Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 39-40)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً } جائز أن يكون ضرب مثل أعمال الكفرة بالسراب الذي ذكر من وجهين : أحدهما : أنهم قد عملوا في الظاهر أعمالا طمعوا أن يصلوا إليها في الآخرة ، وينتفعوا بها من نحو الصدقات ، والنفقات ، وصلة الأرحام ، ونحوه مما هي في الظاهر أعمال الخير ، فإذا هم حُرِمُوا أجرها ولم يجدوا شيئاً كالذي يرى السراب من بعيد يحسبه ماء فسار إليه ، فإذا هو لا شيء ؛ فعلى ذلك الكفار عملوا تلك الأعمال على طمع منهم أنهم ينتفعون بها ، فإذا هم على لا شيء كالعطشان الذي يرى [ السراب ] فحسبه أنه ماء ، فإذا هو سراب . والثاني : ضرب مثل أعمالهم بالسراب الذي ذكر ، وذلك أنهم قد عبدوا الأصنام والأوثان رجاء أن ينتفعوا بشفاعتهم في الآخرة ؛ كقولهم : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] وقولهم : { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] وكانت عبادتهم لما ذكروا من شفاعتهم عند الله ثم لم ينتفعوا فصاروا كالعطشان الذي يرى السراب يحسب أنه ماء ؛ فإذا جاءه وجده سراباً ؛ لم يجده ماء كما حسبه ، إلى هذا تمام المثل . ثم ابتدأ فقال : { وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّـٰهُ حِسَابَهُ } أي : وجد الله يوفيه حساب عمله وجزاءه . أو يقول : قدم على عمله يوم القيامة لم يجد عمله الذي عمل في الدنيا شيئاً إلا كما وجد هذا العطشان هذا السراب ، ووجد الله عنده فوفاه حسابه ، يقول : قدم على الله فوفاه حسابه ؛ أي : عمله . وقال بعضهم : هذا المثل ضرب للكفار ؛ وذلك أنهم يبعثون يوم القيامة وقد تقطعت أعناقهم من العطش ، فيرفع لهم سراب بقيعة من الأرض ؛ فإذا نظروا إليه حسبوه ماء ؛ فأتوه ليشربوا منه فلم يجدوا شيئاً ، ويؤخذون ثمة فيحاسبون ، وكذلك أعمالهم تضمحل يوم القيامة فلا يصيبون منها خيراً . وقوله : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ } . هذا مثل آخر ضربه الله لأحوال الكافر ؛ أو { كَظُلُمَاتٍ } جسده ، شبهه بظلمات ؛ وذلك أن البحر إذا كان عميقاً كان أشدّ لظلمته ؛ فقال : والبحر اللجي : قلب الكافر ، { يَغْشَاهُ مَوْجٌ } : فوق الماء { مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ } : فهو ظلمة الموج ، وظلمة الليل ، وظلمة السحاب ، هذه ظلمات { بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ } ، فكذا الكافر قلبه مظلم في صدر مظلم في جسد مظلم ، لا يبصر الإيمان كما أن صاحب البحر [ إذا ] أخرج يده في تلك الظلمة لم يكد يراها ؛ أي : لم يرها ألبتة . أو أن يكون ضرب المثل بظلمات ثلاث بظلمات أحوال لا يزال يزداد ظلمة كفره في كل وقت وفي كل حال بعمله الذي يعمله ؛ كالظلمات التي ذكرها ؛ فكان كضرب المثل الذي سبق لأنوار أحوال المؤمن ؛ حيث قال : { مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ } والنور جسده وصدره وقلبه . ثم قوله : { أَوْ كَظُلُمَاتٍ } : ليس هو حرف شك ، ولكنه كأنه قال : إن ضربت مثل عمله بالسراب فمستقيم ، وإن ضربته بالظلمات التي ذكرها فمستقيم ، بأيهما ضربت فمستقيم صحيح ، لا أنه ذا أو ذا . ثم ذكر في أعمال الكفرة مثلين : أحدهما : السراب ، والثاني : الظلمات . فجائز أن يكون في المؤمن أيضاً مثلين : الظلمة التي ذكر مقابل النور الذي ذكر في المؤمن ، والسراب الذي ذكر لأعمالهم مقابل ما ذكر من أعمال المؤمنين ؛ حيث قال : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ … } [ النور : 36 ] إلى قوله : { وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ النور : 38 ] . وقوله : { وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } . قال بعضهم : من لم يجعل الله له إيماناً فما له من إيمان . وقيل : هدى ، فما له من هدى ، وهما واحد . والآية على المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : لم يجعل الله للمؤمن من النور إلا وقد جعله مثله للكافر ، وفي الآية إخبار أنه لم يجعل للكافر النور ؛ إذ لو كان جعل للكافر كما جعل للمؤمن لم يكن لقوله : { وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } - معنى ؛ دل أنه لم يجعل للكافر النور . وقوله : { فَوَفَّـٰهُ حِسَابَهُ } يقول : فجازاه بعمله فلم يظلمه . وقوله : { وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } قد ذكرناه في غير موضع . قال القتبي : السراب : ما رأيته من الشمس كالماء نصف النهار ، والآل : ما رأيته في أوّل النهار وآخره ؛ الذي يرفع كل شيء ، والقيعة : القاع . وقال أبو عوسجة : السراب الذي يثيره الحرّ فتراه كأنه ماء يجري وهو الذي يكون نصف النهار إلى السماء ، والآل في أوّل النهار إلى قريب من نصف النهار ، والقيعة : القاع ؛ وهي الأرض اليابسة الطيبة التي يستنقع فيها الماء ، وقاع واحد ، وقيعان جمع ، والظمآن : العطشان ، وقوم ظِمَاء ، وامرأة ظمأى ، ونسوة ظماء ، وأظمأته : أعطشته ، وظمأته أيضاً . { بَحْرٍ لُّجِّيٍّ } اللجي : الكثير الماء ، واللجة : وسط البحر { يَغْشَاهُ مَوْجٌ } ؛ أي : يصير فوقه ، قال : الموج طرائق في الماء تكون إذا هبت الريح . وقال الكسائي : الظمآن والصديان والعطشان واحد ، قيل : والسراب : الزوال ، والآل : بعد الزوال ؛ وهو أرفع من السراب ، والرواق بعد العصر . وقال بعضهم في قوله : { إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا } : يقول : لم يقاربه البصر ؛ كقوله : الرجل لم يصب ولم يقارب .