Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 29-35)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

حيث قالت : { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ } فكأنهم قالوا : ممن ذلك الكتاب ؟ فقالت عند ذلك { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ } . وقوله : { كِتَابٌ كَرِيمٌ } : قال بعضهم : أي : حسن ؛ لما رأت فيه من الكلام الحسن والقول اللطيف . وقال بعضهم : { كِتَابٌ كَرِيمٌ } أي : مختوم ، وقد ذكر في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من كرم الكتاب ختمه " أو كلام نحو هذا أو شبهه . وجائز أن يكون فيه إضمار ، أي : إني ألقي إليَّ كتاب من إنسان كريم ، وسليمان كان معروفاً بالكرم ، يشبه أن يكون قد أتاها خبر كرمه . و { ٱلْمَلأُ } قالوا : هم الأشراف وأهل السؤدد . وقال الزجاج : سموا لما اجتمع عندهم من حاجات الناس ، وحسن الرأي والتدبير في كل شيء من الأمور ، أو كلام نحو هذا . وقوله : { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ } : هو ما ذكرنا كأنهم سألوها ممن ذلك الكتاب ؟ فقالت : { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ } ، وسألوها - أيضاً - : ما في ذلك الكتاب ؟ فقالت : { وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ * أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } . قوله : { أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ } أي : لا تتكبروا ولا تتعظموا عليّ . { وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } : مخلصين لله بالتوحيد ، أي : اجعلوا أنفسكم سالمة لله خالصة له ، لا تجعلوا لأحد سواه فيها شركا ولا حقّاً ؛ لأنه أخبر أنهم كانوا يسجدون للشمس من دون الله فيخبر في الكتاب ، حيث افتتح ببسم الله الرحمن الرحيم : أن الذي يستحق السجود والعبادة هو الله الرحمن الرحيم لا ما تعبدون أنتم . ثم إن من عادة الأنبياء والرسل الإيجاز في الكلام والرسائل ، لا يشتغلون بفضول الكلام وتطويله ، على ما ذكر من كتاب سليمان إلى بلقيس : { بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ * أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } ذكر هذا القدر كان الكتاب ، والله أعلم . وقوله : { قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِيۤ أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ } : استشارت أشراف قومها وطلبت منهم الرأي في ذلك ، وهكذا عمل الملوك وعادتهم أنهم إذا أرادوا أمرا أو استقبلهم أمر يستشيرون أولي الرأي من قومهم وأهل الحجى والتدبير منهم ، ثم يعملون بتدبير يكون لهم وما يرون ذلك صواباً ؛ وعلى ذلك أمر الله رسوله أن يشاور أصحابه بقوله : { وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ } [ آل عمران : 159 ] ، ثم أمره إذا عزم على الأمر أن يتوكل على الله في ذلك ، وأن يكل أمره إليه . وقوله : { حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ } : يحتمل وجهين : ما كنت قاطعة أمرا حتى تحضروا . أو ما كانت قاطعة أمرا حتى تشهدوا أنه صواب حق . فأجابوها فيما طلبت منهم الرأي والتدبير في ذلك ، فقالوا : { نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ } ، أي : نحن أولو قوة في أنفسنا وأولو بأس شديد ، أي : حرب وقتال شديد ، أي : لنا معرفة في ذلك ، ومع ما قالوا وكلوا الأمر إليها حيث قالوا : { وَٱلأَمْرُ إِلَيْكِ فَٱنظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ } ، وهكذا الواجب على وزراء الملوك والرعية أنهم إذا استشاروهم في أمر أن يدلوهم على الأصوب والحسن لهم ، ثم يكلوا الأمر إليهم . وقصة سليمان صلوات الله عليه مع ما فيها من العجائب والآداب ، ففيها معرفة سياسة الملوك وتعلم آدابهم ؛ من ذلك : ما قال سليمان : { فَهُمْ يُوزَعُونَ } ، ومن ذلك قوله : { وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيْرَ … } الآية ، وقوله : { لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً } ، أو من ذلك استشارة بلقيس أشراف قومها في ذلك وجوابات قومها لها ، وإخبارها إياهم من طبع الملوك وعاداتهم من الإفساد والقتل والإذلال ؛ حيث قالت : { إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ } : قال أهل التأويل : هذه شهادة من الله لها بما قالت والتصديق لها فيما أخبرت أنهم كذلك يفعلون بكبرائهم . ثم قال : { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ } : ذكر أنها قالت : إن لي في هذا رأيا ، فإن يك صاحب دنيا فعسى أن نرضيه بالمال فيسكت عنا ويكف شره ، وإن يكن نبيّاً فلا يقبل ذلك منا وسنعرف ، فعملت ذلك وأرسلت إليه بهدايا ، فلم يقبلها سليمان فعرفت أنه نبي ، وهذا كان منها تدبيراً أو حسن الرأي في الأمر واحتيالا وفقت في ذلك ، لم تشتغل بالحرب والقتال على ما أشار لها قومها . وقال ابن عباس : " قالت بلقيس لما أتاها كتاب سليمان ، واستشارت قومها في ذلك وطلبت فتياهم ، فأفتوا لها بما أفتوا - قالت : أبعث إليه بهدية ، فإن قبلها فهو ملك فأحاربه ، وإن لم يقبلها فهو نبي أتابعه " . قال أبو عوسجة : { فَنَاظِرَةٌ } يقال : أنظرته نظرة ، أي : أمهلته ، والنظرة في الدين خاصة وهو الإنظار .