Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 176-191)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { كَذَّبَ أَصْحَابُ لْئَيْكَةِ ٱلْمُرْسَلِينَ } : الأيكة : قال بعضهم : هي شجرة نسبوا إليها . وقال بعضهم : الأيكة : الغيضة . { إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلاَ تَتَّقُونَ } : قال : بعض أهل التأويل : وإنما لم يقل هاهنا في شعيب أخوهم ؛ لأن شعيباً لم يكن من نسلهم - أعني : من نسل أصحاب الأيكة - لذلك لم يقل : إذ قال لهم أخوهم شعيب ، وقال في سورة هود حيث قال : { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً … } الآية [ الأعراف : 85 ] ، كان من نسل أهل مدين ، ويقولون : إن شعيباً كان بعث إلى أهل مدين وهو كان منهم ، وإلى أصحاب الأيكة وهو لم يكن منهم ؛ لذلك قال ثم : أخاهم ولم يقل هاهنا . لكن ليس فيما لم يقل : إنه أخوهم ما يدل أنه لم يكن من نسلهم ولا من نسبهم ؛ لأن جميع أولاد إدم إخوة ، إذ يسمى جميع البشر بنيه ؛ فعلى ذلك أولاده إخوة وأخوات . ثم لا ندري أن مدين غير الأيكة والأيكة غير مدين ، فبعث شعيب إليهم جميعاً أو هما واحد نسبوا إلى الأيكة مرة وإلى مدين ثانياً ، والله أعلم . وقال القتبي : الأيكة : الغيضة ، وجمعها : أيك . وقال أبو عوسجة : الأيكة : شجرة ، والأيك : جمع أيكة ، وقال : لا أعرف " لَيْكة " بلا ألف ؛ وكذلك قال أبو عبيدة . وقال أبو زيد : أصحاب الأيكة أصحاب بادية ، والله أعلم . وقوله : { أَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُخْسِرِينَ } ؛ وكذلك قال لأهل مدين في سورة هود : { وَيٰقَوْمِ أَوْفُواْ ٱلْمِكْيَالَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ } [ هود : 85 ] ، ذكر فيهما جميعاً إيفاء الكيل ، فلسنا ندري أنه قد ظهر فيهما جميعاً نقصان الكيل والوزن ، فأمرهما بإيفاء ذلك لو كانت القصة واحدة فذكر فيهما ذلك . ثم في قوله : { وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ } جواز الاستدلال من وجهين : أحدهما : وقوع المبيع بملك المشتري ، وإن لم يقبضه المشتري . والثاني : جواز بيع الجزء من الكيلي والوزني شائعاً من الكل ؛ لأنه قال : { وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ } ، أضاف الأشياء إلى الناس ونسبها إليهم ، فلولا أن ذلك ملك لهم وإلا لم تكن أشياءهم ، ولكن كانت أشياء هؤلاء ؛ إذ لا يخلو ذلك إما أن كان ثمنا أو كان مبيعا ، فكيفما كان فهو موصوف بالملك لهم دون الذين عليهم إيفاء ذلك . وقوله : { أَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ } : كأنه قال : أوفوا الكيل والوزن فيما عليكم إيفاؤه ، ولا تستوفوا من الناس أكثر مما لكم عليهم . { وَزِنُواْ بِٱلْقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ } القسطاس : قال بعضهم : العدل ، أي : وزنوا للناس حقوقهم بالعدل ولا تنقصوها . وقال بعضهم : القسطاس : هو القبان وهو الميزان . وقوله : { ٱلْمُسْتَقِيمِ } : المستوي ؛ كأنه قال : وزنوا بالميزان المستوي ، لا تجعلوا إحدى الكفتين أثقل من الأخرى ؛ كأنهم يجعلون الكفة التي يوفون بها حقوق الناس أثقل ، والكفة التي يستوفون بها من الناس أخف ، فأمرهم أن يسووا الكفتين جميعاً . وقوله : { وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } أي : لا تفسدوا فيها . وقوله : { وَٱتَّقُواْ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلْجِبِلَّةَ ٱلأَوَّلِينَ } أي : اتقوا نقمة الذي خلقكم وخلق الجبلة الأولين ، أي : كيف عذبهم وانتقم منهم بظلمهم . والجبلة : هي الخليقة ؛ يقال : جبل أي : خلق . { قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ } : قال بعضهم : هو الذي سحر مرة بعد مرة ؛ فعلى هذا التأويل يكون إنما أنت من المسحورين ، لكن التشديد للتكثير . وقال بعضهم : إنما أنت مخلوق وبشر مثلنا ، وقد ذكرناه . وقوله : { وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } : هذا يدل أنهم إنما قالوا ذلك ظنّاً منهم لا يقيناً وحقا . { فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } : سألوا شعيباً العذاب على التعنت ، كما سأل غيرهم : { فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الأنفال : 32 ] ، فنزل بهم العذاب من حيث سألوا من السماء . وعن الحسن قال : سلط الله الحر على قوم شعيب سبعة أيام ولياليهن ، حتى كانوا لا ينتفعون بظل بيت ولا ببرد ماء ، ثم رفعت لهم سحابة في البرية فوجدوا تحتها الروح ، فجعل بعضهم يدعو بعضاً ، حتى إذا اجتمعوا تحتها أشعلها الله ناراً فأحرقتهم ، فذلك قوله : { فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ ٱلظُّلَّةِ … } الآية [ الشعراء : 189 ] . وقال بعضهم : سقطت عليهم تلك السحابة فقتلتهم . والظلة : قال أبو عوسجة : حر شديد . وقال القتبي : { كِسَفاً } ، أي : قطعة من السماء ، والكسف القطع . وقال بعضهم : أصابهم حر شديد وغم في بيوتهم ، فخرجوا يلتمسون الرَّوْحَ قِبَلَهُ ، فلما غشيتهم تلك السحابة أخذتهم الرجفة فأصبحوا جاثمين . وقال بعضهم : ظلل العذاب إياهم ، وبعضه قريب من بعض . وعن ابن عباس قريباً من هذا قال : " بعث الله عليهم وهدة وحرّاً شديداً ، فأخذ بأنفاسهم ، فلما أحسوا بالموت بعث لهم سحابة فأظلتهم ، فتنادوا تحتها ، فلما اجتمعوا سقطت عليهم ، فذلك قوله : { فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ ٱلظُّلَّةِ } ، والظلة : السحابة ؛ وهو قريب من الأول . وقول شعيب : { رَبِّيۤ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } : من نقصان الكيل وغيره من صنيعهم . وقوله : { فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ ٱلظُّلَّةِ } : كذبوه فيما أخبر من نزول العذاب بهم ، أو كذبوه فيما ادعى من الرسالة وما سوى ذلك ؛ هو مذكور فيما تقدم .