Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 67-75)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَآؤُنَآ أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ } : كأنهم قالوا ذلك لأحد وجهين : إما استهزاء بما يخبرهم الرسل أنكم تبعثون ، أو قالوا ذلك احتجاجا بما احتجوا به على الرسل بقولهم الذي قالوا : { لَقَدْ وُعِدْنَا هَـٰذَا نَحْنُ وَآبَآؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } ، يحتجون فيقولون : لقد وعد آباؤنا بالبعث كما وعدنا نحن ، ثم لم نرهم بعثوا منذ ماتوا ؛ فعلى ذلك نحن وإن وعدنا فلا نبعث كما لم تبعث آباؤنا . ثم قال : { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ } : يقول - والله أعلم - : لو سرتم في الأرض فنظرتم إلى ما حل بمكذبي الرسل من العذاب ، والرسل إنما كانوا يدعون إلى توحيد الله ، والإقرار بالبعث بعد الموت ، فكل ذلك ينزل بكم ما نزل بأولئك بتكذيبهم الرسل بالبعث وغيره ؛ فيكون قوله : { سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } ليس على حقيقة الأمر بالسير ، ولكن على ما ذكرنا ، أي : لو سرتم لعرفتم ما حل بهم بتكذيبهم ، أو أن يكون الأمر بالسير في الأرض أمرا بالتفكر فيما نزل بأولئك ، الأمر بالنظر في عاقبة أمرهم أمر بالاعتبار فيهم ، وفي أمر أولئك أمر بهذا ؛ ليزجرهم ذلك عن مثل صنيعهم وفعلهم . وقوله : { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } : قال قائلون : قوله : { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } بما يحل بهم من العذاب ، إن لم يحزنوا هم على أنفسهم ولم يرحموها . وقال بعضهم : قوله : { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } إن لم يسلموا ؛ كقوله : { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } [ الكهف : 6 ] ؛ وكقوله : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 3 ] ، وقوله : { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } [ فاطر : 8 ] ، وأمثال ذلك ، كادت نفسه تهلك وتتلف ؛ إشفاقاً عليهم بما ينزل بهم بتركهم الإسلام ، فقال : { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } ، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات ، ليس على النهي ، ولكن على تسكين نفسه وتقريرها على ما هي عليه ؛ لئلا تتلف وتهلك ، وهو ما قال : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } [ القصص : 56 ] . وقوله : { وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } : هذا يحتمل وجهين : أحدهما : لا تكن في ضيق مما يستهزئون بك ، ويسخرون بما توعدهم من العذاب والهلاك ؛ ألا ترى أنهم قالوا على أثر ذلك : { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } ، قالوا ذلك له استهزاء بما يوعدهم ؛ فكأنه قال لرسوله : لا تكن في ضيق مما يستهزئون بما توعدهم ؛ فإن الله يجزيهم جزاء استهزائهم بك . والثاني : { وَلاَ تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } أي : مما يريدون ويهمون قتلك ؛ فإن الله يحفظك ويحوطك ؛ فلا يصلون إليك بما يريدون من قتلك وإهلاكك ، وهو ما قال : { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } [ المائدة : 67 ] . وفيه دلالة إثبات رسالته ؛ حيث أمنه وأخبره أنه يحفظه ويعصمه من جميع الأعداء وهو بين أظهرهم ، فذلك آية من آيات النبوة والرسالة ، والله أعلم . وقوله : { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } : قد ذكرنا أنهم إنما يقولون ذلك استهزاء وتكذيباً بما كان يوعدهم من العذاب بتكذيبهم إياه ، ثم كان يوعدهم مرة بعذاب ينزل بهم في الدنيا كما نزل بأوائلهم بتكذيبهم الرسل ، ومرة يوعدهم بعذاب ينزل بهم في الآخرة ، فيكذبونه في ذلك كله ويستهزئون به ويقولون : { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } ؛ وكذلك قال أوائلهم لرسلهم : { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [ الأعراف : 70 ] . ثم قال : { قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ ٱلَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ } : هذا يحتمل وجهين : أحدهما : قوله : { رَدِفَ لَكُم } بعد هذه الحال ، وبعد هذا القول الذي قالوا : { بَعْضُ ٱلَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ } ، أي : ينزل بكم بعد هذه الحال بعض الذي تستعجلون وهو العذاب ، وقوله : { رَدِفَ لَكُم } أي : يدنو منكم ويقرب . والثاني : { عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم } بعد الحزن والمكروه الذي يحل بكم بالموت { بَعْضُ ٱلَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ } وهو عذاب القبر ؛ لأنهم وقت الموت يحزنون ويكرهون لما شاهدوا وعاينوا من حالهم ؛ ولذلك يسألون ربهم الرجوع والردّ إلى المحنة ثانياً ؛ نحو قولهم : { رَبِّ ٱرْجِعُونِ } [ المؤمنون : 99 ] ، وقولهم : { أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ } [ الأعراف : 53 ] ونحوه . وقوله : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ } : يحتمل قوله : { لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ } وجوهاً : أحدها : ذو فضل في تأخير العذاب عنهم ، ولكن أكثرهم لا يشكرون ذلك الفضل ولكن يستعجلون . والثاني : ذو فضل على الناس في دينهم في بعثه وإرساله إليهم من يزجرهم ويصرفهم عما يستوجبون من عذاب الله ومقته وهو الرسول ، لكنهم لا يعرفون هذا الفضل ولا يشكرونه ، بل يعاندونه ويكابرونه . أو لذو فضل على الناس فيما أنعم عليهم في أموالهم وأنفسهم ، لكنهم لا يشكرون في ذلك ، بل يصرفون شكره إلى غير المنعم ، والله أعلم . وقوله : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ } . قوله : { تُكِنُّ صُدُورُهُمْ } يحتمل وجهين : أحدهما : ما تكنون أنتم في صدوركم وتسترون فيها { وَمَا يُعْلِنُونَ } ، أي : ما يبدون ويظهرون فيها ، يعلم ذلك كله . أو { مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ } ، أي : ما تخفي أنفس الصدور وتستر فيها { وَمَا يُعْلِنُونَ } : وما تحمل الصدور أصحابها على إبداء ما فيها وإظهاره ، وهو ما ذكر في الخبر حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن في الإنسان مضغة إذا صلحت صلح جميع بدنه وهو القلب " ، والله أعلم . وقوله : { وَمَا مِنْ غَآئِبَةٍ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } هذا يخرج على وجهين - أيضاً - : أحدهما : ما من غائبة في السماء والأرض مما كان ويكون أبد الآبدين إلا كان ذلك مبينا في كتاب مبين ، يخبر أنه كان لم يزل عالماً بما كان منهم أبد الآبدين ، وأنه عن علم بأفعالهم وصنيعهم خلقهم وأنشأهم ، لا عن جهل وغفلة . والثاني : { وَمَا مِنْ غَآئِبَةٍ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } أي : ما من غائبة عن الخلق ما يغيب بعضهم من بعض ويستر بعضهم بعضا ، { إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } : إلا كان ذلك عند الله محققاً ظاهراً مرقوبا ، ينبههم ؛ ليكونوا على حذر ؛ يقول : إن ما يغيب بعضهم من بعض فهو عند الله محفوظ رقيب لا يغيب عنه شيء ؛ كقوله : { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ ق : 18 ] ، والله الموفق . قال بعضهم : في قوله : { عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم } أي : أعجل لكم .