Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 93-98)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ * رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } . وقوله : { رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ } : يحتمل على وجهين : أحدهما : { قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ * رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } ؛ لأنه كان وعد له أن يريه بعض ما وعد لهم بقوله : { فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ } [ غافر : 77 ] ؛ فلا نريك شيئاً ؛ فقال : ربّ إن أريتني ما يوعدون أو لا تريني فلا تجعلني في القوم الظالمين . والثاني : أنك ، وإن أريتني ما تعدهم على التحقيق ، فلا تجعلني في القوم الظالمين . ثم يحتمل قوله : { فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } وجهين : أحدهما : لا تجعلني في القوم الظالمين : في العذاب الذي وعدت لهم أن ينزل ؛ لأنه من العدل أن يعذبه ويعامله معاملة أهل العدل ؛ كأنه يقول : ربّ لا تعاملني معاملتك إياهم ، وإن كان ذلك من العدل أن تعاملني مثل ما تعامل أولئك ؛ لأن رسول الله ، وإن لم يكن [ له ] زلات ظاهرة ، فلقد كان من الله إليه من النعم والإحسان : ما لو أخذ بشكر ذلك لم يقدر على أداء شكر واحدة منها فضلا عن أن يؤدي شكر الكل ؛ ألا ترى أنه روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يدخلُ أحدٌ الجنةَ إلا برحمةِ اللهِ ؛ فقيلَ : ولا أنتَ يا رسولَ اللهِ ؟ فقالَ : ولا أنا إلا أَنْ يتغمدني اللهُ برحمتِهِ " . ويحتمل قوله : { فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } : في الزيغ والغواية ، يسأل ربّه أن يعصمه عن الزيغ بالضلال والغواية الذي عليه القوم الظالمون ، وهو كدعاء إبراهيم ربّه وسؤال العصمة عن الزيغ بقوله : { رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ ءَامِناً وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } [ إبراهيم : 35 ] ، وإن كان وعد لهم العصمة عن ذلك ، والله أعلم . وقوله : { وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ } . هذا أيضاً يحتمل وجهين : أحدهما : يخبر رسوله أنه ليس لعجز يؤخر ما وعد لهم من العذاب ؛ ولكن لحلم منه وعفو ، وهو كقوله - عز وجل - : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ } [ إبراهيم : 42 ] : على التنبيه والإيقاظ ؛ فعلى ذلك يحتمل هذا . والثاني : يعزي رسول الله ويصبره على أذاهم إياه ، يقول : إني مع قدرتي على إنزال العذاب عليهم والانتقام منهم أحلم عنهم وأؤخر عنهم ؛ فأنت من ضعفك عن ذلك أولى أن تصبر على أذاهم ، وعلى هذا يخرج قوله : { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ } ، أي : لا تكافئهم لأذاهم إياك ، ولا تشغل بهم بمجازاة ذلك [ وادفع ] بأحسن [ من ] ذلك وكِلْ مكافأتهم إليَّ حتى أنا أكافئهم . { نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } من الكذب والأذى الذي يؤذونك . والثاني : { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ } ، أي : ادفع سيئاتهم المتقدمة بإحسان يكون منك إليهم ؛ ليكونوا لك أولياء وإخوانا في حادث الأوقات ، وهو كقوله : { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } [ فصلت : 34 ] . وقوله : { وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ } ، وقال في آية أخرى : { وَإِماَّ يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } [ الأعراف : 200 ] علم رسوله وأمره أن يتعوذ به من الشيطان الرجيم اللعين إذا نزغه - ونزغه : وسوسته - وأمره أيضاً أن يتعوذ من همزه ، وهو : همه وقصده بذلك ، وأمره أن يتعوذ بحضورهم مكان الوسوسة ؛ حتى يدفع عنهم ولا يحضرون ذلك المكان ، وكأن التعوذ عن نزغهم ؛ ليدفع عنه ؛ لئلا يؤثروا في نفسه بعد ما حضروه ووسوسوه . والتعوذ عن همزهم : هو أن يدفع عنه طعنهم ونخسهم ؛ لئلا يشغلوه بالذي قصدوه به ، والتعوذ عن حضورهم مكان الوسوسة . قال الحسن : همز الشيطان : الموتة ، والموتة : غشيان القلب ، روي في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يتعوذ من الشيطان الرجيم ، قال : " في همزه ، ونفخه ، ونفثه " . وقال بعضهم : همزاته ونزغاته : واحد . وقال القتبي : همزات الشياطين : نخسها وطعنها ، ومنه قيل للعائب : هُمَزة ؛ كأنه يطعن ويعيب . [ و ] قال أبو عوسجة : همزات الشياطين : وساوسهم ، يقال : همز يهمز همزاً ، أي : وسوس ، ومن وجه آخر : همز يهمز همزاً ، أي : عاب يعيب ، ومنه قوله : { ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } [ الهمزة : 1 ] . ثم في قوله : { وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ } إلى آخر ما ذكر وجهان على المعتزلة : أحدهما : أنه أمر رسوله أن يتعوذ به مما ذكر ؛ فدل أن عنده لطفاً لم يعطه : ما لو أعطاه الله لدفع به ما ذكر وأنه مالكٌ لذلك ؛ إذ لو كان غيره مالكاً لذلك يخرج السؤال به مخرج الهزء به ؛ إذ من طلب من آخر شيئاً يعلم أنه ليس عنده ذلك خرج ذلك الطلب مخرج الهزء به ؛ فعلى ذلك هذا . والثاني : أن كل مأمور بالتعوذ جعل الله له [ الإعاذة مما يتعوذ منه ] . فالوجهان جميعاً ينقضان على المعتزلة في قولهم : إن الله قد أعطى كلا الأصلح في الدين ، وأعطى كلا العصمة عن كل زيغ وضلال .