Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 36-41)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ } : الرسول الذي بعثت معه بلقيس الهدية . ويحتمل : { فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ } المال الذي بعثت إليه ؛ يحتمل ذا أو ذا . وقوله : { قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ } أي : أتعطونني بمال ، وقال أهل الأدب : { أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ } من المدد ، والمدد الزيادة كما يمد القوم ، ويكون الإعطاء كقوله : { وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } [ الطور : 22 ] ، ويحتمل هذه الزيادة ، والله أعلم . وقوله : { فَمَآ آتَانِيَ ٱللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ } أي : ما آتاني الله من النبوة والعلم والحكمة خير مما آتاكم من الأموال . ويحتمل : { فَمَآ آتَانِيَ ٱللَّهُ } فأوتيكم إذا أتيتموني مسلمين { خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ } ؛ إذ لم تؤتوني وأوتيتم الإسلام ، أو كلام نحو هذا . وقال بعض أهل التأويل : فما آتاني الله من الملك خير مما آتاكم من الملك ؛ لأنه سخر له الجن والإنس والشياطين والطيور والرياح وجميع الأشياء ، فذلك خير له وأعظم من ملكها . والأول أشبه وأقرب ؛ إذ لا يحتمل أن يفتخر سليمان بملكه على غيره ، إنما يكون افتخاره بالدين والنبوة ؛ والله أعلم . وقوله : { بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ } : قال بعضهم : بل أنتم بهديتكم تفرحون إذا ردت إليكم ، لكن هذا بعيد : لا تفرح برد الهدية إذا ردت إليها ، ولم تقبل بل تحزن على ذلك وتهتم ، لكنه يقول - والله أعلم - بل أنتم أولى بالفرح بالمال والهدايا منا ؛ إذ مرادكم المال والدنيا ، ومرادنا الدين ودار الآخرة ، أو كلام نحو هذا ، والله أعلم بذلك . وقوله : { ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا } : قال ذلك - والله أعلم - للرسول الذي أتاه بالهدية : { ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا } ، أي : لنأتينهم بجنود لا طاقة لهم بها إن لم يأتوني مسلمين ، { وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ } إن لم يأتوني مسلمين . ثم قال سليمان - عليه السلام - : { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ } إنما خاطب به أشراف قومه ، وهكذا العادة في الملوك أنهم إذا خاطبوا أحداً بشيء إنما يخاطبون أهل الشرف والمنزلة منهم . { أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } : قال بعض أهل التأويل : إنما قال هذا لأنه علم نبي الله متى أسلموا يحرم أموالهم مع دمائهم ، فأحب أن يؤتى به قبل أن يحرم ذلك عليه ، لكن هذا محال بعيد وفحش من القول لا يحتمل أن يكون رغبة سليمان في الأموال هذا الذي ذكر بعدما رد هداياها إليها ، وأخبر : إنكم تفرحون بها ؛ لأنكم أهل دنيا ؛ إذ رغبة أهل الدنيا في الأموال ، ونحن أهل الدين رغبنا في الدين به نفرح ، ويستعجل كل هذا الاستعجال رغبة في مالها وعرشها . لكنه - والله أعلم - يخرج على وجهين : أحدهما : أنه أراد أن يريهم قوته وسلطانه أن يرفع واحد من جنوده عرشها - مع عظمه - بمعاينة منهم ومشاهدة وحمله من بينهم ؛ ليعلموا أن من قدر على ذلك لقادر أن يأتيهم بجنود لا طاقة لهم تصديقاً لما قال : { فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا } ، ويقدر على قهرهم وغلبتهم . والثاني : أراد أن يريهم آية من آيات نبوته إذا أتوه { قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } ؛ ليعلموا أنه نبي ليس بملك . وهذا التأويل الذي ذكرنا آية ، لكنه قبل أن يأتوه ؛ ليعلموا أنه نبي ليس بملك . وقوله : { قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } أي : مصالحين ، وذلك جائز في اللغة . وقوله : { أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ } : قال بعضهم : مقامه : مجلسه الذي كان يقضي فيه إلى أن يفرغ من قضائه حتى يؤتى به . { وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ } : لأن الجن أقوى من الإنس وصف نفسه بالأمانة ؛ لأن الجن لا يرغبون في الأموال ما يرغب الإنس . وقال بعضهم : أمين على فرج تلك المرأة . مقامه : مجلس الرجل يكون فيه حتى يقوم ، ولكن لا ندري ما أراد بمقامه الذي ذكر . وقال بعضهم : أراد سليمان أن يكون أعجل من ذلك { قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ } ذكر أنه كان رجلا يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب : { أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } . ثم اختلف في ارتداد طرفه . قال بعضهم : هو أن يبعث رسولا إلى منتهى طرفه فلا يرجع حتى يؤتى به . وقال بعضهم : هو الرجل ينظر إلى الشيء البعيد قبل أن يرجع إليه طرفه . { فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ } : قال بعضهم : دخل في نفق الأرض ، فخرج بين يدي سليمان - يعني : العرش - كأنه - والله أعلم - أتاه إذ دعاه بذلك الاسم ، من غير أن تكلف هو حمله أو إتيانه ؛ فهذا يدل أن الآيات قد تجري على غير أيدي الرسل ، لكن تكون الآية للرسول وإن كانت تجري على أيدي غيره . ثم قال : { هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ } : قال بعضهم : والله ما جعله فخرا ولا أشرا ولا بطرا ، لكنه جعله شكرا وتواضعا . وقال بعضهم : لما دعا ذلك الرجل بذلك الاسم فرآه مستقرا عنده ، وقع في قلب سليمان شيء وخطر بباله أنى يكون رجل عنده علم ما ليس عنده من العلم ، قال : فعزم الله له على الخبر . وقيل له : إنه ممن خولك الله ، فقال سليمان : { هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي } ، يقول : ما أعطى ذلك الرجل ما لم يعطني { لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ } إذا كان مثله تحت يدي . { أَمْ أَكْفُرُ } ، لكن لا يحتمل أن يشكر الله على ما أعطى غيره . ثم يحتمل قوله : { هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي } إتيانه أولئك مسلمين ؛ أو النبوة والعلم الذي آتاه الله ، قال : ذلك من فضل ربي ، أراد تسخير ما سخر له { لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ } ، أي : يمتحنني أأشكر أم أكفر ؟ { وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ } ؛ ليعلم أنه إنما يمتحن بالشكر ، ويأمره به لا لمنفعة الممتحن ولكن لمنفعة المأمور به . وقوله : { فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } : غني : عن شكره ، كريم : يقبل القليل منه واليسير . وقوله : { قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا } : قال أهل التأويل : { نَكِّرُواْ } أي : غيروا لها عرشها ؛ كأنه أمر أن يغيروا بعض ما عليه من الزيادة والنقصان ؛ ليمتحنها أتعرف أنه عرشها أم لا ؟ والمنكر هو الذي لا يعرف ؛ كقوله : { قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } [ الحجر : 62 ] ، وقوله : { نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً } [ هود : 70 ] أي : لم يعرفهم . وقوله : { نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا } : كان يجيء أن يقال : نكروا عرشها ، ويكون { لَهَا } زائدة ، إلا أن يقال : { نَكِّرُواْ لَهَا } ، أي : نكروا لأجلها عرشها ، وهذا يشبه أن يكون . وقوله : { نَنظُرْ أَتَهْتَدِيۤ أَمْ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ } : قال أهل التأويل : أتهتدي أنه عرشها أو لا تهتدي إليه ؟ وجائز أن يكون قوله ننظر : أتهتدي إلى دين الله وتوحيده ، أم تكون من الذين لا يهتدون إلى دين الله ؟