Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 18-35)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم قال له فرعون : { أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ } : يذكر نعمته التي أنعمها عليه بتربيته إياه صغيراً ، وكونه فيهم دهرا ، وكفران موسى لما أنعم عليه وهو ما قال : { وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } ، وهو قتل ذلك القبطي الذي وكزه موسى فقضى عليه ، فأقر له موسى بذلك ، فأخبر أنه فعل ذلك حيث قال : { فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ } . وقوله : { فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ } أي : فعلت ذلك وأنا كنت من الجاهلين ، لا يعلم أن وكزته تلك تقتله ، وإلا لو علم ما وكزه ؛ لأنه لم يكن يحل له قتله حيث قال : { هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ } [ القصص : 15 ] ؛ دل ذلك منه أنه كان لم يحل قتله إلا أنه جرى ذلك على يده خطأ وجهلا . وفيه دلالة أن الرجل قد ينهى ويؤاخذ بما يجري على يده خطأ وجهلا ، ويخاطب بذلك حيث قال : { فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ } . ثم قال : { فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ } : وهو حين قال ذلك الرجل : { إِنَّ ٱلْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَٱخْرُجْ } الآية [ القصص : 20 ] ، فخرج منها خائفاً يترقب ، وذلك فراره منهم . وقوله : { فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } : قال بعضهم : قوله : { فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً } أي : نبوة . وقال بعضهم : حكما ، أي : منَّ عليّ بالحكم وجعلني من المرسلين ، وقد كان ذلك له كله . وقوله : { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ } : وهو استعبادك إياهم ، أي : إذا ذكرت هذا فاذكر ذاك ، هذا يحتمل وجوهاً . أحدها : أن تذكر ما أنعمت عليّ وتمنها ، ولا تذكر مساوئك ببني إسرائيل ، وهو استعبادك إياهم ، أي : إذا ذكرت هذا فاذكر ذاك . والثاني : أن تلك نعمة تمنها عليّ حيث لم تعبدني وعبّدت بني إسرائيل ، يخرج على قبول المنة منه . والثالث : وتلك نعمة لو خليت عن بني إسرائيل ولم تستعبدهم لولوا ذلك عنك ، وتمام هذا يقول موسى لفرعون : أتمن عليّ يا فرعون بأن اتخذت بني إسرائيل عبيداً ، وكانوا أحراراً فقهرتهم ؟ ! وقال موسى : { فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ } أي : من الجاهلين بذلك أنه يتولد من وكزته الموت ؛ وكذلك روي في بعض الحروف : { وأنا من الجاهلين } ؛ دل أنه على الجهل ما فعل ذلك لا على القصد . وقال بعضهم : في قوله : { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ } يقول : وهذه منة تمنها بقوله : { أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً } يقول : تمن بها عليّ أن تستعبد بني إسرائيل ، وتمنّ عليّ بذلك . ثم قال فرعون لموسى : { وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } ، فقال له : { قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ } : من خلق ، { إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } ، ثم قال لمن حوله : { أَلاَ تَسْتَمِعُونَ } . إنما قال اللعين هذا - والله أعلم - لما وقع عنده أن موسى حاد عن جواب ما سأله ؛ لأنه إنما سأله عن ماهيته فهو إنما أجابه عن قهره وربوبيته ؛ فظن أنه حائد عن جواب ما سأله ؛ وكذلك قال لقومه : { أَلاَ تَسْتَمِعُونَ } إلى ما يقول موسى ؛ تعجباً منه أني أسأله عن شيء وهو يجيبني عن شيء آخر . ثم قال موسى : { رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } ، فقال عند ذلك : { إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } ، نسبه إلى الجنون لما ذكرنا أنه ظن أنه حائد عن الجواب في كل ما ذكر ، إنما كان السؤال منه عن الماهية ، وهو لم يجبه عنها ، فعند ذلك قال موسى : { رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } ، لم يجبه موسى في كل ما ذكر عن الماهية ، ولكن أجابه في الأول في بيان ربوبيته وألوهيته حيث قال : { رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } ذلك ، فعرف اللعين أنه ليس هو رب السماوات والأرض لما يعلم أن لا صنع له في ذلك ، وأنه لم ينشئهما ولكن أنشأهما رب العالمين على ما ذكر موسى ، لكن كأنه لم يعرف حدوثهما ولا فناءهما بما ذكر له موسى ؛ لما لم يشاهد حدوثهما وفناءهما ، فلم يتقرر ذلك عنده لما يقع عنده أنهما كذلك كانا ويكونان أبداً ، فعند ذلك احتاج إلى أن ذكر له ما يشاهد حدوثهما وفناءهما وهو ما قال : { رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } ، ذكر له ما شاهد حدوثه وفناءه ، فإذا عرف حدوث ما ذكر وفناءه يعرف أنه إذاً لم يكن بنفسه ولا كان نفسه ، ولكن بمحدث أحدثه وبمدبر دبره . ثم قال : { رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ } : ذكر هاهنا قدرته وسلطانه ، وهو ما يأتي بالنهار من المشرق ، وبالليل من المغرب ، ويطلع الشمس من المشرق ، ويغربها من المغرب ؛ وكذلك القمر والنجوم ، ففيه دلالة البعث ؛ لأن من قدر على أن يأتي بالنهار من كذا ، وبالليل من ناحية كذا ، والشمس والقمر من كذا - قادر على البعث ، لا يعجزه شيء ؛ ففي كل حرف من هذه الأحرف دلالة واستدلال على شيء ليس ذلك في الأخرى . وفي قوله : { رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } دلالة ربوبية الله وألوهيته . وفي قوله : { رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } دلالة حدوث ما ذكر وفنائه ، ودلالة محدث ومدبر . وفي قوله : { رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ } دلالة قدرته وسلطانه على البعث على الوجه الذي ذكرنا . وفي ذلك دلالة أن الله تعالى لا يعرف بالماهية ولا بما يحس ، ولكنه إنما يعرف من جهة الاستدلال بخلقه ، وبالآيات التي تدل على وحدانيته ، حيث سأل فرعون موسى عن الماهية ، فأجاب على الاستدلال بخلقه . ثم قال اللعين : { لَئِنِ ٱتَّخَذْتَ إِلَـٰهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ ٱلْمَسْجُونِينَ } : قال بعضهم : إنما أوعده السجن ولم يوعده القتل ؛ لأنه طلب منه الحجة على ما ادعى من الرسالة حيث قال : { فَأْتِ بِهِ } الآية ، ولو قتله لكان لا يقدر على إتيانها . وقال بعضهم : لا ، ولكن كان سجنه أشد من القتل ومن كل عقوبة . فقال له موسى : { أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ } أي : ما يبين ربوبية الله وألوهيته أو ما يبين أني رسول الله ، فقال له فرعون : { فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } بالرسالة ، وبما ادّعيت ، فدل قول فرعون لموسى حيث قال له : { فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } أنه قد عرف أنه رسول ، وأنه ليس بإله على ما ادعى ، وأن الإله غيره حيث طلب هذه الآية . وقوله : { إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } بالآيات التي تدل على وحدانية الله تعالى ومشيئته ، ذكر هذا مقابل إنكارهم الصانع . والإيقان : هو العلم الذي يستفاد من جهة الاستدلال ؛ ولذلك لا يقال لله : موقن . وقوله : { إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } : صلة قوله : { إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } . وقوله : { فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } : قال بعضهم : الثعبان : هو الكبيرة العظيمة من الحيات . وقال في موضع آخر : { تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ } [ النمل : 10 ] ، وقال في موضع آخر : { فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ } [ طه : 20 ] ، فجائز أن تكون كالثعبان بعد ما طرحها وألقاها ، وقبل أن يطرحها كالجان وهي الحية الصغيرة ، والله أعلم . وقوله : { وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ } : بياضاً خارجاً عن خلقة البشرية ، وخارجاً عن الآفة على ما ذكر في آية أخرى : { مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } [ النمل : 12 ] . وقوله : { قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ } : هذا منه إغراء وتحريش منه لقومه على موسى ؛ لئلا ينظروا إليه بعين التعظيم ؛ لعظيم ما أتاهم من الآية وأراهم ، حيث قال : { يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ } ، وموسى كان لم يرد إخراجهم من أرضهم ، ولكن ذلك إغراء منه لهم عليه ؛ لئلا يتبعوه ؛ كأنه يقول : يريد أن يخرجكم من أرضكم فيفسد عليكم معاشكم ، ويضيق عليكم مقامكم ومتقلبكم . وقوله : { فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } : هذا يبين أنه كان عرف أنه ليس بإله ، فبين دناءته وقلة معرفته ؛ لأنه لا يقول ملك من الملوك لقومه : ماذا تأمرون ، وخاصة من يدعي لنفسه الألوهية بقوله : { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي } [ القصص : 38 ] ؛ فدل أنه كان خسيس الهمة في الرأي والبال .