Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 22-28)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ } : قال بعضهم : أخذ طريقاً إذا سلك ذلك الطريق وأخذ فيه خرج تلقاء مدين ، أو وقع تلقاء المكان المقصود إليه . وقوله : { قَالَ عَسَىٰ رَبِّيۤ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } أي : الطريق الذي كان يقصده ويطلبه وهو طريق مدين ، وذكر أنه كان ضل الطريق . وقوله : { وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ } أي : ورد البئر التي كان ماء مدين من تلك البئر . { وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ } أمة أي : جماعة . وقيل : أناس من الناس يسقون أغنامهم ومواشيهم . { وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ } : قال : بعضهم : { تَذُودَانِ } : تحبسان حتى يفرغ الناس ويصدرون ويخلو لهما البئر . وقال بعضهم : { تَذُودَانِ } أي : تطردان أغنامهما لتسقياها . ثم قوله : { وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ } يحتمل وجهين : أحدهما : تذودان غنمهما ولا تسقيانها حتى يصدر الرعاء ؛ لما لا تتركان تسقيان غنمهما مع غنم أولئك الرعاء حتى يصدروا هم . والثاني : لا تمنعان ذلك ، ولكنهما تستحيان أن تزاحما الرجال وتختلطا بهم ، فتنتظران فراغهم صدور الرعاء عنها . فإن قيل : فما بالهما لا تتخلفان وقت اجتماع القوم ، وتشهدان في ذلك الوقت ، ولا تنتظران خلاء البئر عنهم ؟ ! قيل : لما ذكر أن على رأس البئر حجرا يلقى عليه لا يطيقه إلا كذا كذا نفرا ؛ وكذلك الدلو التي يستقى منها لا يطيقها إلا كذا كذا من عشرة إلى أربعين على ما ذكر ، فهما تشهدان ذلك البئر وقت شهود القوم وحضورهم ؛ ليتولوا هم نزح الدلو واستقاءها ، ولو تخلفتا وانتظرتا خلاء البئر عنهم ثم تأتيان ، لم تقدرا على نزح الماء والدلو ، ورفع الحجر الذي ذكر أنه كان على رأس البئر ، لذلك كان ما ذكر ، والله أعلم . وقوله : { مَا خَطْبُكُمَا } أي : ما شأنكما وما أمركما ؟ { قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ } ؛ لما ذكرنا . وقرئ : { يُصْدِرَ } بنصب الياء وبالرفع جميعاً . فمن قرأه بالنصب فإنه يقول : حتى يصدر الرعاء بأنفسهم أي : يرجع . ومن قرأه بالرفع ، أي : حتى يصرفوا ويرجعوا أغنامهم ، والله أعلم . وقوله : { وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } : تذكران - والله أعلم - عذر أبيهما في التخلف عن سقي الغنم ، وإرساله إياهما في ذلك دون تولي ذلك بنفسه ، وقالا : ذلك لكبره وضعفه ما يتخلف عن ذلك ويرسلهما ، وإلا لا معنى لذكر كبر أبيهما بلا سبب يحملهما على ذلك سوى ما ذكرنا . وجائز أن يكون لمعنى آخر لا نعلمه . وقوله : { فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ } : دل أن البئر التي كانت تسقى الماشية منها كانت في الشمس ؛ حيث أخبر أنه أسقى لهما ثم تولى إلى الظل . وفيه أن لا بأس بأن يجلس في الظل . وقوله : { فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } قيل : إن هذا منه شكاية عما أصابه من الجوع ؛ لأنه ذكر أنه خرج من المصر إلى مدين هارباً من فرعون وقومه ، غير متزود ، وهو مسيرة ثماني ليال . وفيه دلالة أن لا بأس للرجل أن يخبر ويذكر عما هو فيه من الشدة والبلاء ، حيث ذكر موسى حاله التي هو فيها من الجوع الذي أصابه ؛ وكذلك ما قال في آية أخرى : { لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً } [ الكهف : 62 ] ، وذلك يرد قول من يقول : إن مثل هذا يخرج مخرج الشكاية عن الله ، ولو كانت شكاية لكان موسى لا يقول ذلك ولا يذكره . وقوله : { فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ } . قوله : { تَمْشِي } : مشي من لم يعتد الخروج . أو { تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ } ، أي : تمشي مشي من لم يخالط الناس على التستر والتغطية . { قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا } : هذا يدل على أن لا بأس أن يؤخذ على المعروف الذي صنع إلى آخر أجر ، والأفضل على من صنع إليه المعروف والتبرع أن يعطي لمعروفه وتبرعه بدلا وأجرا ، والأفضل على المتبرع وعلى صانع المعروف ألاَّ يأخذ على ذلك بدلا ، إلا أن موسى كان قد اشتدت به الحاجة ؛ لذلك كان ما ذكر وأخذ لمعروفه ما ذكر بدلا ، والله أعلم . وقوله : { فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ } أي : لما جاء موسى أبا المرأتين وقص عليه قصته قال له : { لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } . دل قوله هذا لموسى : { لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } : أنه لم يكن لفرعون على ذلك المكان سلطان ولا يد ؛ إذ لو كان له سلطان لكان له فيه الخوف الذي كان من قبل ، ولم يكن نجا موسى منه ، دل أنه لم يكن له عليهم سلطان . وقوله : { ٱلظَّالِمِينَ } يحتمل : المشركين ؛ إذ كل مشرك ظالم . ويحتمل { نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } : الذين يقتلون بغير حق حيث قال : { رَبِّ نَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } . وقوله : { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يٰأَبَتِ ٱسْتَئْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَئْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ } : قال أهل التأويل : قال أبوهما لما قالت له استأجره فإنه قوي أمين : ما قوته وأمانته ؟ فقالت : أما قوته : فإنه رفع الحجر من رأس البئر وحده ، وكان لا يطيقه إلا كذا كذا نفرا ، ونزح الدلو من البئر وحده ، وكان لا يطيق نزحه إلا كذا كذا ؛ فذلك قوته . وأمّا أمانته : فإنه قال لي : امشي خلفي وصفي لي الطريق ؛ فذلك أمانته . ولكن قد كانت تعرف أمانته قبل ذلك لما جرى بينه وبينهما من المعاملة حين قال لهما : { مَا خَطْبُكُمَا } ، وحين سقى لهما في مثل هذا تعرف أمانته في ترك النظر إليهما ، وترك الاعتراض لما يوجب التهمة ، والله أعلم . وقولها : { يٰأَبَتِ ٱسْتَئْجِرْهُ } كأن أباها كان في طلب أجير قوي أمين ، لكنه لا يجد ولا يظفر به ؛ لذلك قالت له : { ٱسْتَئْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَئْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ } إذ لا يحتمل أن يكون له ماشية وله غناء وبه حاجة إلى رعي ذلك وسقيه ، وقد بلغ في نفسه من الكبر والضعف ما ذكر ، يرسل ابنتيه في الرعي والسقي ، ولا يستأجر الأجير ليتولى ذلك دون بناته ، هذا لا يحتمل ذلك ، وخاصة مع ما وصف ابنته من الحياء حيث قال : { فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ } دل ذلك أنه كان في طلب الأجير ، وإنما أرسل ابنتيه في سقي الغنم وهو مضطر إلى ذلك محتاج إليه ؛ لذلك قالت له : { يٰأَبَتِ ٱسْتَئْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَئْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ } . ثم قال : { إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ } : طلبت هي الاستئجار ، وهو عرض عليه النكاح لما لم ترغب هي في النكاح ، أو طلبت الاستئجار ولم تُرِ من نفسها الرغبة في النكاح ، وإن كانت لها الرغبة حياء ، والله أعلم . ثم قوله : { عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ } : يحتمل وجهين : أحدهما : أنه جعل عمله ثماني حجج بدلا للنكاح ومهرا لبضعها . ثم تحديده ثماني حجج لما رأى عمل ثماني سنين مهر مثلها . وقوله : { فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ } أي : فإن أتممت عشراً وزدت على مهر المثل فمن عندك ، أي : لك ذلك فضل منك وإحسان . والثاني : قوله : { عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ } ليس على جعله بدلا للنكاح ، ولكن على الإجارة المعروفة على أجر معلوم على حدة ، من غير أن كان ذلك مهرا لها . ثم التحديد بثماني سنين على هذا الوجه يخرج على إحدى خلتين : إحداهما : أنه لما قص عليه قصته علم أنه لا يقدر على العود إلى المصر ، ورأى أنه لا يأمن تلك الناحية بدون ما ذكر من المدة . أو لما رأى أن نفسه تنزع وتشوق بالعود في ذلك الوقت فشرط ذلك عليه لئلا يحدث نفسه بالرجوع إليه إلى ذلك الوقت . وقوله : { فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ } أي : فإن زدت سنتين على ذلك فمن فضلك وإحسانك { وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ } في الزيادة على ذلك كله ، والله أعلم . ثم قال : { سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } في جميع ما يجري بينك وبيني من المعاملة والصحبة . وفيه أن الثنيا فيما يعدون كان ظاهراً في الأمم السالفة . ثم اختلف في أبي المرأتين : قال بعضهم : كان شعيباً . وقال بعضهم : ابن أخي شعيب . وقال الحسن : لم يكن شعيباً ، ولكن كان سيّد الماء يومئذ . وليس لنا إلى معرفة من كان حاجة ، أمّا شعيب فإنه لم يكن في زمن موسى ، والله أعلم . وقوله : { قَالَ ذَلِكَ } يعني : الشرط - والله أعلم - { بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ } أي : أوفيت وعملت ، إمّا الثماني وإما العشر { فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ } يقول : لا سبيل لك عليَّ بعد ذلك ولا تبعة ، والعدوان : هو الظلم والمجاوزة عن الحدّ الذي حد له يقول : لا ظلم عليّ ولا مجاوزة علي أي الاختيارين قضيت ، أيّ الأجلين اخترت وشئت لنا . ثم قال : { وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ } قال بعضهم : والله كفيل على مقالتي ومقالتك ، والوكيل : هو الشهيد أو الحافظ ، كأنه يقول : والله على ما نقول شهيد . " ذكر أن جبريل جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " إن سُئلت : أي الأجلين قضى موسى ؟ فقل : أبرّهما وأوفاهما ، وإن سُئلت : أي المرأتين تزوج ؟ فقل : أصغرهما " . فإن ثبت هذا ، ففيه أنه قضى الأجلين جميعاً : الثماني والعشر ، وليس في الآية إلا قضاء الأجل حيث قال : { فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ } . وقال القتبي : { عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي } أي : تجازيني من التزويج والأجر من الله إنما على الجزاء على العمل .