Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 27-29)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا } روي عن عبد الله بن عباس أنه كان يقرؤها : ( حتى تسـتأذنوا وتسلموا على أهلها ) . وقال : { تَسْتَأْنِسُواْ } وهم من الكاتب . وقال بعضهم : الاستئناس : الاستئذان . وقال بعضهم : الاستئناس : الاستعلام ، وهو أن يطلب من أهل البيت الإذن بالدخول ، والاستئذان هو طلب الإذن منهم للدخول . وروي عن أبي أيوب قال : " قلنا : يا رسول الله ، هذا السلام قد عرفناه فما الاستئذان ؟ قال : " أن يرفع صوته بالتحميد أو بالتسبيح أو بالتكبير ليؤذن للدخول " فإن ثبت هذا فهو إلى الاستعلام أقرب وهو كقوله : { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً } [ النساء : 6 ] أي : علمتم . ثم قال بعضهم : قوله : ( حتى تستأذنوا وتسلموا على أهلها ) على التقديم والتأخير ، أي : حتى تسلموا وتستأنسوا ، وهو أن يبدأ فيقول : السلام عليكم ورحمة الله ! أدخل أو لا ؟ ثم يستأذن ، وهو ما روي : " السلام قبل الكلام " . ولكن عندنا أن الاستئذان للدخول فإذا أذن بالدخول فدخل فعند ذلك يسلم عليهم كقوله : { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً } [ النور : 61 ] فإنما أمر بالسلام بعد الدخول ؛ فعلى ذلك هذا يستأذن للدخول فإذا أذن له فدخل فبعد الدخول يسلم عليهم ؛ لأنه لو سلم أولا ثم استأذن احتاج إلى أن يسلم ثانياً إذا دخل ؛ فهذا الذي ذكرنا أشبه بعمل الناس وظاهر الآية ، والله أعلم . ثم قوله : { لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ } لم يرجع إلى المساجد ونحوه بل يرجع ذلك إلى بيوت مسكونة ؛ فذلك يدل لقولنا : إن من حلف ألا يدخل بيتاً فدخل المسجد لم يحنث . وقوله : { ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } أي : ذلك الاستئذان والتسليم خير لكم من ترك الاستئذان ؛ لأنه ترك التأدب بما أدبه الله وعلمه { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } ، أي : تتعظون بأدب الله ، وروي في بعض الأخبار : " أن من دخل بيتاً بغير إذن قال له الملك الموكل به : عصيت وآذيت فيسمع صوته الخلق كله غير الثقلين ، ويصعد صوته إلى السماء الدنيا ، فيقول ملائكة السماء : إن فلاناً عصى ربه وأذى " . وقوله : { فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ } هذا يدل على أن الاستئذان وطلب الإذن لا لحيث أنفسهم خاصة ولكن لأنفسهم ولما لهم في البيوت من الأموال ؛ لأنه قال : { فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا } لم يأذن لهم بالدخول فيها وإن لم يكن فيها أحد حتى يأذن أرباب الأموال والمنازل بالدخول فيها ؛ ليعلم أن النهي عن الدخول للأنفس والأموال جميعاً ؛ لأن الناس يتخذون البيوت والمنازل صوناً للأنفس والأموال جميعاً ، فكما يكرهون اطلاع غيرهم على أنفسهم وعيالاتهم فلا يطيب أنفسهم أيضاً [ باطلاع غيرهم ] على أموالهم وأمتعتهم فلا يدخل إلا بإذن من أهلها ، والله أعلم . وقوله : { وَإِن قِيلَ لَكُمْ ٱرْجِعُواْ فَٱرْجِعُواْ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ } ذكر في بعض الأخبار أن الاستئذان ثلاث من لم يأذن له فيهن فليرجع ؛ أما الأولى : فيستمع الحي ، وأمّا الثانية : فيأخذون حذرهم ، وأما الثالثة : فإن شاءوا أذنوا وإن شاءوا ردوا . وقيل : لا تقعدن على باب قوم ردوك عن بابهم ؛ فإن للناس حاجات ولهم أشغال ، والله أعذر بالعذر . وفي بعضها : وما تنقم من شيء بابن آدم هو أزكى لكم . وقوله : { هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ } ؛ لأنه إذا لم يؤذن بالدخول فقعدوا على بابهم ولم يرجعوا ، أورث ذلك معاني تكره : أحدها : تهمة على أهل الدار على ما يقعد على أبواب أهل التهم من الشرطي وغيره فذلك مكروه عند الناس . والثاني : يكون للناس أشغال وحاجات في منازلهم وخارج المنازل ، فإن انتظر عقد وقعد على بابهم ضاق بذلك ذرعهم وشغل قلوبهم ذلك فلعل حاجاتهم لا تلتئم لشغلهم به ؛ لذلك كان الرجوع أزكى لهم وخيراً لهم من القعود على الباب والانتظار ، والله أعلم . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الاستذانُ ثلاثٌ فإِنْ أُذِنَ لكَ فيهن وإلا فَارْجِعْ " . وقال بعضهم : معنى { وَإِن قِيلَ لَكُمْ ٱرْجِعُواْ فَٱرْجِعُواْ } : يقول : إن سكت عنكم فلم يؤذن لكم فقد قيل لكم : ارجعوا ، وإن لم يقولوا بألسنتهم : ارجعوا . وقوله : { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } وعيد ؛ كقوله : { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } [ النحل : 19 ] . ثم الاستئذان على محارمه لازم ، وإن كان يجوز له أن ينظر إلى شعر ذات محرمه ووجهها فإنه منهي عن النظر إلى ما سوى ذلك من عورتها ؛ لما يخشى أن يبدو من عورة المرأة إن دخل عليها بدون إذن . " روي أن رجلاً سأل نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال : أنا أخدم أمي وأفرشتها أستأذن عليها ؟ قال : " نعم " . فسأله ثلاثاً ؛ فقال له : " أيسرك أن تراها عريانة ؟ ! " قال : لا قال : " فاستأذن عليها " . وكذلك روي عن حذيفة " أن رجلا سأله فقال : أستأذن على أختي ؟ فقال : إن لم تستأذن عليها رأيت ما يسوءك " . وكذلك قال ابن مسعود وابن عباس عن أحدهما في الأم وعن الآخر في الأخت . لكن أمره في الاستئذان على هؤلاء أسهل وأيسر من أمر الأجنبي ؛ إذ كان مطلقاً له أن ينظر إلى شعر محرمه ووجهها ، والله أعلم . وقوله : { لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ } يحتمل قوله : { بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ } وجهين : أحدهما : بيوتاً غير محتملة للسكنى ، وهي الخربات ، والمواضع التي يقضى فيها الحوائج ، وكذلك ذكر في حرف حفصة : ( بيوتاً غير معمورة لكم فيها منافع ) . والثاني : بيوتاً مسكونة محتملة للسكنى إلا أن أهلها لم يسكنوها ؛ لنزول الناس فيها ، وهي نحو الخانات والرباط التي تكون للمارة ، وعلى ذلك روي في الخبر أنه لما نزلت آية الاستئذان قال أبو بكر : يا رسول الله ، فكيف بالبيوت التي بين مكة والمدينة وبين المدينة والشام ليس فيها مساكن ؟ فأنزل الله - تعالى - : { لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ } . وذكر في حرف ابن مسعود : ( ليس عليكم جناح في بيت ليس فيه ساكن أن تدخلوه ) . وقوله : { فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ } إن كان ذلك البيوت الخانات والبيوت التي ينزل فيها أهل السفر فيكون قوله : { فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ } أي : فيها منفعة لكم من الدفء في الشتاء ، والظل في الصيف ، ودفع الحرّ في أيام الحرّ ، ودفع البرد في أيام البرد . وإن كان البيوت هي الخربات وقباب وأمتعات التي كانوا يضعون في الطهور لقضاء الحوائج ، فيكون قوله : { فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ } أي : الخلاء والبول ، والله أعلم . وقوله : { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ } قال : ما تبدون من السلام ، وما تخفون منه ، أو في كل شيء ؛ كقوله : { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } [ النحل : 19 ] يذكر هذا لنكونن أبداً على حذر وخوف ، والله أعلم .