Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 52-68)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِيۤ إِنَّكُم مّتَّبَعُونَ } : السرى : سير الليل ، وهو ما قال في آية أخرى : { فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ } [ الدخان : 23 ] ، أي : يتبعكم فرعون وقومه . وقوله : { فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ } أي : أرسل في المدائن من يحشر الجنود والعساكر . وقالوا : { إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ } يعنون : أصحاب موسى { لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ } قال بعضهم : الشرذمة : الجماعة العصابة ، أي : عصابة قليلة . وقال بعضهم : { إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ } أي : طائفة قليلة . { وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ } : في الحلي الذي استعاروه منا ، أي : ذهبوا به ، مغايظة لنا . وقال بعضهم : { وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ } بما فعلنا بهم من قتل أولادهم ، واستحيائهم نساءهم ، ورجالهم يفعلون بنا ما فعلنا بهم إن ظفروا . وقوله : { وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ } : وحذرون : قال بعضهم : من الحذر . وقال بعضهم : { وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ } أي : مؤدون ، أي : مقوون ، أي : معنا أداة أصحاب الحرب ، والمقوي : الذي دابته قوية . وقال بعضهم : حاذرون ، أي : مستعدون للحرب . وقال بعضهم : { حَاذِرُونَ } لما حدث لهم من الخوف ، والحذر للحال حذر المعاودة ، أي : حذروا أن يعودوا إليهم ، وحذرون أي : كنا لم نزل منهم على حذر . وقال أبو معاذ : حاذرون : مؤدون من الأداة ، أي : تام السلاح . وفي خروج موسى ببني إسرائيل مع كثرتهم على ما ذكر أنهم كانوا ستمائة ألف فصاعداً من غير أن علم القبط بذلك - آية عظيمة ؛ إذ لا يقدر نفر الخروج من محلة أو ناحية إلا ويعلم أهلها بخروجهم ، ففي ذلك كان آية عظيمة ؛ حيث خرجوا من بينهم من غير أن علم أحد منهم بذلك . وقوله : { فَأَخْرَجْنَاهُمْ } يعني : فرعون وقومه ، { مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } أي : حسن ، { كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ * فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ } أي : تبع فرعون وقومه حين شرقت الشمس أي : طلعت - ومشرقين أي : كانوا في الشمس ، أي : قوم موسى صاروا في الشمس ، يقال : أشرقنا إذا صاروا فيها . وقوله : { فَلَمَّا تَرَاءَى ٱلْجَمْعَانِ } : جمع موسى وجمع فرعون ، أي : إذا تراءى بعضهم بعضاً ، { قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } قال موسى { كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } : كان قوم موسى لم يعلموا بالبشارة التي بشرها الله موسى أنهم لا يدركون ، وهو ما قال : { لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىٰ } [ طه : 77 ] أي : لا تخاف دركهم ولا تخشى فرعون وقومه ؛ لذلك قالوا : { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } وكانت البشارة لهم لا لموسى خاصة ، يدل لذلك قول موسى : { كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } على أثر قولهم : { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } أي : كلا إنهم لا يدركونكم . وقوله : { فَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ } أي : انشق ؛ وكذلك ذكر في حرف ابن مسعود : { فانشق } . { فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ } أي : كالجبل العظيم ، [ والطَّوْد ] والطور واحد ، وأطواد جماعة . وقوله : { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ ٱلآخَرِينَ } : قال الحسن : أزلفنا ، أي : أهلكنا ثم الآخرين . وقال بعضهم : جمعنا ، ومنه قيل : ليلة المزدلفة ، أي : ليلة الازدلاف وهو الاجتماع ؛ وكذلك قيل للموضع : جمع . فإن كان التأويل هذا ففيه دلالة أن لله في فعل العباد صنعاً وتدبيراً ؛ لأنه أضاف الجمع إليه ، وهم إنما كانوا خرجوا للمعصية ؛ فدل ذلك أنه على ما ذكرنا . وقال بعضهم : { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ ٱلآخَرِينَ } أي : أدنيناهم وقربناهم ، ومنه زلفك الله ، أي : قربك الله ، ويقال : أزلفني كذا عند فلان ، أي : قربني منه ، والزلف : المنازل ، والمراقي ؛ لأنها تدنو بالمسافر ، ومنه : { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ } [ الشعراء : 90 ] أي : أدنيت وقربت ؛ وكذلك قال أبو عوسجة والقتبي . وقوله : { وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ } الآية ظاهرة . وقوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً } أي : في هلاك فرعون وقومه ، وإنجاء موسى ومن معه متعظ ومزجر لمن بعدهم ؛ حيث رأوا أنه أهلك الأعداء ، وأبقى الأولياء . وقوله : { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } : هذا يحتمل وجوهاً : قال بعضهم : لم يكن أكثر أهل مصر بمصدقين بتوحيد الله ؛ إذ لو كان أكثرهم مؤمنين لم يعذبوا في الدنيا ، ولكن غير هذا كأنه أشبه ، أي : لو لم يهلكهم الله تعالى ، ولكن أبقاهم لم يؤمن أكثرهم . وقال بعضهم : { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم } من بني إسرائيل { مُّؤْمِنِينَ } أي : لم يدم أكثرهم على الإيمان ، بل ارتد أكثرهم من بعد ما أنجاهم حيث قالوا لموسى : { ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } [ الأعراف : 138 ] ، والله أعلم . وقوله : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } : المنتقم من فرعون . وقوله : { ٱلرَّحِيمُ } : بموسى ومن معه من المؤمنين ، هذا في هذا الموضع يستقيم أن يصرف تأويل العزيز إلى الأعداء ، والرحيم إلى الأولياء ، كل حرف من ذلك إلى الفريق الذي يستوجب ذلك : الرحمة إلى المؤمنين ، والنقمة إلى الأعداء .