Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 83-90)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا } : يجمع القادة منهم والأتباع والمتبوعون ، فيساقون إلى النار جميعاً ؛ كقوله : { ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ … } الآية [ الصافات : 22 ] ، وكقوله : { وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ … } الآية [ الزمر : 71 ] ؛ وكقوله : { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } [ الصافات : 19 ] . قال أهل التأويل : { يُوزَعُونَ } أي يحبس أولهم على آخرهم حتى يجتمعوا ، وقد ذكرنا الوزع فيما تقدم وما قيل فيه . وقوله : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءُو } أي : حتى إذا جاءوا جميعاً واجتمعوا - يعني : الكفار - قال لهم : { أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً } ، يحتمل { وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً } أي : قد أحطتم بها علما أنها آيات ، لكن كذبتم وأنكرتم أنها آيات عنادا ومكابرة ؛ إذ يجوز أن يتكلم بالنفي على إثبات ضده ؛ كقوله : { أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } [ يونس : 18 ] أي : يعلم بضد ذلك وبخلاف ما تقولون أنتم ، وذلك جائز في القرآن كثير . أو أن يكون قوله : { وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً } لما لم تتفكروا فيها ، ولم تنظروا إليها نظر التعظيم والإجلال لكي تعرفوا ، وأحطتم بها علما أنها آيات . وإلا لو كان التأويل على ظاهر ما ذكر لكان لهم عذر في تكذيبها إذا لم يحيطوا بها علما ؛ إذ من لم يحط العلم بالشيء فله عذر الرد وترك القبول ، لكن يخرج على الوجهين اللذين ذكرتهما ، والله أعلم . ثم قال : { أَمَّا ذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } : في تكذيب الآيات والأعمال التي عملوها بلا حجة ، ولا برهان . { وَوَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيهِم } : أي : وجب القول بالعذاب ، ووقع ما وعدوا من العذاب بما ظلموا حيث قال : { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [ السجدة : 13 ] ونحوه . وقوله : { فَهُمْ لاَ يَنطِقُونَ } أي : لا ينطقون بالحجة مما يكون لهم به عذر . وقوله : { أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا ٱلْلَّيْلَ لِيَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ } : أي في الليل والنهار لآيات لقوم يؤمنون . ثم الآيات التي ذكر فيهما تكون من وجوه : أحدها : دلالة وحدانيته ودلالة علمه ، وتدبيره وحكمته ، ودلالة كرمه وجوده ، ودلالة قدرته وسلطانه ، ودلالة القدرة على البعث والإحياء بعدما صاروا رمادا وتراباً . أما دلالة كرمه وجوده : ما جعل لهم في الليل والنهار منافع تدوم ما داموا هم . ثم تلك المنافع تكون من وجهين : أحدهما : جعل النهار للتقلب فيه والتصرف لمعاشهم وما به قوام دنياهم ، وجعل الليل راحة لهم وسكونا ، ولو جعلهما جميعا للتقلب ما قام به معاشهم وما به قوام أنفسهم وأبدانهم أبداً ؛ لأنه لا يلتئم ذلك إلا بالراحة ، ولو جعلهما جميعاً للراحة لم يقم أمر معاشهم ، فمن رحمته وفضله جعل أحدهما للراحة والآخر للتقلب ، وهو ما ذكر في آية أخرى : { وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } [ القصص : 73 ] . والثاني : من النعمة التي ذكر أنه جعل الذي للتقلب إنما جعل ذلك للكل ، لا للبعض دون البعض ؛ وكذلك الذي هو مجعول للراحة ، والقرآن إنما جعله كذلك للكل لا لقوم دون قوم ، ولو جعل كذلك لكان لا يقوم أمر معاشهم ، ولا ما به يقوم أبدانهم وأنفسهم ، ولكن من رحمته وفضله جعل المجعول وقتاً للراحة للكل لا لبعض دون بعض ؛ وكذلك المجعول للتقلب ؛ ليظفر المشترون بالباعة والباعة بالمشترين ؛ ليلتئم أمر معاشهم ودنياهم . وأما دلالة وحدانيته : ما جعل منافع أحدهما متصلة بالآخر ؛ إذ لا يقوم أحدهما إلا بالآخر على اختلاف جوهرهما ؛ ليعلم أن مدبرهما ومنشئهما واحد ؛ إذ لو كان عددا لكان ما أراد هذه إيصاله منع الآخر ، فإن لم يكن ولكن جريا على سنن واحد واتساق واحد ؛ دل أنه تدبير واحد لا عدد . ودلالة علمه وحكمته : أنهما منذ كانا ، كانا على ميزان واحد ، وعلى تقدير واحد من غير تغير ولا تبدل يقع فيهما ؛ دل أن لمنشئهما علما ذاتيّاً وحكمة ذاتية ، لا علما مكتسباً مستفاداً كعلم الخلق . وأما دلالة القدرة والسلطان : لأنهما يقهران الخلق كله من الجبابرة والفراعنة شاءوا أو أبوا ، حتى إذا أراد واحد منهم أن يمنع أحدهما أو ينقص من الآخر لم يقدر عليه . أو إن اجتمعوا جميعاً على دفعهما أو دفع أحدهما دون الآخر لم يقدروا عليه ؛ دل أن لمنشئهما قدرة وسلطانا ؛ إذ من قدر على إنشاء هذا لا يعجزه شيء . ودلالة القدرة على البعث : لأنه يتلف أحدهما ويذهب به حتى لا يبقى أثره ، ثم يأتي بالآخر على تقدير الأول ، فمن قدر على إنشاء هذا بعد ذهاب الآخر بكليته وذهاب أثره لقادر على إنشاء الخلق بعد فنائهم وهلاكهم ، وأنه لا يعجزه شيء . ثم لما جعل هذا ما ذكرنا وخلق ما خلق من المنافع التي ذكرنا لهذا العالم خلق هذا العالم للمحنة يأمرهم وينهاهم ، وجعل لهم عاقبة فيها يثاب من أطاعه ويعاقب من عصاه ؛ إذ لو لم تكن عاقبة لكان خلقهم عبثاً لا حكمة فيه ؛ لأن من بنى بناء للفناء والنقض خاصة لا لعاقبة يتأمل نفعه كان بناؤه عبثاً غير حكمة ؛ فعلى ذلك خلق الخلق لا لعاقبة تقصد عبث ليس بحكمة . والآيات لمن آمن بها وصدق ، فأما من لم يؤمن وكذب بها فهي آيات عليهم لا لهم . وقوله : { وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ } : اختلف في النفخ ما هو ؟ وفي عدده ؟ واختلف في الصور أيضاً ما هو ؟ وكيف هو ؟ ! أما الاختلاف في النفخ : فمنهم من يقول : ليس على حقيقة النفخ ، ولكن إخبار عن خفة قيام القيامة على الله ؛ أخبر بالنفخ عنها ؛ لأنه أخف شيء على الخلق وأهونه ، فأخبر به عنها ، وهو ما قال : { وَمَآ أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ } [ النحل : 77 ] شبه أمرها بلمح البصر لما ليس شيء أخف على المرء من لمح البصر ؛ فعلى ذلك النفخ عند قيامها لخفته على الخلق . ومنهم من يقول : ذكر النفخ لسرعة نفاذ الساعة ؛ إذ ليس شيء أسرع نفاذا من النفخ ، وهو ما قال : إلا صيحة ، وإلا رجفة ، ذكر ذلك وشبهها بالصيحة والرجفة لسرعة نفاذها ، إذ ليس شيء أسرع نفاذا من الصيحة والرجفة ، فيقول : ليس على حقيقة النفخ ، ولكن إخبار عن خفتها على الله أو سرعة نفاذها على ما ذكرنا ، وهو ما قال : { فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا } [ التحريم : 12 ] ، ليس أنه ينفخ فيه نفخاً ، ولكن يجعل كأنه قال : وجعلنا فيه من روحنا . ومنهم من يقول : هو على حقيقة النفخ ؛ فإن كان على هذا فهو أن يمتحن الملك من غير أن يقع له الحاجة إلى ذلك ؛ نحو ما امتحن الكرام الكاتبين بكتابة أعمال الخلق وأفعالهم من غير وقوع الحاجة إليه ، لكن امتحاناً منه ملائكته بذلك ، أو أن يكونوا أحذر ؛ إذ هو عالم بما كان وبما يكون كيف يكون ؟ ومتى يكون وأي شيء يكون ؟ وأما اختلافهم في عدد النفخ : قال قائل : إنه واحد يحتج بقوله : { إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً } [ يس : 29 ] . ومنهم من يقول بالنفختين ؛ يحتج بقوله : { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ } [ النازعات : 6 - 7 ] ، أخبر أنه يردف الأولى غيرها ، ويحتج بقوله أيضاً : { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ } [ الزمر : 68 ] . ومنهم من يقول بالنفخات الثلاث يقول : الأولى للفزع ، والثانية للصعق على ما ذكرنا في الآية ، والثالثة للإحياء . ومنهم من يقول بالثلاث إلا أنه يجعل ذلك كله بعد الموت : أحدها للفزع في القبور ، والثانية للإحياء فيها ، والثالثة للإخراج منها والنشر ، ويقول هذا القائل بعذاب أهل القبر من النفخة الثانية إلى النفخة الثالثة ؛ وعلى ذلك رويت أخبار في ذلك ، فإن ثبتت فهو ذاك وإلا نقف فيه . وأمّا اختلافهم في الصور : قال قائلون : ينفخ في الخلق ، والصور جمع صورة ؛ قال : الزجاج : لا يحتمل هذا ؛ لأن الصور على سكون الواو ليس هو من أفراد الصور ولا من جمعها ؛ لأن الفرد هو صورة بالهاء وجمع الصورة صور - بتحريك الواو - على ما ذكر في الآية : { فَأَحْسَنَ صُوَرَكُـمْ } [ غافر : 64 ] . ومنهم من يقول : هو قرن ينفخ فيه كقرن كذا ، أو بوق كبوق كذا . لكنا لا نفسر شيئاً مما ذكر من النفخ والصور أنه كذا ، ولا نشير إلى شيء أنه ذا ، إلا إن ثبت شيء من التفسير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقال به وليس هو بشيء يوجب العمل به فيتكلف صحته أو سقمه ، إنما هو شيء يجب التصديق به ، فنقول بالنفخ والصور على ما جاء ولا نفسر ، والله أعلم . وقوله : { فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ } ، وقال في آية أخرى : { فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ } [ الزمر : 68 ] إنما هو إخبار عن شدة هول ذلك اليوم ؛ كقوله : { وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ … } الآية [ الحج : 2 ] ؛ وكقوله - تعالى - : { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ } [ الحج : 2 ] ونحوه . وقوله : { إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ } : هم الشهداء في الأرض ؛ وعلى ذلك روي في بعض الحديث أنه قال : " ما أعطي آدمي بعد النبوة أفضل من الشهادة ، لا يسمع الشهيد الفزع يوم القيامة إلا كرجل قال لصاحبه : أتسمع ، قال : أسمع كتأذين الصلاة " . وقال بعضهم : هم جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت . وقال بعضهم : هم الأنبياء والرسل . لكن لا نقول نحن : إن أهل الثنيا هم كذا ولا نشير إلى أحد ؛ لأنا لا نعلم ذلك إلا إن ثبت في ذلك خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقول به . وجائز أن يكون الذين استثناهم عن الذين أخبر عنهم في آخر الآية أنهم يكونون آمنين من فزع ذلك اليوم وهوله ، وهو ما قال : { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ } . وقوله : { وَكُلٌّ أَتَوْهُ } : قرئ بالمد { أَتَوْهُ } وتطويله مضموم التاء فيه على مثال ( فاعلوه ) ، وهو جمع ( آت ) ؛ كقوله : { إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً } [ مريم : 93 ] ، و { أَتَوْهُ } جمع ( أتى ) وهو من سيأتون . وقرأ بعضهم بقصر الألف ونصب التاء على الإتيان : قد أتوه . وقوله : { دَاخِرِينَ } قيل : صاغرين ذليلين ، دخر ، أي : ذل . وقوله : { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } : قال بعضهم : وهي تمر مر كذا ؛ لكثرتها وازدحامها يرنو الناظر إليها ويحسبها كأنها جامدة ؛ وكذلك العسكر العظيم يحسب الناظر إليه كأنه ساكن جامد ؛ لكثرتهم وازدحامهم ؛ فعلى ذلك الجبال . وقال بعضهم : لا ، ولكن لشدة ذلك اليوم وهوله وفزعه على الناس يحسبون كأنها جامدة ، { وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ } وهو ما ذكر : { وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ … } الآية [ الحج : 2 ] ؛ لشدة ذلك اليوم وفزعه . وقال بعضهم : لا ، ولكن الجبال لهول ذلك اليوم وفزعه تمرّ مر السحاب وسيره ؛ كقوله : { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } [ القارعة : 5 ] ، وأصله : إنما يذكر هذا وما تقدم من هول ذلك اليوم وشدته على الخلق ؛ ليتعظوا وينزجروا . وقوله : { صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } : قال بعضهم : { أَتْقَنَ } : أحكم وأبرم . وقال بعضهم : { أَتْقَنَ } : أي : أحسن كل شيء . قال بعض المعتزلة : كيف يكون الكفر حسنا وهو قبيح ؛ لأنه شتم رب العالمين ، ولا يجوز أن يقال : الله خلق شتم نفسه وأحسن شتم نفسه ، أو أحسن كفر الكافر وغير ذلك من الخرافات ؟ ! فيقال لهم : لا يقول أحد : إنه خلق الكفر وأحسنه أو أحسن شتم نفسه على هذا الإطلاق ، من قال ذلك فهو كافر ، ولكن يقول : فعل الكفر من الكافر قبيحاً ، وخلق فعل المعصية من العاصي قبيحاً ، لكنه من حيث خلقه ذلك وجعله حجة عليه حسناً متقناً محكماً ، وإن كان ذلك الفعل منه قبيحاً باطلا سفها جورا - أعني : من الكافر - ألا ترى أن من تكلف أن يعرف فعل الكفر منه سفهاً وجوراً كان غير مذموم ؛ لأنه يتكلف أن يعرف ما هو سفه في الحقيقة سفها ، ويعرف ما هو حق حقا فهو من هذا الوجه عارف بحق وحكمة ؛ لأن الحكمة توجب أن يعرف كل شيء على ما هو في نفسه حقيقة ؛ فعلى ذلك خلق فعل الكفر من الكافر على الوجه الذي ذكرنا هو حسن متقن محكم ، وإن كان من حيث فعل الكافر قبيحاً سفهاً باطلا ، وهذا كما نصفه على الإطلاق : أنه رب كل شيء وخالق كل شيء ، ولا نقول : يا خالق الأنجاس ويا رب الأقذار ونحوه ، إن كان هذا داخلا في الجملة أنه خالقها وربها ؛ لأنه على الإطلاق يخرج مخرج المدح له والثناء وعلى التخصيص مخرج الذم له ؛ فعلى ذلك الأول . وقوله : { صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } : على أثر وصف الجبال بما وصف من انتقاضها وإفسادها ، وإخراجها عن الصفة التي أنشأها إلى ما ذكر لم يخرج من الإتقان والإحكام والإبرام ؛ ليعلم أن ليس في إفساد الشيء خروج عن الإتقان إذا كان ذلك لحكمة ، والله أعلم . وقوله : { إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } : وعيد لهم . وقوله : { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ } : قالوا جميعاً : الحسنة هاهنا : التوحيد والإيمان . وقوله : { فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا } : قيل فيه بوجوه : أحدها : من جاء بالتوحيد : توحيد ربه [ يوم ] البعث فله خير منها ، ومجيئه ربه بالتوحيد إذا ختم به فله ما ذكر ، شرط المجيء به ، ولم يقل : من عمل بالحسنة فله كذا ؛ لأن الرجل قد يعمل بالحسنات ثم يفسدها ويبطلها ؛ فلا يثاب عليها ؛ ليعلم أن ما ينتفع بالحسنات في الآخرة الحسنة التي ختم عليها وجاء بها ربه . وقال بعضهم : قوله : { فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا } أي : ما يعطى في الآخرة له من الثواب ، والثواب والجزاء إنما يكون من الحسنة التي كانت منه في الدنيا منها يكون له جميع الخيرات في الآخرة . وقال بعضهم : { فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا } أي : الذي أعطي له في الآخرة من الخيرات خير مما ترك في الدنيا من النعم وصبر عليها ، فذلك خير مما ترك ، كقوله : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ } [ هود : 11 ] كذا . وقال بعضهم : { فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا } أي : رؤية الرب ولقاؤه خير مما أعطي غيرها من الخيرات ، على ما يكون في الدنيا رؤية الملك ولقاؤه على الرعية أعظم وأفضل عندهم من غيره من الكرامات وإن عظمت وجلت . وقال بعضهم : ذلك الثواب والجزاء في الآخرة خير مما عملوا به من الخيرات في الدنيا ؛ لأن الثواب وجوبه الفضل والرحمة لا الاستيجاب والاستحقاق ؛ إذ في الحكمة والعقل وجوب العمل ، وليس فيهما وجوب الثواب ، فما هو سبيله فضل الله خير مما هو غيره . لكنه عورض بأن ما كان سبيل وجوبه الحكمة والعقل خير مما كان سبيل وجوبه الإفضال ؛ إذ ما كان سبيل وجوبه الحكمة والعقل لا يسع تركه ، وما كان [ سبيل ] وجوبه الإفضال له تركه ، لكنه قال : إن قوله : { فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا } ، أي : في طباعكم ووهمكم ذلك الثواب خير من ذلك ، لا أنه في الحقيقة خير ؛ وهو كقوله : { وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] أي : في طباعكم ، وعندكم أن إعادة الشيء أهون من ابتدائه ؛ إذ ليس شيء أهون على الله من شيء ، ولكن عندكم أن إعادة الشيء أهون من ابتدائه ؛ فعلى ذلك الأول ، والله أعلم . وقوله : { وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ } أخبر أنهم إذا أتوا ربهم بالتوحيد يكونون آمنين من فزع ذلك اليوم وهوله . وقوله : { وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ } أي : بالشرك ، { فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ } : المنكب على الوجه : هو الملقى على الوجه ، كقوله : { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ } [ الأحزاب : 66 ] . وقوله : { هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي : ما تجزون إلا بأعمالكم .