Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 45-53)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } : يحتمل هذا : لقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً ، وأمرناه أن يقول لهم : اعبدوا الله . وجائز أن يكون قوله : { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } بالرسالة ، أي : أرسلناه ليدعوهم إلى عبادة الله . وقوله : { ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } : يحتمل : وحدوا الله . ويحتمل العبادة نفسها : أن اعبدوا الله ولا تشركوا غيره فيها ، ولا تشركوا في تسمية الألوهية غيره ، ولكن وحدوه ، فكيفما كان ففيه أمر بالتوحيد له في العبادة والألوهية له . وقوله : { فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ } : مؤمن بصالح ومكذب به ، ولم يبين فيم كانت خصومتهم ؟ وبَيْنَ مَنْ كانت في هذه الآية ؟ لكنه بين في آية أخرى وفسر وهو ما قال : { قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ * قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا بِٱلَّذِيۤ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } [ الأعراف : 75 - 76 ] ، هذه الخصومة التي ذكر في قوله : { فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ } بين الرؤساء من المؤمنين بصالح ، والله أعلم . وقوله : { يٰقَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ } أي : لم تستعجلون العذاب قبل الرحمة ، واستعجالهم العذاب والسيئة ذكر في آية أخرى وهو قوله : { فَعَقَرُواْ ٱلنَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَاصَالِحُ ٱئْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ الأعراف : 77 ] ، فذلك استعجالهم السيئة قبل الحسنة . وقوله : { لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } أي : لولا توحدون الله ولا تشركوا غيره في العبادة وتسمية الإلهية ؛ لكي يرحمكم ، وفيه إطماع لهم لو آمنوا وتابوا عنه لرحمهم ؛ كقوله : { إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } [ الأنفال : 38 ] . وقوله : { قَالُواْ ٱطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ } أي : تشاءمنا منك وبمن معك ، لم يزل الكفرة يقولون لرسل الله - عليهم السلام - ولمن آمن منهم : اطيرنا بكم ، إذا أصابتهم الشدة والبلاء يتطيرون بهم ويتشاءمون ، ويقولون : إنما أصابنا هذا بشؤمكم ، وإذا أصابهم رخاء وسعة فقالوا : هذا لنا بنا ومن أنفسنا ، وهو ما قال موسى حيث قال : { فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ } الآية [ الأعراف : 131 ] ؛ وكذلك قال أهل مكة لرسول الله حيث قال : { وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِكَ } [ النساء : 78 ] ، كانوا يتطيرون برسول الله ويتشاءمون بما يصيبهم من الشدة ، وما ينزل بهم من البلاء ، فأخبر الله رسوله ، وأمره أن يقول لهم : { كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } [ النساء : 78 ] أي : الرخاء والشدة من عند الله ينزل ، وهو باعث ذلك لا أنا ؛ فعلى ذلك قوله : { طَائِرُكُمْ عِندَ ٱللَّهِ } أي : ما ينزل بكم ويصيبكم من الشدة والرخاء إنما ينزل من عند الله لا بنا ولا بكم . أو يقال : ما ينزل بكم من العذاب في الآخرة إنما يصيب بتكذيبكم إياي في الدنيا . أو أن يقال : طائركم عند الله ، أي : جزاء طيرتكم عند الله ، هو يجزيكم بها بعذاب الدنيا والآخرة . { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ } يحتمل قوله : { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ } ابتداء : مرة بالشدّة ومرة بالرخاء ، لا بما تكسبون من الأعمال . وجائز أن قوله : { تُفْتَنُونَ } بالعذاب بما تكسبون من الأعمال في الدنيا ، أي : تعذبون بها . قال أبو عوسجة : { طَائِرُكُمْ عِندَ ٱللَّهِ } يقول : الله أعلم بطائركم وما تطيرتم به . وقال القتبي : { طَائِرُكُمْ عِندَ ٱللَّهِ } أي : ليس ذلك بي وإنما هو من الله ، وهو ما ذكرنا . وقوله : { وَكَانَ فِي ٱلْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ } : قال بعضهم : الرهط : إنما يقال من ثلاثة إلى تسعة ، وإذا نقص عن ذلك أو زاد يقال : رجال . وقال أبو عوسجة : الرهط : النفر ، وأراهط ورهوط جمع . ثم يحتمل الرهط وجهين : أحدهما : { تِسْعَةُ رَهْطٍ } أي : تسعة نفر من الأتباع وغيره يفسدون في الأرض ولا يصلحون . والثاني : تسعة رهط لا تسعة نفر من الرؤساء ، ولكل أحد منهم رهط من الأتباع يفسدون في الأرض ولا يصلحون . جائز أن هذا إخبار من الله أنهم يفسدون أبداً في الأرض ولا يؤمنون أبداً . وجائز أن يكون إخبارا عن حالهم ، أي : يعملون الفساد والمعاصي ولا يصلحون ، أي : لا يسعون بالصلاح . وقال ابن عباس : إن هؤلاء التسعة كانوا من أبناء أشرافهم ، وكانوا بالحِجر ، وكانوا فساقا ، فقال بعضهم لبعض : لنقتلن صالحاً وأهله ، ثم لنقولن لوليه - أي : لقومه من ورثته - : ما قتلناه . وقوله : { لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ } : فتحالفوا على ذلك ، فأتوا صالحا ليلا فدخلوا عليه بأسيافهم ليقتلوه ، وعند صالح ملائكة جاءوا من الله تعالى يحرسونه ، فقتلوا الرهط في دار صالح بالحجارة ؛ فذلك قوله : { وَمَكَرُواْ مَكْراً } : بصالح وأهله ، { وَمَكَرْنَا مَكْراً } أي : أهلكناهم ، { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } : أنهم يهلكون . وقال بعضهم : هؤلاء التسعة الرهط تواثقوا أنهم يبيتون صالحاً ويقتلونه وأهله بعدما عقروا الناقة ، وقالوا فيما بينهم : فإن خوصمنا في ذلك لنقولن ولنقسمن : ما شهدنا مهلك أهله ، أي : ما حضرنا في هلاكهم ؛ على هذا التأويل يكون على التقديم والتأخير . وقال بعضهم : هؤلاء التسعة كانوا شرار قومه ، خرجوا بخمر إلى بعض المغار ليشربوها ، ثم ليبيتوا على صالح وأهله ، فشربوا هنالك فانهدم بهم الصخرة وعذبوا فيه ؛ فذلك قوله : { وَمَكَرُواْ } : بقتل صالح وهلاكه ؛ { مَكْراً وَمَكَرْنَا } بهم حيث أهلكناهم ، { مَكْراً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } . والمكر : هو الأخذ بغتة . وقوله : { وَمَكَرُواْ مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً } أي : جزيناهم جزاء مكرهم . ثم اختلف في قراءة { لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ } بالنون ؛ فذلك قول بعضهم لبعض . وقرأه بعضهم بالتاء : { لتبيتنه وأهله ثم لتقولن } ؛ فذلك قول الرؤساء للأتباع . ومن قرأ بالياء يجعله خبراً عن الله تعالى لهم . وقوله : { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوۤاْ } أي : لم نسكن فيها أحداً ، ولكن تركناها خالية كذلك . وقال بعضهم : { خَاوِيَةً } أي : خربة بما ظلموا كقوله : { وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا } [ البقرة : 259 ] أي : ساقطة خربة ، وقد كان ذلك كله : منها ما جعل لغيرهم مسكناً إذا أهلكهم من نحو ما أورث بني إسرائيل ديار القبط وأموالهم ، وأنزلهم فيها ، ومنها : ما تركها كذلك خالية بعد ما أهلك أهلها وخربها وتركها كذلك . وقوله : { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً } أي : في هلاك من ذكر لآية ولعبرة يعتبرون . { وَأَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } مخالفة الله ، ومخالفة أمره ونهيه .