقولوا : لله وأن يقروا ؛ لأنهم لو أنكروا ذلك لظهر جهلهم عند كل الخلائق ؛ فقالوا : لله ؛ فيقول : فإذا عرفتم أن ذلك كله له ، وهو خالقهم ، فكيف تركتم طاعته ، وأنا لست أدعوكم إلا إلى ذلك : أن تجعلوا الأرض وما فيها كله لله ؛ أفلا تتعظون وتقرون بما أدعوكم إليه ؛ وعلى ذلك قوله : { قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلسَّبْعِ وَرَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ } لا بد لهم من أن يقروا بذلك ، فإذا عرفتم بذلك وأقررتم به : { أَفَلاَ تَتَّقُونَ } : مخالفته ، وتتقون نقمته . وكذلك ما قال : { قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ } . فإذا عرفتم ذلك ، وأقررتم به ، { فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ } : قيل : فأنى تصرفون عن ذلك . وقال بعضهم : فأنى تخدعون وتفرون في ذلك ؛ إذا عرفتم أن ذلك كله لله . وجائز أن يكون قوله : { فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ } : رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون : إنه ساحر كذاب ، وهو ليس يدعوكم إلا إلى ما أقررتم واعترفتم به ؛ فأنى تنسبونه إلى السحر ، والله أعلم . وقوله : { مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ } : قد ذكرناه فيما تقدم . قوله : { وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ } . أي : هو يؤمن كل خائف ، ولا يقدر أحد أن يؤمن من أخافه هو ، وهو كقوله : { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ … } الآية [ يونس : 107 ] . قال أبو عوسجة : قوله : { وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ } ، أي : لا يمنع ، { وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ } ، أي : لا يقدر أحد أن يمنع منه أحداً ؛ { فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ } ، أي : تغرون وتخدعون ، تقول : سحرت ، أي : خدعت وغررت ، وقال : تسحرون ، أي : تخدعون وتصرفون عن هذا ، وسمي السحر من هذا . وقوله : { بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِٱلْحَقِّ } . قد ذكرنا أنه يحتمل وجوهاً : أحدها : بالحق ، أي : بوحدانية الله ، وألوهيته ، وتعاليه عن الشركاء والولد ، وعما وصفوه . أو أن يكون قوله : { بِٱلْحَقِّ } ، أي : بالقرآن الذي عرفوه أنه حق ، وأنه من عند الله . أو أن يريد { بِٱلْحَقِّ } : محمداً صلى لله عليه وسلم عرفوا أنه حق وأنه رسول الله إليهم . أو أن يكون { بِٱلْحَقِّ } ما ذكر : من ذكرهم ، وما فيه شرفهم ومنزلتهم . و { بِٱلْحَقِّ } الذي يكون لله عليهم ، وما لبعضهم على بعض من الحقوق ، والله أعلم . وقوله : { وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } . في وصفهم ربهم ما وصفوه بما لا يليق وصفه به . أو كاذبون [ في قولهم بأن ] القرآن مفترى مختلق من عند الله . أو كاذبون في قولهم : بأنه ساحر ، وأنه مجنون ، وأنه ليس برسول ؛ كذبوا في جميع ما أنكروا ، والله أعلم . وقوله : { مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ } . جائز أن يكون كل حرف من هذه الحروف موصولا بعضه ببعض لما تقدم . وجائز أن يكون كل حرف من هذه الأحرف منفصلا من الأول مستبدا بذاته . فإن كان على الأوّل فيكون قوله : { مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ } ، ولو كان اتخذ ولدا لكان إلها ؛ إذ الولد يكون من جنس الوالد ومن جوهره ، لا يكون من خلاف جوهره ولا من غير جنسه في المتعارف ؛ فإذا كان إلها من الوجه الذي ذكرنا لذهب إذن كل إله بما خلق . وإن كان منفصلا ، فهو على ما ذكر من فساد ذلك كله ؛ لأنه قال : ولو كان معه إله - على ما زعموا - إذن لذهب كل إله بما خلق من : الخير ، والشر ، والدلالة على ألوهيته . { وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } . أي : قهر وغلب بعضهم بعضا على ما يكون من عادة ملوك الأرض ؛ فإذا كان ما قالوا ذهب دلالة الألوهية والربوبية ؛ فإذا لم يكن ذلك دل أنه واحد لا شريك معه ولا ولد ؛ إذ اتساق التدبير ، وجري الأشياء على حد واحد وسنن واحد دل على ألوهية واحد لا لعدد ؛ إذ لو كان لعدد لكان ما ذكر من غلبة بعض على بعض ، وقهر بعض على بعض ، ثم ما ذكر : { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } [ الأنبياء : 22 ] . ثم معلوم أن مثل هذا الاحتجاج لا يكون مع الذين ينكرون ألوهية الله ويعبدون الأصنام ، وهم مشركو العرب وكفار مكة ، ولكن إنما يكون مع الذين يقرون بألوهية الله ، لكن يجعلون معه شريكاً لحاجة تقع له ، وهم : الثنوية والدهرية والمجوس ، وأولئك الذين يجعلون خالق الشر غير خالق الخير ، وخالق هذا غير خالق هذا ؛ فيكون قوله : { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } على هذا ، أي : يتعالى عما وصفوه بالحاجة له في خلق ما خلق ، والنفع له في ذلك ، وكذلك قوله : { فَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } . وأما على ظاهر ما تقدم ذكره : من اتخاذ الولد والشريك - سبحان الله عما يصفونه من الولد والشريك ، وما قالوا فيه ونسبوا إليه ما لا يليق به . أو أن يكون قوله : { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } كما يوصف المخلوق المحدث ؛ لأنهم وصفوه بالولد ، والولد في متعارف الخلق لا يكون إلا من الوالد والأم ، هذا [ هو ] التوالد المعروف فيما بين الخلق ، فإذا وصفوه باتخاذ الولد شبهوه بالمخلوق المحدث من الوجه الذي ذكرنا ؛ فنزه نفسه عن ذلك .