Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 59-66)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ } أمر نبيه بالحمد له والثناء عليه على هلاك أعداء الرسل الخالية . ثم قال : { وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ } وهم الرسل والأنبياء ، صلوات الله عليهم . وجائز أن يكون أمره إياه بالحمد له والثناء عليه لما أنعم عليه من أنواع النعم ، منها ما ذكر من هلاك أعداء الرسل وإبقاء أوليائهم ؛ تخويفاً لأعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهلكوا كما أهلك أعداء الرسل الخالية . أو أن يكون أمره إياه بالحمد له والثناء عليه ؛ لما أنعم عليه في نفسه من أنواع النعم من النبوة والرسالة والهداية ونحوه ، والله أعلم . وقوله : { وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ } : يحتمل الرسل ؛ كقوله : { وَسَلاَمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ الصافات : 181 ] . ويحتمل الأمر بالسلام على أصحابه وجميع المؤمنين ؛ كقوله : { وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ } [ الأنعام : 54 ] ، أمر رسوله بالسلام على المرسلين وعلى أصحابه وعلى المؤمنين . ثم في قوله : { ٱصْطَفَىٰ } دلالة : أن لا أحد يستوجب الصفوة إلا بالله ؛ حيث قال : { ٱصْطَفَىٰ } . وقوله : { ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } أي : الذي فعل هذا بالأمم الخالية من الهلاك للأعداء وإبقاء الرسل والأولياء ، أم الأصنام التي تشركون في عبادته ، وهي لا تملك شيئاً من ذلك ؟ يقول - والله أعلم - : إنكم تعلمون أن الله يملك ما ذكر من إهلاك أعدائه وإبقاء رسله ، والأصنام التي تعبدونها دونه لا تملك شيئاً ، فكيف تشركونها في ألوهيته ؟ ! وإلا لم يذكر جواب قوله : { ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } جوابه أن يقولوا : بل الله خير . وكذلك روي في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - إن ثبت - : أنه كان إذا قرأ هذه الآية ، قال : " بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم " . وقوله : { أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ } : يذكرهم بهذا ؛ لوجهين : أحدهما : يذكر قدرته وسلطانه في خلق ما ذكر من السماوات والأرض ، وإنزال الماء من السماء ، وإنبات النبات من الأرض ، وإخراجه على إقرارهم أن الله خالق ذلك لا غيره ، فيقول : فإذا علمتم أن الله هو خالق ذلك كله ، فكيف أشركتم غيره ممن لا يملك ذلك ، ولا يقدر في تسمية الإلهية والعبادة ؟ ! والثاني : يخبر عن اتساق الأمور والتدبير فيهما جميعاً ، واتصال منافع أحدهما بالآخر ، على تباعد ما بينهما ؛ ليعلم أن منشئهما ومدبرهما واحد لا عدد ، فإذا عرفتم ذلك فكيف أشركتم غيره فيهما ؟ ! وهو كقوله : { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } [ الأنبياء : 22 ] . وهذا الحرف على الثنوية والدهرية وهؤلاء لقولهم بالعدد وإنكارهم الواحد ، والأول على المقرين بالواحد إلا أنهم أشركوا الأصنام في التسمية والعبادة . وقوله : { حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ } : قال بعضهم : الحدائق : الحيطان ، والبساتين : ما دون الحيطان . وقال بعضهم : الحدائق : الحوائط التي خصت بالأشجار ، والبساتين : هي الملتفة بها . وقال أبو عوسجة : الحدائق : البساتين والرياض ، والحديقة : الروضة . وقال القتبي : الحدائق : البساتين واحدها : حديقة ، سميت بذلك لأنها تحدق بها ، أي : تحيط { ذَاتَ بَهْجَةٍ } : حسن المنظر . وجائز أنها سميت ذات بهجة لما يبتهج صاحبها إذا نظر إليها ويسر . وقوله : { مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا } أي : ما تقدرون أنتم أن تنبتوا شجرها ، فمن هو دونكم أشد وأبعد ؛ فكيف أشركتم في العبادة وتسمية الإلهية من هو دونكم في كل شيء ؟ ! وقوله : { أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ } أي : لا إله مع الله . { بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ } : يحتمل هذا وجهين : [ أحدهما ] : يحتمل { يَعْدِلُونَ } أي : يجعلون من لا يملك ما ذكر عديلا لله . والثاني : { يَعْدِلُونَ } أي : يعدلون على الله ، ويميلون إلى غيره من العدول ، والله أعلم . { أَمَّن جَعَلَ ٱلأَرْضَ قَرَاراً } : يقرون عليها ، ويتعيشون فيها ويبيتون ، { وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً } : ينتفعون بها أنواع المنافع ويشربون ، { وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ } ، أي : الجبال لئلا تميد بهم ، { وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً } : قال بعضهم : جعل بين بحر فارس والروم جزيرة العرب حاجزاً ، وسميت : جزيرة ؛ لما جزر الماء فيها ، أي : ذهب . وقال بعضهم : بحر الشام وبحر العراق . وقال بعضهم : قوله : { وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً } بين العذب والمالح حاجزاً بلطفه ، لا يختلط هذا بهذا ولا هذا بهذا ؛ لطفاً منه ، يذكرهم نعمه عليهم ولطفه : أن كيف أشركتم في عبادته وألوهيته من لا يملك ذلك ، وصرفتم شكرها إلى غير المنعم ؟ ! { أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱلله } أي : لا إله مع الله . { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } : لأن من لا ينتفع بما يعلم فكأنه جاهل ، نفى عنهم العلم لتركهم الانتفاع به ؛ كما نفى عنهم السمع والبصر واللسان والعقل ؛ لتركهم الانتفاع بهذه الجوارح والحواس ، وإن كانت لهم هذه الجوارح ؛ فعلى ذلك جائز نفي العلم عنهم لتركهم الانتفاع به . والثاني : { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } لما لا يتكلفون النظر فيما ذكر ، أو لا يعلمون أن بينهما حاجزا ، والله أعلم . وقوله : { أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوۤءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلأَرْضِ } : يخرج على الصلة بقوله : { ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ } ؛ كأنه يقول : من يملك إجابة المضطر وكشف السوء عنه وجعلكم الخلفاء في الأرض خير ، أمّن لا يملك من ذلك شيئاً ؟ فجواب ذلك أن يقولوا : بل الذي يملك ذلك خير ممن لا يملك ولا يقدر على ذلك . أو يخرج على الوجهين اللذين ذكرتهما : أحدهما : أنكم تعلمون أن الذي يجيب المضطر ويكشف السوء هو الله تعالى ، لا الأصنام التي تعبدونها ، فكيف أشركتموها في الألوهية والعبادة ؟ ! والثاني : أنه إذا أجاب دعوة المضطر وكشف السوء والأحزان ومنع ؛ فدل بقاء ذلك كله واتساق الأمر أنه واحد لا شريك له ؛ فهذا على الثنوية ، والأوّل على المشركين ؛ لإشراكهم غيره في العبادة له وتسيمته الإله . وقوله : { أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱلله } أي : لا إله مع الله { قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } . وعلى ذلك يخرج قوله : { أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } على الوجوه التي ذكرناها ؛ وكذلك قوله : { أَمَّن يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وٱلأَرْضِ } أي : من يقدر على ما تقدم ذكره يملك البعث بعد الموت وإحياءكم ؛ يلزمهم البعث بهذا أي : من يقدر [ على ] هذا يقدر [ على ] ما ذكر . { أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱلله } أي : لا إله مع الله ، بل الله هو المتفرد بذلك دون من يعبدون ويشركون . وقوله : { قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ } أي : من لج في هذا أو أنكر ذلك وادعى الشرك فيه لغيره ، { قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } في مقالتكم . وقوله : { بُشْرَاً } من البشارة و " نُشْراً " بالنون من التفريق والرفع . وقوله : { خُلَفَآءَ ٱلأَرْضِ } : يخلفون من قبلهم من الأمم ؛ قال أبو معاذ : وواحد خلفاء خليف ، وواحد الخلائف خليفة ، والخليف من الخالف كالعليم من العالم . وقوله : { أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱلله } يقول - والله أعلم - يفعل ذلك ، أي يرزقكم ، وينزل لكم من السماء ماء ، وينبت من الأرض ما تأكلون ، ويرعى أنعامكم ، أو مع الله إله يهديكم في ظلمات البر والبحر ، ويرسل لكم الريح بشراً ، أو يجيب المضطر ويكشف السوء عنه ، وكل ما ذكر ، أي : ليس معه إله سواه ، بل الله يفعل ذلك وحده ، فكيف أشركتم غيره في إلهيته وعبادته ، على علم منكم أن الذي تعبدون من دونه لا يملك شيئاً أن يفعل ذلك بكم ؟ ! يذكر سفههم وقلة بصرهم ومعرفتهم . ثم قال : { قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ } أن مع الله إلهاً فعل ذلك بكم { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } . ثم قال : { قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وٱلأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } : كأنه قال - والله أعلم - لرسوله : قل لا يعلم ممن تعبدون من أهل السماوات ومن في الأرض الغيب إلا الله ؛ لأن بعضهم كان يعبد أهل السماوات وهم الملائكة ، وبعضهم كانوا يعبدون من في الأرض ؛ يقول : لا يعلم ممن تعبدون من دون الله من في السماوات والأرض الغيب ، إنما يعلم الغيب الله . ثم قوله : { ٱلْغَيْبَ } يخرج على وجهين : أحدهما : ما يغيب بعضهم من بعض ؛ يقول : ما يغيب بعضهم من بعض فهو يعلم ذلك . والثاني : لا يعلم الغيب إلا الله ، أي : ما كان وما يكون إلى أبد الآبدين لا يعلم ذلك إلا الله وإن أعلموا وعلموا ذلك . ومنهم من صرف الغيب إلى البعث والساعة ، يقول : لا يعلم الساعة أحد متى تكون إلا الله . وقوله : { وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } : قال أهل التأويل : وما يشعر أهل مكة متى يبعثون ، لكن لو كان الجهل عن وقت البعث ، فأهل مكة وغيرهم من أهل السماوات وأهل الأرض في جهلهم بوقت البعث شرعاً سواء ، لا أحد يعلم مِن أهل السماوات والأرض أنه متى يبعث ، إلا أن تكون الآية في منكري البعث ، فحينئذ جائز صرفه إلى بعض دون بعض ، فأما في وقت البعث فالناس في جهلهم بوقت البعث سواء ، وهو ما قال في آية أخرى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا … } الآية [ الأعراف : 187 ] ، أخبر أنه لم يطَّلِعْ أحد على علم ذلك عند الله . وقوله : { بَلِ ٱدَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ } : اختلف في قراءته وتأويله . أما القراءة : فإنه قرأ بعضهم : { ٱدَّارَكَ } بالتشديد والألف . وقرأ بعضهم : { ادَّرَكَ } بإسقاط الألف والتشديد . وقرأ بعضهم : { بلي } بإثبات الياء في { بلى } ، على الوقف عليها ، و { أَأَدّرَكَ } على الاستفهام : { بلى أَأَدَّرَكَ } . ومنهم من قرأ على الاستفهام : { آدْرَكَ } على غير إثبات الياء في حرف { بَل } وعلى غير قطع منه . فمن قرأ : { ٱدَّارَكَ } بالتشديد على غير الاستفهام ، يقول : معناه : تدارك واجتمع ، أي : تدارك علمهم في الآخرة ، يقول : أبلغ علمهم بالآخرة . أي : لم يدرك ولم يبلغ علمهم ، { بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ } ، يسفههم ويجهلهم ، يقول : ما بلغ علمهم بالآخرة . وقال بعضهم : { بَلِ ٱدَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ } ، أي : أم ادَّارك علمهم . وقال بعضهم : { ٱدَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ } ، أي : خاب علمهم عن الآخرة ، وادّرك في الآخرة حين لم ينفعهم . وعن الحسن : قال : { بَلِ ٱدَّارَكَ عِلْمُهُمْ } ، أي : اضمحل علمهم وذهب ، وعن ابن عباس وغيره قالوا : { بَلِ ٱدَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ } ، بل أجمع علمهم بأن الآخرة كائنة ، وهم مشركو العرب . { بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا } قال : يقولون مرة : الآخرة كائنة ثم يشكون فيها فيقولون : ما ندري أكائنة أم لا ؟ { بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ } يعني : جهلة بها . وجائز أن يسمى الشاك في شيء : عَمِيّاً . وأبو عوسجة والقتبي يقولان : { ٱدَّارَكَ عِلْمُهُمْ } أي : تدارك ظنهم في الآخرة ، وتتابع في القول . { بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ } أي : من علمها . وقال بعضهم من أهل الأدب : لا تستقيم قراءة من قرأ بإثبات الياء في { بلى } والصلة بالأول ؛ لأن ( بلى ) بالياء إنما يقال في الإيجاب والإثبات ، وما تقدم من الكلام هو على الإنكار والنفي ، وذلك غير مستقيم في اللغة والكلام .