Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 2-3)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ } . لو كان الخطاب يجب اعتقاده على ظاهر المخرج والعموم على ما قاله بعض الناس ، لكان لكل أحد أن يقيم على آخر حدّاً بظاهر قوله : { فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ } ؛ فيقول : الله أمرني بذلك بقوله : { فَٱجْلِدُواْ } ، أو أن يضربوا جميعاً واحدا من الزنا بظاهر قوله : { فَٱجْلِدُواْ } ؛ فيزداد الضرب والحدّ على ما حدّ الله أضعافاً مضاعفة ؛ فدل أن اعتقادهم العموم فاسد بظاهر المخرج . أو أن يقول قائل : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " العينان تزنيان ، واليدان تزنيان ، والرجلان تزنيان ، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه " سمى الناظر إلى ما لا يحل نظره إليه زانيا ، والماس لها : كذلك ؛ فيلزمه الحدّ بظاهر قوله : { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ } ؛ فإذا لم يفهم من ظاهر قوله : { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي } ما ذكرنا كله ؛ دل أن الاعتقاد على عموم المخرج فاسد ، وأن المراد بقوله : { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ } - راجع إلى الخصوص : إلى مقيم دون مقيم ، وإلى زان دون زان ، وهو الزاني الذي يجمع في فعل الزنا جميع بدنه : العين ، واليد ، والرجل ، والفرج ، وجميع بدنه . ورجع الخطاب به إلى البكرين الحرين والثيبين الحرين الذين لم يستجمعا جميعاً أحكام الإحصان . فأما من استجمع جميع أسباب الإحصان فإن حدّه الرجم على اتفاق القول منهم جميعاً ، إلا أن طائفة من أهل العلم أوجبوا عليه مع الرجم الجلد ، وفي البكر مع الجلد تغريب عام . والدليل على أن المراد راجع إلى الحرين البكرين أو الثيبين اللذين لم يستجمعا أسباب الإحصان ما ذكرنا من القول المتفق . وقوله : { فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } [ النساء : 25 ] ، دل إيجاب نصف ما على المحصنات على الإماء على أنه أراد بالمحصنات : الحرائر اللاتي لم يستجمعن جميع أسباب الإحصان ، وأن الخطاب بقوله : { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي } إلى آخر ما ذكر راجع إلى الحرين اللذين ذكرناهما . ثم لم يضرب في الزنا الذي به زنا ، وهو الفرج ، وقطع في السرقة الذي به سرق : وهو اليد ؛ فهو - والله أعلم - لما جعل الحدود زواجر عن المعاودة - لم تجعل دافعة مذهبة إمكان ذلك الفعل من الأصل ، وفي ضرب الفرج ذهاب إمكان الفعل من الأصل ، ولا كذلك في قطع اليد في السرقة ؛ إذ تبقى أخرى : بها يأخذ ، وبها يقبض ؛ لذلك افترقا . أو أن يقال : في ضرب الفرج خوف هلاكه في الأغلب ، وليس ذلك في قطع اليد ؛ بل يبقى حيّاً في الغالب ، وقد ذكرنا أن الحدود لم تجعل مهلكة متلفة ؛ ولكن جعلت زواجر عن المعاودة ؛ لذلك افترقا . وفي قوله : { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ } دلالة على أن النفي ليس من عذاب الزانيين ولا من عقوبتهما ؛ لأنه قال : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ، والنفي مما لا يحتمل أن يؤمر بشهوده ؛ لأنه لا يمكن ؛ فدل أنه ليس من عذابهما . ويدل عليه - أيضاً - قوله : { فَإِذَآ أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } [ النساء : 25 ] ؛ لأنهم أجمعوا على أن لا نفي على الإماء إذا زنين ، وقد أوجب عليهن إذا زنين : نصف ما على المحصنات . أو إن ثبت النفي فهو يحتمل وجهين : أحدهما : أنه أراد به قطع الشَّيْن الذي لحقهما بفعل الزنا ؛ لأنه ليس جرم من الإجرام أكثر شيناً وأشد من فعل الزنا ؛ فأراد أن ينقطع ذلك من بين الناس . أو أن يكون أراد به قطع الشهوة ، التي حملتهم على الزنا : بذل السفر وذلة الغربة . أو صار منسوخاً لما شدد في الضرب بقوله : { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ } ، وفيما ذكر النفي ، لم يذكر فيه الشدة ؛ إنما ذكر فيه الجلد فحسب بقوله - عليه السلام - : " أما على ابنك هذا جلد مائة وتغريب عام " ؛ فجائز أن يكون الضرب كان بالتخفيف وفيه نفي ، فلما شدد في الضرب ارتفع النفي ، وقد جاء عن عمر - رضي الله عنه - أنه نفى رجلا فارتد عن الإسلام ولحق بالروم ؛ فقال : كفى بالنفي فتنةً ، وقال : لا أنفي بعد هذا أبداً . وكذلك روي عن علي - رضي الله عنه - والله أعلم . وقوله : { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ } . قال بعضهم : لا تأخذكم بهما رأفة في تخفيفها ؛ فهو - والله أعلم - لأنه من أعظم الإجرام في الشين . ثم للمعتزلة تعلقٌ بظاهر قوله : { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ ٱللَّهِ } ؛ قالوا : إن الله وصف نفسه بالرحمة بقوله : { رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [ التوبة : 117 ] ، ووصف المؤمنين بالرحمة فيما بينهم ، والشدة على الكفار بقوله : { وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } [ الفتح : 29 ] ، ثم نهاهم أن تأخذهم رأفة على الزانيين وقت إقامة الحدّ عليهم ؛ دل أن الزاني قد خرج بفعله من الإيمان ؛ لما ذكرنا من رفع الرأفة والرحمة عنهما . لكن عندنا في الآية دلالة أنه ليس على ما ذهبوا إليه ؛ لأن الزاني لو كان يخرج من الإيمان بفعل الزنا لكان لا يحتاج إلى أن يقول : { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ } ؛ لأنهم كانوا على ما وصفهم الله بالشدة على غير المؤمنين بقوله : { أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ } [ الفتح : 29 ] ، دل أن الزنا لم يخرجه عن الإيمان ؛ فنهى ألا تأخذ بهما رأفة الإيمان والدين في تعطيل الحدّ أو تخفيفه . أو أن يكون النهي عن أخذ الرأفة ؛ ليتحمل ذلك الحدّ ، وإلا : لم ينتفع به في الآخرة ، وهو ألا يعذب به ؛ ألا ترى أنه قال : { إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } ، وفائدته ما ذكرنا : أنه لا تأخذكم بهما رأفة في إضاعة الحدّ ؛ لما يتأمل من النفع في الآخرة ، نحو : من يشرب الأدوية الكريهة ، ويفتصد ، ويحتجم ؛ لما يطمع البرء به والنفع ؛ فعلى ذلك جائز أن يكون النهي عن أخذ الرأفة في حد الزاني ؛ ليقام ذلك عليه ؛ فينجو في الآخرة عن عذابه ، والله أعلم . وقوله : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } . وقال بعضهم : الطائفة : واحد واثنان فصاعداً ، وكذلك قالوا في قوله : { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ } [ الحجرات : 9 ] ، هما رجلان اقتتلا ؛ دل على ذلك قوله : { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } [ الحجرات : 10 ] ، وهما اثنان في الظاهر ، لكن أن ينضم إلى كل واحد منهما جماعة من عشيرته ؛ فيكون الطائفة جماعة لا واحداً . وقال بعضهم الطائفة : جماعة من العشيرة فصاعداً . ثم يجب أن ينظر لأي معنى أمر أن يشهد عذابهما طائفة من بين سائر الإجرام ؛ فهو - والله أعلم - يحتمل وجوهاً : أحدها : المحنة ، أراد أن يمتحن من حضر ذلك ، أو المرء قد يتألم على ضرب آخر ، وما يحل لغيره ؛ لينزجر عن مثله . والثاني : لانتشار الخبر في الناس ؛ لينزجروا عن مثله . والثالث : لئلا يتعدى الضارب - والمقيم - ذلك الحدّ ويجاوزه على الحدّ الذي جعل له ؛ فإن هو تعدى منعه من حضره عن المجاوزة والتعدي . والرابع : لدفع التهمة عن الحاكم ؛ لئلا يتهمه الناس أنه إنما أقام عليه الحدّ بلا سبب كان منه ، ولا جرم . فإن كان الأمر بشهود الطائفة عذابهما هذه الوجوه الثلاثة التي ذكرنا : من انتشار الخبر ، ودفع التهمة عنه ، ومنع المجاوزة ، فالطائفة تحتاج أن تكون جماعة ؛ لأن الواحد غير كاف لذلك . وإن كان الأول - وهو المحنة - فالواحد وما فوقه يكون يمتحن كلا في نفسه بحضور ذلك الحدّ ؛ ليتألم به . وقد ذكرنا أن بعض أهل العلم قالوا : إنه يجمع مع الرجم والجلد ؛ واحتجوا بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الثيب بالثيب : جلد مائة ورجم الحجارة ، والبكر بالبكر : جلد مائة وتغريب عام " فأما الجلد فلا خلاف في أنه حد البكر ، وأما النفي فمما اختلفوا [ فيه ] : فمنهم من رآه واجباً ، ومنهم من رآه عقوبة لهم يضم إلى الحدّ . ونحن قد ذكرنا المعنى في ذلك - إن ثبت - ما يغنينا عن تكراره ، ونزيد - أيضاً - نكتة ، وهي أن الحدود ذوو نهايات للمقدار وغايات ، ولذلك سميت حدوداً ؛ لأن لها نهاية وغاية ، كما يقال : هذا حد فلان ، وحدّ الدارين أنه منتهاها وآخرها ، فلما لم يكن للنفي حد ينتهي الزاني إليه دل أنه ليس بحدّ ؛ ولكن أراد به الوجوه التي ذكرنا ، إما حبساً كما يحبس الزاني حتى يحدث توبة ، أو قطع الشين والذكر الذي يتحدث الناس به ؛ لينسى ذلك ويترك ، أو قطع الشهوات التي حملتهم على ذلك بذل السفر والغربة ، أو أن كان ثم صار منسوخاً بما يشدد فيه الضرب ، والله أعلم . وأما قول أصحابنا : يفهم أنه لم يكن الجلد عن الثيب إذا كان محصناً ؛ بقول النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال : " اغد يا أُنَيْسُ على امرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها " ، ولم يذكر جلداً . وذهبوا أيضاً إلى أن حديث ماعز بن مالك ، لما رجمه النبي - عليه السلام - باعترافه ، ولم يذكر جلداً ، وروي أن أبا بكر - رضي الله عنه - قال له - لما اعترف ثلاثاً - : " لو اعترفت في المرة الرابعة لرجمك " ، ولم يقل : جلدك : علم أنه ينفي الرجم الجلد . وما روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه أمر برجم امرأة زنت ، ولم يجلدها . وروي عن ابن عمر عن عمر مثله . إلى كل هذه الأخبار ذهب أصحابنا رحمهم الله ، ويقولون : لا يجتمع على رجل في فعل واحد حدّان : الجلد والرجم جميعاً ؛ كما لا يجتمع في غيره من الإجرام في فعل واحد حدّان أو عقوبتان . وقوله - عليه السلام - : " الثيب بالثيب : يجلد ويرجم " يحتمل الجلد جلد البكر المحصن ، ويرجم ثيباً آخر محصناً ، أو يجلد ثيباً في حال ويرجم ثيباً في حال ، وقد ذكرنا هذه المسألة في سورة النساء . [ وقوله : ] { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ } . في ظاهر الآية ألا يحل للزاني أن ينكح إلا الزانية من المؤمنات أو مشركة ، وكذلك الزانية من المؤمنات لا ينكحها العفيف من المؤمنين ؛ وإنما ينكحها الزاني منهم والمشرك . وفي ظاهر الآية النهي للزاني عن نكاح العفائف ، وإباحة نكاح الزانيات والمشركات ؛ فإن كان ذلك ، فكان قوله : { وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ } [ البقرة : 221 ] إلا الزناة منكم ؛ فإنه يحل لهم أن ينكحوا المشركات ، وكذلك قوله : { وَلاَ تُنْكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ } [ البقرة : 221 ] إلا الزانيات ؛ فإنه يحل هذا ظاهرا ، لكنهم أجمعوا على ألا يحل للمؤمن - وإن كان زانياً - أن ينكح المشركة ، وكذلك لا يحل للمشركة أن تتزوج بالزاني من أهل الإيمان . ثم اختلف أهل التأويل في تأويله : قال مقاتل : ومحمد بن إسحاق ، وهؤلاء : الزاني من أهل الكتاب لا ينكح - أي : لا يتزوج - إلا زانية من أهل الكتاب ، أو مشركة [ من ] غير أهل الكتاب ، والزانية من أهل الكتاب : لا ينكحها إلا زان من أهل الكتاب أو مشرك من غير أهل الكتاب يزنين علانية . وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : نزلت الآية في نفر من أهل مكة هاجروا إلى المدينة وكانوا ذوي عسرة ، وكان بالمدينة بغايا يبغين بأنفسهن ظاهرات بالفجور ، وكن مخصبات أو مخاصيب البيوت ، فهَمَّ أولئك المهاجرون أن يتزوجوا بأولئك البغايا ؛ ليصيبوا من خصبهن وسعتهن ، فذكروا ذلك لرسول الله واستأذنوه في ذلك ؛ فنزلت الآية في شأنهم : { ٱلزَّانِي } من أهل القبلة المعلن به { لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً } من اليهود { أَوْ مُشْرِكَةً } الآية . { وَحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } . لكن هذا يصلح أن لو كان أولئك المهاجرون مثلهن زناة ، فأما إن كانوا مهاجرين أهل إيمان وعفة - فلا يصلح أن يقال فيهم : { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً } ، وهم لم يكونوا زناة ؛ إلا أن يقال على الابتداء : إنه لا يفعل ذلك . وقال بعضهم : قوله : { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ } ، أي : لا يجامع ، ولا يزني إلا بزانية مثله ، وكذلك الزانية لا تزني إلا بزان مثلها أو مشرك لا يحرم الزنا ، وهو قول الضحاك وهؤلاء . وقال سعيد بن المسيب : نسخت هذه الآية : { وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ } ، قوله : { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً … } الآية . وسئل ابن مسعود - رضي الله عنه - عن رجل يزني بامرأة ثم يتزوجها ؟ قال : هما زانيان ما اصطحبا . وجائز أن يكون النهي عن نكاح الزانية والزاني - نهياً عن الزنا نفسه لا عن النكاح ؛ كأنه قال : لا تزنوا ؛ فإنكم إذا زنيتم وصرتم معروفين به لا تجدون أن تنكحوا إلا زانية أو مشركة التي لا تحرم الزنا ؛ لأن العفائف منهن لا يرغبن في نكاح من صار معلن الزنا ، فإذا لم يرغبن لم يجدوا إلا من ذكر ، وهو ما قال : { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ } [ النساء : 43 ] ، ليس النهي عن قربان الصلاة ؛ ولكن النهي عن السكر وشرب المسكر . وكذلك ما روي أنه قال : " لا صلاة للمرأة الناشزة ولا للعبد الآبق " إنما نهى عن نشوزها وعن إباقه ؛ ليس عن الصلاة ؛ فعلى ذلك جائز أن يكون قوله : { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ } : إنما نهى عن الزنا ، أي : لا تزنوا ؛ ليرغب العفائف من المؤمنات فيكم ، ولا يزني النساء ؛ ليرغب أهل العفاف من المؤمنين ؛ فإنكم إذا زنيتم وصرتم معروفين به معلنين لا تجدوا إلا نكاح من ذكر من الزانية أو المشركة . أو أن يكون ما ذكرنا : لا يرغب الزاني إلا في نكاح زانية أو مشركة ، وكذلك المرأة الزانية لا ترغب إلا في نكاح زان مثلها أو مشرك . أو لا يرغب الزاني في الزنا إلا بزانية أو مشركة لا تحرم الزنا ، وكذلك الزانية لا ترغب في الزنا إلا بزان مثلها أو مشرك لا يحرم الزنا . { وَحُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } . وحرم الزنا على المؤمنين . أو إن كان على النكاح ؛ فيكون تأويل قوله : { وَحُرِّمَ } أي : منع عن ذلك المؤمنين ، أعني : نكاح الزانيات والزناة . قال أبو عوسجة : الزانية والزاني يقال منه : زنى يزني زنا ، وأما زنأ يزنأ زنئا ، أي : ارتقى يرتقي ؛ ويقال : الزناء : الضيق ، ويقال : زننته أزنه زنا ، أي : ظننت به ظنا ، والقذف : التهمة ، والرمي أشد من القذف . ومن جعل الآية في الزانيين المسلمين ، وجعل قوله : { لاَ يَنكِحُ } : على التزويج - لزمه أن يجيز للزانية المسلمة أن تتزوج الزاني المسلم والمشرك على ما ذكرنا بدءاً ، وهذا لا يقوله أحد ، وفي بطلان هذا القول بيان أن الآية إن كان المراد بها عقد النكاح فإنها نزلت في الزانية المشركة يريد المسلم أن يتزوجها ، كما ذكر في حديث مرثد ، وإن كان المراد به بذكر النكاح منها : الوطء ، فهو كما قال ابن عباس في إحدى الروايتين عنه : إنه الجماع ، ليس تحتمل الآية غير هذين الحالين ، والله أعلم بما أراد . وقد زعم قوم أن المرأة إذا زنت حرمت على زوجها ؛ فكأنهم ذهبوا إلى أنه لما لا يحل له أن يطأها ؛ لأنها إذا كانت زانية لم يحل المقام عليها إذا زنت وهي زوجة . لكن أهل التأويل في الآية على خلاف ما توهم أولئك بما وصفنا ؛ فلا وجه لتحريمهم الزانية على زوجها ، ولو كان أهل التأويل على ما توهموه فوجب أن تحرم الزانية على زوجها من غير أن كان ممنوعاً من تزويجها ؛ ألا ترى أنه لا يجوز للرجل أن يتزوج امرأة في عدة من غيره ، ولو أن رجلا وطئ [ امرأة ] رجل بشبهة فوجب عليها منه عدة لم تحرم على زوجها ، أفلا ترى أن العدة إذا كانت على النكاح مخالفة للنكاح في العدة . واحتجوا - أيضاً - بأن الرجل إذا قذف امرأته لوعن بينهما وفرق . لكن الوجه فيه ما ذكرنا ، والله أعلم .