Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 21-26)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ } نهى المؤمنين أن يتبعوا خطوات الشيطان ، ولم يبين ما خطوات الشيطان ، لكنه قال : { وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ } فجوابه أن يقول : فإن خطواته كذا ، ولم يقل أيضاً : ومن يتبع خطوات الشيطان يفعل الفاحشة ، ولكنه قال : { فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ } ، لكن جوابه ما قال في آية أخرى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِٱلسُّوۤءِ وَٱلْفَحْشَآءِ … } الآية [ البقرة : 168 - 169 ] أخبر [ أن ] من اتبعه أمره بالفحشاء . والخطوات : من الخُطْوة والخَطْوة وهما من رفع القدم ووضعه ، وأصله نَهْي عن اتباع آثاره . وقوله : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ } التزكية تحتمل التوفيق ، والعصمة ؛ يزكون بما أعطى لهم من التوفيق والعصمة . أو يزكون بما أرسل إليهم من الكتب والرسل والعصمة ، [ وهو ] أشبه . وفيه نقض قول المعتزلة ؛ لأنه أخبر أن من زكا إنما يزكو بفضله ورحمته ، وهم يقولون : لو فعل بهم غير الذي فعل كان جائزاً عندهم فعلى قولهم ليس بمفضل ولكن عادل ؛ لأنه فعل ما عليه أن يفعل ؛ فعلى قولهم لا يكون مفضلا ، ولكن عادلا ؛ إذ لم يسم في الشاهد من فعل ما عليه أن يفعل : مفضلا ؛ وعلى قولهم : إنه قد أعطى كلا ما به يزكون ويصلحون ، لكنهم لم يزكوا هم ؛ فعلى قولهم لم يزك من زكا به ، ولكنه إنما زكا بما أعطاه له ، فقد أخبر أن من زكا إنما زكا به ، وأنه قد أبقى عنده ما لو أعطاهم ذلك لزكوا ، وقد أعطى ذلك من زكا وصلح ، ولم يعط من لم يزك . وقوله : { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي : سميع لأقوالهم وعليم لأفعالهم ، وأصله ما ذكر : يعلم ما يسرون وما يعلنون . وقوله : { وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ } قال بعضهم : قوله : { وَلاَ يَأْتَلِ } أي : ولا يحلف ، وهو ( يفتعل ) من الإيلاء . وقال أبو عوسجة : لا يأتل ، أي : لا يعجز ، ولا يقصر ، يقال : ائتلى يأتلي ، وألا يألو ألواً ، وهو التقصير ، وترك المبالغة . ثم يحتمل قوله : { أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ } أي : من له الفضل والسعة . ويحتمل { أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ } من له الأفضال والمعروف وبر أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله . ذكر أهل التأويل أن أبا بكر كان حلف ألا ينفع مسطحا بنافعة وكان قريبه بما تكلم في عائشة ؛ فأنزل الله النهي عن ذلك فقال : { وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ } . لكن الآية وإن نزلت في أمر ومعنى كان من أبي بكر ، فإن غيره من الناس يشترك في معنى ذلك ، وفي ذلك النهي ، وكذلك ما قال في آية أخرى ، وهو قوله : { وَلاَ تَجْعَلُواْ ٱللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ … } [ البقرة : 224 ] ، ذكر أن قوماً كانوا يحلفون ألا يبروا الناس ، ولا يصلحوا بذلك أن يكون حلفهم في ذلك عذراً لهم في ترك الإنفاق عليهم ؛ والتعاون ، والإصلاح بين الناس ، فنهوا عن ذلك ، وذلك اليمين لهم ، ولمن كان في معناهم ، ليس لهم خاصة ؛ فعلى ذلك قوله : { وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ … } الآية ، وإن كان في أبي بكر فهو فيه وفي الذين في معناه . وإن كان حلف هذا بترك الإنفاق لإساءة كانت منهم إليهم ، والأول على الابتداء لإساءة كانت منهم إليهم ، وكذلك هذه الآيات نزلت لنازلة كانت في عائشة وصفوان فإنما نزلت لتلك النازلة لمعنى لا نزلت لأنها كانت عائشة أو أبو بكر ، لكن لمعنى بكل من وجد ذلك المعنى فيه شرك في ذلك ، ويجعل كأن هذه الآيات كلها نزلت فيه ، وهو ما قال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ٱلْغَافِلاَتِ ٱلْمُؤْمِناتِ } فكل محصنة مؤمنة غافلة بريئة مما رميت به دخلت في الآية ، وكل رامٍ محصن مؤمن غافل بريء مما رمي به في الآية ؛ لوجود المعنى الذي نزلت الآية . وعلى ذلك القرآن إذا نزل بسبب المرء أو نازلة لمعنى ، يشترك من وجد فيه ذلك المعنى فيه شرك في ذلك الحكم ؛ فعلى ذلك ما نزل في أبي بكر من النهي بترك الإنفاق ، وما عوده من اصطناع المعروف إليه لما كان منه إليه من الإساءة ، ثم أمره بالعفو والصفح ، وهو قوله : { وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُوۤاْ } ، أي : اعفوا عن إساءته واصفحوا أي : لا تذكروا عفوكم إياه عن إساءة ، ولا تذكروا زلته أيضاً ؛ لأن ذكر العفو يخرج مخرج الامتنان كقوله : { لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم بِٱلْمَنِّ وَٱلأَذَىٰ } [ البقرة : 264 ] ؛ لأن المن والأذى يبطل الصدقة ، وذكر الزلة يخرج مخرج التعيير والتوبيخ ، فأمره بالعفو وهو ظاهر والصفح ما ذكرنا من ترك ذكر العفو والزلة والإساءة جميعاً ، والله أعلم . وقوله : { أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ } أي : قد تحبون أن يغفر الله لكم ما كان منكم إليه من الإساءة ، فإن أحببتم ذلك فاعفوا عمن أساء إليكم ، والله غفور رحيم . وقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ٱلْغَافِلاَتِ ٱلْمُؤْمِناتِ } : قد ذكرنا أن المحصنات هاهنا : هن الحرائر ، والغافلات : هن بريئات من الفاحشة ، والمؤمنات ظاهر . وقوله : { لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } كأن الآية نزلت في المنافقين الذين كان منهم ابتداء القذف وإشاعته في الناس ؛ لذلك ذكر فيهم اللعن ؛ فهو كما قال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَاحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } والمؤمن لا يحب أن تشيع الفواحش في المؤمنين ، إنما ذلك عادة المنافقين . ثم اللعن في الدنيا هو الحدّ الذي ضرب ، وفي الآخرة العذاب الأليم في الدنيا والآخرة ، وعظيم كأنه ذكر اللعن والعذاب الأليم إذا لم يتوبوا ، وماتوا على النفاق ، فعند ذلك يكون لهم ما ذكر ؛ ويدل لما ذكرنا أن الآية في المنافقين قوله : { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ . … } الآية ، وإنما تشهد هذه الجوارح على الكافر لإنكاره باللسان ، وأمّا المؤمن فإنه مقر بذلك كله لا يحتاج إلى أن تشهد عليه الجوارح ، وهو ما قال : { ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ … } الآية [ يس : 65 ] ونحوه ، كأنهم ينكرون ذلك في الآخرة كما أنكروا في الدنيا كقوله : { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ } [ المجادلة : 18 ] أخبر أنهم يحلفون لله في الآخرة كما كانوا يحلفون لرسول الله في الدنيا ، فجائز : أن ألسنتهم تشهد عليهم بعد ما أنكروا ، وتشهد عليهم سائر الجوارح إذا أنكروا ، وهو ما قال في آية أخرى : { شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ … } الآية [ فصلت : 20 ] . { وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا … } الآية [ فصلت : 21 ] تكون شهادة الألسن بعد ما أنكروا هم ذلك ، وحلفوا ؛ فعند ذلك تشهد عليهم ألسنتهم ، والله أعلم . وقوله : { يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلْحَقَّ } يؤمنون به جميعاً يومئذ ، ويقرون بالحق ، لكن لا ينفعهم إيمانهم يومئذ ؛ كقوله : { لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا } [ الأنعام : 158 ] ، { وَيَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ٱلْمُبِينُ } ، أي : يعلمون أن ما دعاهم الرسول إليه من توحيد الله ، والإقرار بالربوبية له والألوهية هو الحق المبين ، أي : تبين ذلك ، والحق المبين : ما يبين ما يؤتى وما يتقى ، وما يحل مما يحرم . وقوله : { ٱلْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَٱلْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ } اختلف فيه : قال بعضهم : الخبيثات من الكلمات والقول [ للخبيثين من الناس والخبيثون من الناس للخبيثات من الكلمات والقول ] ، والطيبات من الكلمات للطيبين من الناس ، والطيبون من الناس للطيبات من الكلمات . وقال مجاهد : هو القول السيئ والقول الحسن ، فالحسن للمؤمنين والسيئ للكافرين . وذلك ما قال الكافرون من كلمة طيبة فهي للمؤمنين ، وما قال المؤمنون من كلمة خبيثة فهي للكافرين كل بريء مما ليس له ، [ و ] نحوه من الكلام . ثم قال : { أُوْلَـٰئِكَ } يعني : عائشة وصفوان . { مُبَرَّءُونَ } مما يقول أولئك القذفة . { لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } أي : حسن ؛ فابن عباس صرف الآية إلى عائشة وصفوان وإلى قذفتهم ، وذلك محتمل ، وهو قريب من الأول . وقال بعضهم : الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال ، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء ، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال ، لكن هذا يتوجه إلى النكاح شرعاً ووجوداً ، أما الشرع : فنهيه المؤمنين عن نكاح المشركات بقوله : { وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ } [ البقرة : 221 ] ، وقوله : { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً } فالمشركات من الخبيثات فهن للخبيثين منهم ، وهم المشركون ، وكذلك الزانيات للزناة منهم ، والمؤمنات هن الطيبات فهن للمؤمنين ، وكذلك المحصنات الغافلات هن الطيبات فهن للمحصنين من أهل العفاف والصلاح ؛ هذا هو الشرع . وأما الوجود : فهو ما صبر أزواج المنافقين والكفرة على كفر أزواجهن ، والسب لرسول الله ، والأذى له ، وذلك لخبثهن وكفرهن ، وموافقة أزواجهن ، فلو كنّ طيبات لكن لا يصبرن على ذلك كما لا تصبر المؤمنة بكفر زوجها ، والزوج بكفر امرأته ، ومن صبر على ذلك إنما صبر لخبثه ، فبعضهم لبعض أكفاء : الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات ، وكذلك الطيبات والطيبون ، والله أعلم . وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : " إن الكلمة الخبيثة لتكون في جوف الرجل الصالح فلا يكون لها في قلبه مستقر حتى يلفظها ، فيسمعها الرجل الخبيث فيضمها إلى ما عنده من الشر ، وإن الكلمة الصالحة لتكون في جوف الرجل الخبيث فلا يكون لها في قلبه مستقر حتى يلفظها ، فيسمعها الرجل الصالح ، فيضمها إلى ما عنده من الخير . ثم تلا عبد الله { ٱلْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَٱلْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَٱلطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَٱلطَّيِّبُونَ لِلْطَّيِّبَاتِ … } الآية " . وجائز أن يكون الخبيثات هي الدركات التي تكون في النار للذين عملوا أعمالا خبيثة في الدنيا ، والطيبات هي الدرجات التي تكون في الجنة للطيبين الذين عملوا في الدنيا أعمالا طيبة ، فالدرجات في الجنة للطيبين الذين عملوا الطيبات في الدنيا ، والدركات في النار للذين عملوا الخبائث والمعاصي في الدنيا . وقال بعضهم : قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ } إلى قوله : { وَيَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ٱلْمُبِينُ } أنزلت في المنافقين الذين قذفوا عائشة : عبد الله بن أبي وأصحابه ، وكان قذفها منافقون ومؤمنون ، وهو ما ذكرنا لم يقصدوا به قذفها ، ولكن كان ذلك زلة منهم أو غفلة ، وأمّا المنافقون فقد قصدوا به القذف والفرية ؛ فأوجب للمنافقين الحدّ واللعن والعذاب العظيم على ما ذكر { لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ولهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة ، وأمّا المؤمنون فقال لهم : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ النور : 14 ] . وقال بعضهم : فضله : الإسلام ، ورحمته : القرآن ، أي : لولا ذلك لعذبكم كما عذب أولئك . ثم قال : الخبيثات من القول للخبيثين من الناس نحو ما ذكر أولئك إلا أنه زاد فيه من القول والعمل ، وذلك كله قريب بعضه ببعض ، والله أعلم بذلك . وقال : إن الرجل الصالح يتكلم بالكلمة العوراء فيقول القائل : قال فلان : كذا وكذا ، فيقول الآخر : ما هذا من كلام فلان . وروي عن كعب بمثل قِيلِ عبد الله [ بن مسعود ] فقال : إن الكلمة الخبيثة تخرج من لسان العبد فتصعد إلى السماء فلا يفتح لها أبواب السماء ، وترجع إلى الأرض فلا تجد لها مستقرّاً ، وتذهب إلى البحور فلا تجد لها فيها مكاناً ، فتقول : ما أجد لي موضعاً أسكنه غير الموضع الذي خرجت منه ، فترجع إلى صاحبها . ثم تلا كعب هذه الآية : { ٱلْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ … } الآية .