Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 36-51)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { قَالُوۤاْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ } : احبسه وأخره ، { وَٱبْعَثْ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ } : الحاشر : الجامع ، والحشر : الجمع ، { يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ } . وكان يجب أن يعرف أن السحر يقابل بسحر مثله ، ولا يحتاج إلى أن يسأل قومه ذلك ، لكنه كان اللعين ما ذكرنا من قلة البصر في الأمر وخساسة الهمة ودناءة الرأي . وقوله : { فَجُمِعَ ٱلسَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ * وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ * لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ ٱلسَّحَرَةَ إِن كَانُواْ هُمُ ٱلْغَالِبِينَ } : قال اللعين : نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين ، ولم يقل : نتبعهم إن كانت معهم الحجة ؛ ليعلم أنه قد علم وعرف أن لا حجة معهم ، وأن الحجة مع موسى حيث وعد اتباع الغالبين دون من معهم الحجة . وفي حرف ابن مسعود : { قال للناس هل أنتم مستمعون إلى السحرة أنهم يتغالبون لعلنا نتبع منهم الغالبين } . وقوله : { فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } : هذا ظاهر ، لكن أهل التأويل قالوا : كان السحرة كذا كذا عدداً ، وأن موسى قال لأكبرهم ساحراً : أتؤمن بي إن غلبتك ، وقال الساحر كذا ، وغير ذلك من الكلام مما ليس ذلك في الكتاب ذكره ، وليس ينبغي لهم أن يشتغلوا بشيء من ذلك ، أو أن يتأولوا شيئاً ليس في القرآن لما يدخل في ذلك من الزيادة والنقصان ؛ فيكون للكفرة مقال في ذلك وطعن في رسالة رسول الله ؛ لأن هذه الأنباء كانت في كتبهم ، فذكرت لرسول الله لتكون آية له في الرسالة ، فإن زادوا أو نقصوا يقولون : هذا كذب لم يذكر في كتابنا ذلك ؛ فلهذا الوجه ما ينبغي لهم أن يزيدوا على ما ذكر في الكتاب أو ينقصوا ؛ لئلا يجد أولئك مقالا في تكذيب رسول الله . وقوله : { قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ } : فإن قيل : كيف قال موسى لأولئك السحرة : ألقوا ، وهو يعلم أن ما يلقون هو سحر ، فكيف أمرهم بالسحر ؟ ! قيل : هذا وإن كان في الظاهر أمرا فهو في الحقيقة ليس بأمر ، إنما هو تهدد وتوعد ، أي : ألقوا لتروا عجزكم وضعفكم ، وذلك في القرآن ظاهره أمر ، وهو في الحقيقة توعد ؛ كقوله لإبليس : { وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ … } الآية [ الإسراء : 64 ] ، لا يخرج على الأمر ، ولكن على التوعد والتهدد ، أي : وإن فعلت ذلك فلا سلطان لك عليهم ؛ كقوله : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } [ الإسراء : 65 ] ، وقوله : { ٱعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ } [ فصلت : 40 ] . والثاني : أمرهم بذلك ؛ ليظهر كذبهم ويتبين صدقه وحجته ؛ إذ بذلك يظهر . أو قال لهم ذلك لما كان ذلك سبب إيمان أولئك السحرة ، والله أعلم . وقوله : { فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ } : هذا يدل أن السحرة كانوا يعبدون فرعون حيث قالوا : { بِعِزَّةِ فِرْعَونَ } ، وقد علموا عجز فرعون وضعفه ؛ حيث فزع إليهم وقال : { فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } . وقوله : { فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } ، وقد قرئ : { تَلْقَفُ } بالتخفيف . قال أبو عوسجة : تقول : تلقفت الشيء والتقفته ، أي : أخذته ، وقال غيره : تلقف ، أي : تلقم ؛ وهو واحد . وقوله : { يَأْفِكُونَ } : وهو الفاعل بمعنى المفعول ، أي : مأفوك ، وذلك جائز في اللغة وأمثاله كثير ؛ كقوله : { فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } [ الحاقة : 17 ] . وقوله : { فَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَاجِدِينَ } : أخبر لسرعة ما سجدوا كأنهم ألقوا لما بان لهم من الحق وظهر ، فقالوا : { آمَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } . قال أهل التأويل : إن فرعون قال عند ذلك : أنا رب العالمين ، فقالت السحرة : { رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ } . لكن الامتناع عن هذا وأمثاله مما لم يذكر في الكتاب أولى ؛ لما ذكرنا أنه إنما يحتج عليهم بهذه الأنباء على تصديقٍ من أهل الكتاب له في ذلك ، لما هي مذكورة في كتبهم ، فيخاف الزيادة والنقصان فيكذبون في ذلك ، فيذكر القدر الذي في الكتاب ؛ لئلا يدخل فيه الزيادة والنقصان فيفرق به ويكذب ، إلا ما ظهر عن رسول الله القول به فيقال ، وإلا الامتناع والكف أولى . ثم قال فرعون : { آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ } : إن فرعون قد علم أن ما جاء به موسى هو حجة ، لكنه كان يلبس على قومه وأصحابه ويغريهم عليه ، فقال مرة : { إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ } ، وقال : { إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } [ الشعراء : 27 ] ، وقال مرة : { إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } ، وقال : { إِنَّ هَـٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي ٱلْمَدِينَةِ … } الآية [ الأعراف : 123 ] . ثم أوعد لهم بوعائد فقال : { لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } ، فقالوا هم : { لاَ ضَيْرَ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ } أي : إنا إلى ثواب ربنا الذي وعد لنا لراجعون ، لا يضرنا ما توعدنا به . قال أبو عوسجة والقتبي : لا ضير : هو من ضاره يضوره ويضيره بمعنى : ضره ، وقد قرئ : { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً } [ آل عمران : 120 ] بالتخفيف بمعنى : لا يضركم . فقالوا : { إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَآ أَن كُنَّآ أَوَّلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } : قال بعضهم : { أَن كُنَّآ أَوَّلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ، وقال بعضهم : أن كنا أوّل أهل مصر إيماناً . وجائز أن كنا أوّل المؤمنين للحال . وقال بعض أهل التأويل : إن فرعون قد فعل بهم ما أوعد من قطع الأيدي والأرجل والصلب ، لكن ليس في الآية بيان حلول ما أوعد بهم ؛ فلا نقول به مخافة الكذب .