Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 17-20)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ } اختلف [ فيه ] : قال بعضهم : نحشر أولئك الذين عبدوا دون الله والمعبودين وهم الملائكة ؛ لأن من العرب من قد عبدوا الملائكة ؛ كقوله في آية أخرى : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ * قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ … } الآية [ سبأ : 40 - 41 ] . وقال بعضهم : هو عيسى يحشر بينه وبين من عبدوه ؛ لأنه قد عبد دون الله فيقول له ما ذكر ؛ كقوله : { وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ … } الآية [ المائدة : 116 ] . وقال بعضهم : يحشر الأصنام ومن عبدها ، ثم يأذن لها في الكلام فيقول : { أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ } ؛ كقوله : { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ } [ يونس : 28 ] إلى قوله : { إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ } [ يونس : 29 ] ، ولو كان عيسى - عليه السلام - أو الملائكة لكانوا عالمين بعبادتهم إياهم غير غافلين ؛ دل ذلك أنها الأصنام التي عبدوها دون الله وإياها يسألون . وكل ذلك محتمل ؛ إذ قد كان منهم ذلك كله ، والله أعلم . وقوله : { فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ } : والله - عز وجل - كان عالماً لما كان منهم ، لكن السؤال إياهم - والله أعلم - يخرج مخرج توبيخ أولئك الكفرة وتعييرهم ؛ لأنهم يعبدون من ذكر من دون الله ، ويقولون : هم أمروهم بذلك ، وكانوا مقبولي القول عندهم صادقين فيما يخبرون ويقولون ، فأراد أن يظهر كذبهم عند الخلائق ؛ لذلك سألهم ، والله أعلم بالكائن منهم من أنفسهم ، لكنه يخرج على ما ذكرنا . ثم نزهوه عن جميع ما لا يليق به ، وبرءوا أنفسهم عن أن يكون منهم أمر أو شيء مما نسبه أولئك إليهم ، وهو أعلم بهم فقالوا : { سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ } قال أهل التأويل : { أَوْلِيَآءَ } أي : أرباباً ، وهم لم يتخذوا أربابا من دونه ، لكنه عندنا يخرج على وجهين : أحدهما : ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونه أولياء هم المؤمنون . الثاني : أو أن يكون : ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دون ولايتك ولاية سواك . وفي بعض القراءات : { أن نتخذ من دونك أولياء } برفع النون ، لكن أهل الأدب يقولون : هو خطأ . وقوله : { وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكْرَ } : هذا يحتمل وجهين : أحدهما : أن آباءهم قد أمهلوا ومتعوا في هذه الدنيا ، حتى ماتوا على ذلك من غير أن أصابهم شيء مما أوعدوا في كتابهم ، ومما أوعدهم الرسل من العذاب والهلاك على ما اختاروا من الدين وصنيعهم ، فظنوا أنهم على حق من ذلك ؛ حيث لم يصبهم من المواعيد المذكورة في كتابهم ، أو ما أوعدهم رسلهم بشيء ؛ فعلى هذا التأويل الذكر : الذي نسوه هو كتابهم ، أو ما أوعدهم رسلهم ، والله أعلم . فإن كان على هذا فالآية في أهل الكتاب منهم . ويحتمل أن تكون الآية في الفراعنة ، والقادة من هؤلاء الكفرة متعوا في هذه الدنيا بأحوال ورياسة ، ووسع عليهم المعيشة ، حتى دعوا الناس وأتباعهم إلى ما هم عليه من التكذيب برسوله وما أنزل عليه ، فأجيبوا بالأموال عندهم ، فنسوا ما في القرآن من الوعيد . { وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً } والبور : قال بعضهم : الهلاك . وقال بعضهم : البور : الفساد . وقوله : { فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ } : أي : فقد كذبكم أولئك ، { بِمَا تَقُولُونَ } : أنهم أمرونا بذلك ، وكانوا عندهم صدقة . وقوله : { فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً } : هذا يحتمل وجوها : أحدها : أي : ما يستطيع أولئك الكفرة صرف قول من عبدوهم وتكذيبهم حين كذبوهم في قولهم . { وَلاَ نَصْراً } أي : ولا استطاعوا الانتصار منهم حين كذبوهم ؛ وعلى ذلك يخرج قراءة من قرأه بالتاء : { فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً } . و [ الثاني : ] يحتمل : { فما يستطيعون } أولئك المعبودون صرف عذاب الله ونقمته عنكم ، ولا كانوا لهم نصراء ؛ لأنهم قالوا : { هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } [ يونس : 18 ] ، و { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] . والثالث : { فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً } أي : فداء ، { وَلاَ نَصْراً } أي : لا يقبل منهم الفداء ، ولا كان لهم ناصر ينصرهم في دفع العذاب عنهم ؛ كقوله : { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ } [ البقرة : 123 ] . وقال القتبي وأبو عوسجة : قال بعضهم : الصرف : النافلة ، سميت صرفاً لأنها زيادة على الواجب ، والعدل : الفريضة . وقد روي في الخبر : " من طلب صرف الحديث ليبتغي به إقبال وجوه الناس ، لم يرح رائحة الجنة " أي : من طلب تحسينه بالزيادة فيه . وقال بعضهم : الصرف : الدية ، والعدل : رجل مثله ؛ كأنه يريد : لا يقبل منه أن يفتدي برجل مثله وعدله ، ولا يصرف عن نفسه بديته ، ومنه قيل : صارفي ، وصرف الدرهم بالدنانير ؛ لأنك تصرف هذا إلى هذا ، وأصله ما ذكرنا . قال القتبي وأبو عبيدة : { قَوْماً بُوراً } ، أي : هلكى ، وهو من بار يبور ؛ إذا هلك وبطل ؛ يقال : بار الطعام ، إذا كسد ، وبارت الأيم ؛ إذا لم يرغب فيها ، وفي الخبر : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من بوار الأيم " . قال أبو عبيدة : يقال : رجل بور وقوم بور لا يثنى ولا يجمع . وقال أبو عوسجة : { قَوْماً بُوراً } : لا خير فيهم ، ورجل بائر ؛ وكذلك قال ابن زيد : بورا أي : ليس فيهم من الخير شيء . وقال قتادة : بورا : فاسدين ، بلغة أهل عمان ، وقال : " ما نسي قوم ذكر الله قط إلا باروا وفسدوا " . وقوله : { وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً } : أما على قول بعض الخوارج : كل ظلم ارتكبه فهو في ذلك الوعيد على أصل مذهبهم . وعلى قول المعتزلة : كل صاحب كبيرة في ذلك الوعيد . وأما على قول المسلمين : فذلك الوعيد لمرتكبي الظلم : ظلم كفر وشرك ، وأمّا ما دون ذلك فهو في مشيئة الله : إن شاء عذبه ، وإن شاء عفا عنه . وقوله : { وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي ٱلأَسْوَاقِ } : قد ذكرنا فيما تقدم أن هذا إنما أخرج جواباً لقول أولئك : { مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ } ، فأخبر أن الرسل الذين كانوا من قبل محمد كانوا يأكلون الطعام ، ويمشون في الأسواق على ما يأكل هو ويمشي . ثم من الناس من كره الركوب في الأسواق بهذا ، وقال : إنه أخبر عن الأنبياء والرسل جملة أنهم كانوا يمشون في الأسواق ، لم يذكر منهم الركوب ؛ فدل ذلك منهم أنه مكروه منهي عنه ؛ فيشبه أن يكون ما قال هؤلاء ، وأنه يكون مكروهاً ؛ لأنه يخرج الركوب في الأسواق مخرج التعزز والمباهاة ؛ فالواجب على كل مسلم أن يكون تعززه بالإسلام وبدينه الذي اختاره الله تعالى ، وخاصة على العلماء يجب أن يكون تعززهم ومباهاتهم بالعلم الذي أعطاه الله لهم وأكرمهم ؛ فإنه عز لا يُعْقِبُهُ ذلاًّ : ولا يورثه صغارا ولا قهرا ، وأمّا كل عز كان سوى ما ذكرنا فهو إلى ذل ما يصير سريعاً ، كأنه ليس بعز في الحقيقة ، ولو تأصَّل ، والله أعلم . وقوله : { وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً } : الفتنة كأنها هي المحنة التي فيها شدة وبلاء . ثم قال أهل التأويل : إنه لما أسلم عبد الله وأبو ذر وعمار وبلال وصهيب وأمثال هؤلاء ، قال الفراعنة من قريش نحو أبي جهل والوليد وأمثالهما : انظروا إلى هؤلاء الذين اتبعوا محمدا ، اتبعوه من موالينا وأعرابنا رذالة كل قوم ، فازدروهم وآذوهم واستهزءوا بهم ؛ فأنزل الله هذه الآية لهؤلاء الفقراء الذين اتبعوا رسول الله ؛ ليصبرهم على أذاهم فقال : { فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ } أي : اصبروا على الأمر ؛ هذا محتمل . وقال الحسن : قوله تعالى : { وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً } جعل أهل البلوى فتنة لغيرهم وغير أهل البلوى ؛ يقول الأعمى : لو شاء الله لجعلني بصيرا مثل فلان ، ويقول الفقير : لو شاء الله لجعلني غنيّاً مثل فلان ؛ وكذلك يقول السقيم : لو شاء الله لجعلني صحيحاً مثل فلان ، لكنه أعطى لأهل البلوى البلوى وأمرهم بالصبر عليها ، وأعطى لأهل النعمة النعمة وأمرهم بالشكر عليها . وجائز أن يكون غير هذا ، وهو قريب من هذا ، وذلك أنه أعطى بعضا النعمة والسعة ، وجعل بعضهم أهل ضيق وشدة ؛ ثم جعل كل فريق محتاجاً إلى الفريق الآخر ؛ جعل الغني والمثري محتاجاً إلى الفقير في بعض أموره ، والفقير محتاجاً إلى الغني لغناه ؛ وجعل لبعض على بعض مؤنة ما لولا فقر الفقير لا يعرف الغني قدر غناه ، ولا الفقير قدر فقره ، ولا قام بعض بكفاية مؤنة بعض ، ثم أمر كلا بالصبر على تحمل مؤنة الآخر بقوله : { أَتَصْبِرُونَ } أي : اصبروا على الأمر يخرج ، وإن كان ظاهره استفهاماً وسؤالا ، والله أعلم . وقوله : { وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً } أي : على بصر وعلم ؛ جعل بعضا فتنة لبعض ليس على سهو وغفلة .