Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 42-44)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ } : قال بعضهم : شبهت هي عليهم ولبست أمره ، كما فعلوا هم بها من تغيير عرشها عليها وتلبيسه عليها ، لكن قوله : { كَأَنَّهُ هُوَ } لم تقطع فيه القول لما رأت فيه من التغيير والتنكير ، ورأت فيه سررها - وقفت فيه . ودل قوله : { فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ } أن العرش لم يحمل وهي نائمة ، على ما قاله بعض أهل التأويل : إنه حمل دونها من قبل ، ثم جاءت بعد ذلك - والله أعلم - ألا ترى أنه لو أمرهم أن يغيروا عرشها وهي عليه لم تشعر به - هذا بعيد ، والله أعلم بذلك . وقوله : { وَأُوتِينَا ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ } : إن كان هذا القول من سليمان فكأنه يقول : قد أوتينا العلم من قبل علمها به أنه عرشها ، ولنا غنية عن السؤال لها عنه ، لكن نسألها مستخبرين عن ذلك ممتحنين لها . وقوله : { وَكُنَّا مُسْلِمِينَ } أي : صرنا مسلمين جميعاً ، وأن يكون هذا صلة قوله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً } ، فهذا العلم الذي قال : { وَأُوتِينَا ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ } ، وإلا في الظاهر ليس هذا صلة ما تقدم من قوله : { قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ } ، والله أعلم . وقوله : { وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ } : قال بعضهم : صدها عبادتها الشمس والأصنام التي عبدوها دون الله عن الإسلام وعبادة الله . وقال بعضهم : وصدها سليمان عن عبادتها التي كانت تعبد من دون الله ؛ لأنه ذكر أنها أسلمت . وقوله : { قِيلَ لَهَا ٱدْخُلِي ٱلصَّرْحَ } : قال بعضهم : الصرح : صحن الدار ؛ وهو قول الزجاج . وقال القتبي وأبو عوسجة وأكثر أهل التأويل : الصرح : هو القصر . ثم لا ندري ما سبب بناء ذلك الصرح ؟ وما سبب أمره إياها بالدخول فيه وكشفها عن ساقيها ؟ أما أهل التأويل فإنهم قد اختلفوا في ذلك : قال بعضهم : قالت الجن لما أقبلت بلقيس : لقد لقينا من سليمان ما لقينا من التعب ، فلو اجتمع سليمان وهذه المرأة وما عندها من العلم لهلكنا ، وكانت أم هذه المرأة جنية ، فقالوا : تعالوا ننقصها ونكرهها إلى سليمان ، فقيل لسليمان : إن رجلها مثل حافر الدواب ؛ لأن أمها كانت جنية ، فأمر سليمان عند ذلك فبني له بيت من قوارير فوق الماء ، وأرسل فيه السمك لتحسب أنه ماء فتكشف عن رجليها ، فينظر سليمان أصدقت الجن أم كذبت ، فلما رأته حسبته الماء وكشفت عن ساقيها فنظر إليها سليمان فإذا هي أحسن الناس قدمين وساقين ، فلما رأت الجن أن سليمان رأى ساقيها قالت الجن : لا تكشفي عن ساقيك { إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوارِيرَ } . وقال بعضهم : لا ، ولكن ذكر لسليمان أن على ساقيها شعرا وأنهما شعراوان ، فأمر بذلك ليعرف ذلك . وقال بعضهم : لا ، ولكن خافت الجن عند ذلك أن يتزوجها سليمان فتفشي إليه أشياء كانوا أطلعوها عليها وأفشوا إليها ، فأرادوا أن يكرهوها إليه ، فطعنوها بعيوب في عقلها ونفسها ، فقالوا : يا نبي الله ، ألا نريك عقلها فإن في عقلها شيئاً ؟ قال : بلى ، فجاءت الجن بماء فأجروه فتركوه لجة ، ثم جاءوا بالسمك والضفادع فأرسلوها في الماء ، ثم جيء بها إلى ذلك الماء ، فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها ، فقالوا لسليمان : إن في عقلها آفة ؛ ألا ترى أنها لا تعرف الصرح من الماء ، ولا تميز بينهما ؟ أو نحو هذا من الكلام . لكن لا نعلم ما سبب ذلك ، ولا يحتمل أن يكون سليمان يحتال هذا ؛ لينظر إلى ساقها وهي أجنبية . ثم جائز أن يكون لغير ذلك ، أو أراد أن يريها آية من آيات نبوته ؛ حيث اتخذ صرحاً ممردا من قوارير يرى كالماء للطافته ، وذلك خارج عن تدبير البشر ، لتعلم هي أن ذلك تدبير السماء لا تدبير البشر . أو أن يكون أراد بذلك - والله أعلم - أن يريها عظم ملكه وسلطانه ؛ لتعلم أنه يفعل ما يشاء قادر على ذلك لا ينفعها سوى الطاعة له والإجابة والخضوع لله والإسلام له ، فعند ذلك قالت : { رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي } فيما عبدت دون الله { وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي : أخلصت وأسلمت نفسي لله رب العالمين . قال القتبي : عفريت ، أي : شديد وثيق ، وأصله العفر زيدت التاء فيه ، يقال : عفريت نفريت ، وعفريت ونفريت ، وعفاريت نفاريت . وقال أبو عوسجة : العفريت : الخبيث المارد ، وعفاريت جمع . وقال : صدها أي : ردها ومنعها . وقال الصرح : القصر ، والصروح جمع . واللجة : الماء المجتمع الكثير . وقال : الممرد : وهو المملس بالطين أو بالجص أو بما كان . وقال غيره : الممرد الطويل . قال القتبي : ومن ذلك يقال : الأمرد للذي لا شعر على وجهه ، ويقال : للرملة التي لا تنبت : مرادة ، ويقال : للممرد : المطول ، ومنه قيل لبعض الحصون : مارد . وقال الكسائي : الممرد : الأملس ، ويقال : منه سمي الأمرد أمرد .