Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 76-82)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } قوله : { أَكْثَرَ ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } مقطوع من قوله : { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } ؛ كأنه قال : { يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } أي : يبين لهم ، ثم قال على الاستئناف : { أَكْثَرَ ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } . وقال بعضهم : لا ، ولكن هو موصول بعضه ببعض ؛ { إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَقُصُّ } أي : يبين على بني إسرائيل أكثر ما اختلفوا فيه . فإن كان على ما يقول هذا ، فهم بأنفسهم يبينون الاختلاف الذي هم فيه لا يحتاج إلى أن يبين القرآن الذي هم فيه يختلفون ؛ إذ هم يبينون ما اختلفوا فيه . ولكن تأويله - والله أعلم - إن هذا القرآن يبين لهم الحكم في أكثر ما يختلفون ، أو يبين لهم الحق في أكثر ما يختلفون فيه . وفي ظاهر الآية أنه يبين لهم أكثر الذي هم فيه يختلفون : أنه قد بقي شيء مما اختلفوا فيه لم يبين لهم ؛ حيث قال : { أَكْثَرَ ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } ، لكن قوله : { أَكْثَرَ ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } أي : يبين لهم ما فيه نص القرآن ، ولم يبين لهم ما فيه دليل القرآن ، أو يبين لهم ما فيه نص القرآن ولم يبين ما فيه سنة القرآن ونحوه ، والله أعلم . وقوله : { وَإِنَّهُ } أي : القرآن الذي ذكر ، { لَهُدًى وَرَحْمَةٌ } أي : هدى ورحمة ، أي : هدى من الضلالة لمن اتبعه في الدنيا وعمل به ، ورحمة في دفع العذاب عنهم في الآخرة ، فيكون هو هدى ورحمة لمن آمن به . وقوله : { إِن رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ } : حكمه : هو عدله ؛ كأنه يقول : إن ربك يقضي بينهم بعدله ، لا يجور ولا يظلم في الحكم والقضاء . { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } : الذي لا يعجزه شيء ، { ٱلْعَلِيمُ } : الذي لا يخفى عليه شيء ؛ عزيز بذاته عالم بذاته . وقوله : { فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } أي : توكل على الله واعتمد عليه ، ولا تخف مكرهم وما يريدون ويقصدون أن يكيدوا بك ؛ كقوله : { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } [ المائدة : 67 ] وقوله : { إِنَّكَ عَلَى ٱلْحَقِّ ٱلْمُبِينِ } ؛ لأن معك حججا وبراهين ، وليس مع أولئك حجج وبراهين ، وإن كان كل منهم يقول : إنا على الحق ، فأنت على الحق المبين لا هم ؛ لأن معك حججا وبراهين ؛ فالذي أنت عليه حق ، وإن الذي هم عليه باطل ليس بحق . وقوله : { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ } : قال بعض أهل التأويل : " بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى يوم بدر : " يا فلان ويا فلان - وهم قتلى بعدما أمر أن يجمعوا في قليب - هل وجدتم ما وعد ربكم حقا ؟ ! ألم تكذبوا نبيكم وتكفروا بربكم وتقطعوا أرحامكم " ؟ ! فأنزل الله هذه الآية : { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ } . لكن عندنا أن الله تعالى سمى الكافر : ميتاً في غير آي من القرآن ؛ لما لم يجهدوا أنفسهم في عبادة الله ولا استعملوها في طاعته ، فهم كالموتى ، وسماهم : صما ؛ لما لم يسمعوا الحق ولم يقبلوه ، وسماهم : بكما ؛ لما لم ينطقوا بالحق ولا تكلموا به ، وسماهم : عميا ؛ لما لم يبصروا الحق ، وسماهم : موتى ؛ لما لم يستعملوا أيديهم في الحق ؛ فنفى عنهم هذه الحواس لما لم ينتفعوا بهذه الحواس ، ولا استعملوها فيما أنشئت وخلقت وإن كانت لهم هذه الحواس ؛ فعلى ذلك سماهم : موتى وهلكى ، وفي موضع آخر شبههم بالأنعام وأخبر أنهم أضل ؛ لما لم يستعملوا أنفسهم فيما أنشئت هي له ، ولم ينتفعوا بها . فإن قيل : ما معنى قوله : { وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ } : أخبر أنه لا يقدر على أن يسمع الصم إذا ولوا مدبرين ، ولا يقدر أن يسمع الصم وإن أتوا مقبلين ولو يولوا ؟ قيل : معناه - والله أعلم - أنهم صاروا صما لا ينتفعون بما سمعوا لإعراضهم وترك إمكان النظر فيه ، ولو أقبلوا إليه لانتفعوا به ، فيصير مسمعا لهم ؛ يخبر عن شدة تعنتهم ومكابرتهم أنهم كالصم المدبرين ، لا يمكن إسماعهم بحال ولا تفهيمهم وإن جهد ، وأما الصم المقبلون فإنهم قد يمكن إسماعهم وتفهيمهم بجهد بالإشارة والإيماء ، والله أعلم بذلك . وقوله : { وَمَآ أَنتَ بِهَادِي ٱلْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ } ، وفي بعض القراءات : { وما أنت تهدي العمي عن ضلالتهم } ، هذا يدل أن ليس كل الهدى البيان على ما قالت المعتزلة ؛ لأنه لو كان الهدى كله بياناً في جميع المواضع على ما قالوا هم ، لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدر أن يبين للكفار عن ضلالتهم ، وقد بين لهم ، ثم أخبر رسوله : { وَمَآ أَنتَ بِهَادِي ٱلْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ } ، فدل هذا أن عند الله هداية ولطفاً إذا سألوه وطلبوا منه ذلك وأعطاهم لاهتدوا به وآمنوا ، فهذا ينقض على المعتزلة قولهم . وقوله : { إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ } أي : ما تسمع إلا أهل الإيمان بالآيات وأهل الإسلام منهم ، فأما أهل العناد والمكابرة فلا . وقوله : { وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ ٱلأَرْضِ } : قال بعضهم : قوله : { وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم } أي : إذا وقعت الحجة عليهم ولزمت فكذبوها أخرجنا لهم دابة . وقال بعضهم : وإذا وقعت السخطة والغضب عليهم أخرجنا لهم دابة . وقال قائلون : { وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم } ، أي : إذا بلغوا في الكفر حدّاً يعلم الله أنهم لا يؤمنون أبداً بعد ذلك { أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً } ، لكن قد ذكرنا في غير موضع : أن هذا لا يصح ولا يجوز ؛ إذ الله - عز وجل - لم يزل عالماً بما كان ويكون منهم أبد الآبدين ، فليس علمه بأحوالهم بما يكون منهم إذا بلغوا ذلك الحدّ ، بل لم يزل عالماً بما يكون منهم ، وهذا الحرف الذي يقول القائل يومئ إلى أنه إنما يعلم ذلك منهم إذا بلغوا ذلك الحدّ وقبل ذلك لا ، فهو قبيح . وقول من قال : إذا وقعت الحجة عليهم ؛ فهو لا يحتمل أيضاً ؛ لأن الحجة قد كانت قامت قبل ذلك الوقت ، وليست تقوم الحجة عليهم في ذلك الوقت . فيكون التأويل أحد وجهين : أحدهما : ما ذكرنا من وقوع العذاب ، ووجوب العقوبة والسخطة عليهم ؛ كقوله : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } [ الأحقاف : 18 ] أي : العذاب وجب عليهم . والثاني : أي : إذا أتى وقت خروج الدابة التي وعدنا لهم أنها تخرج ، أخرجناها لهم في ذلك الوقت ، أي : لا يتقدم خروجها عن الوقت الموعود ولا يتأخر ؛ كقوله : { فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } [ الأعراف : 34 ] ، وهكذا كل شيء جعل الله لظهور ذلك وكونه وقتاً لا يتقدم ولا يتأخر ذلك الوقت ؛ هذا - والله أعلم - يشبه أن يكون تأويل الآية . وقوله : { تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ } : قراءة العامة بالتشديد : { تُكَلِّمُهُمْ } من التكليم والتحديث ؛ وكذلك في بعض الحروف : { تحدثهم وتنبئهم } ، وقد قرئ : { تُكَلِّمُهُمْ } بالتخفيف وهو من الجراحة ، وهو ما ذكر في الأخبار والقصص أن الدابة إذا خرجت تجرح الكافر ، وتسمه بسمة وعلامة ، حتى يعرف الكافر من المؤمن فيقال : يا مؤمن ويا كافر . وسئل ابن عباس عن ذلك ؟ فقال : " تكلم المؤمن وتحدثه ، وتجرح الكافر " ، والله أعلم . ثم اختلف في قوله : { أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ } ؛ اختلف في تلاوته ، وتأويله : { أَنَّ ٱلنَّاسَ } بنصب الألف ، و { أَنَّ ٱلنَّاسَ } بكسرها ، فمن قرأ بالنصب : { أَنَّ ٱلنَّاسَ } جعل ذلك القول من الدابة ، ثم يخرج على وجهين : أحدهما : تقول الدابة : إن الناس كانوا بي وبخروجي لما وعدوا لا يوقنون أني أخرج ، فهأنذا خرجت . والثاني : أنها تخبر عن الله وتنبئ أن الناس كانوا بالدابة وبغيرها من الآيات لا يوقنون . ومن قرأ بالخفض { إِنَّ } يجعل ذلك القول من الله ابتداءَ إخبارٍ : أنهم كانوا لا يزالون لا يوقنون . وفي خروج الدابة أعظم آيات في إثبات رسالة رسول الله ونبوته ؛ لأنه أخبر أنها تخرج في وقت كذا ؛ فتخرج على ما أخبر في ذلك الوقت على الوصف الذي وصف ؛ فتدلهم على صدقه .