Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 29-35)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ } قال أهل التأويل ما ذكرنا : أنه قضى أتمهما أو أكثرهما لكن لا نعلم التأويل الصحيح ، فعلى ما ذكروا ، وليس في الآية إلا قضاء الأجل ؛ فلا يزاد على ذلك إلا بثبت ، فإن ثبت ما روي من الخبر ، فهو والله أعلم . وقوله : { وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً } { آنَسَ } : قيلِ : أبصر وأحسّ ناراً . قال بعضهم : إن موسى لم يكن رأى ناراً ، ولكن إنما رأى نوراً ظن أنه نار ، فلا يحتمل ذلك ؛ لأنه أخبر أنه آنس ناراً ، وإن لم يكن في الحقيقة ناراً لم يجز ، وكان ذلك يوجب الكذب في الخبر ، إلا أن يقال على الإضمار : آنس من جانب الطور نوراً ظن أنه نار ، أو في ظنه أنه نار . { قَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ } أي : امكثوا لعلي آتيكم منها بخبر يدلنا أو بجذوة تضيء الطريق ؛ فكأنه قد ضل الطريق فيقول : لعلي آتيكم منها بخبر الطريق أو جذوة من النار ، أي : آتيكم بجذوة من النار ، وهي ما رغبتم فيه ولم آتكم بخبر الطريق { لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } هذا يدل أنه كان في أيام الشتاء ، وفي وقت البرد : { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي ٱلأَيْمَنِ فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ } قال بعضهم : الأيمن : أي : عن يمين الجبل . وقال بعضهم : عن يمين موسى . وقال بعضهم : يمين الشجرة ، ولكن الأيمن ، المبارك ، وهو من اليمن ، الوادي اليمن . والبقعة المباركة : قال بعض أهل التأويل : سميت مباركة ؛ لكثرة أشجارها وأنزالها ، وكثرة مياهها وعشبها ، ولكن سماه : مباركاً وأيمن - والله أعلم - لأنه مكان الأنبياء والرسل وموضع الوحي . وقوله : { مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } ولله أن يسمع ويخبر من شاء مما شاء وكيف شاء كما أسمع مريم من تحتها حيث قال : { فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِي } [ مريم : 24 ] . وقوله : { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ } ليس هذا بموصول بقوله : { إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } ولكن ذلك ما ذكر في سورة طه : { إِنِّيۤ أَنَاْ رَبُّكَ فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ … } [ طه : 12 ] إلى آخر ما ذكر . ثم قال في آخره : { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ } أي : تتحرك { كَأَنَّهَا جَآنٌّ } قال بعضهم : الجانّ : الحية الصغيرة . وقال بعضهم : الجانّ ما يعم العظيمة والصغيرة ، والله أعلم . وقوله : { وَلَّىٰ مُدْبِراً } فارّاً هارباً { وَلَمْ يُعَقِّبْ } أي : لم يلتفت ولم يرجع لشدة خوفه وفرقه . وقوله : { يٰمُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ } . قوله : { وَلاَ تَخَفْ } يحتمل وجوهاً : أحدها : على رفع الخوف من قلبه ؛ إذ قال : له الأمن فيه . والثاني : على البشارة أنه لا يؤذيه ؛ كأنه يقول : لا تخف وكن من الآمنين ، فإنه لا يؤذيك . والثالث : على النهي ، أي : لا تخف ؛ فإني أحفظك وأدفع أذاه عنك ؛ كقوله : { قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَىٰ * قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } [ طه : 45 - 46 ] أسمع ما يقول لكما ، وأرى ما يفعل بكما ، وأدفع ذلك عنكما . وقوله : { أَوْ جَذْوَةٍ } بكسر الجيم ورفعها ؛ قال بعضهم : عود قد احترق بعضه . وقال قتادة : أصل شجرة فيها نار . وقال أبو عوسجة : الجذوة : مثل الشهاب سواء ، والجذى : جمع الجذوة . وقال أبو عوسجة : الجذوة : القطعة الغليظة . وقال القتبي : الجذوة : عود قد احترق ، أي : قطعة منها . وشاطئ : أي شط الوادي . آنست : أبصرت ، وكذلك قوله : { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً } [ النساء : 6 ] أي : أبصرتم وعلمتم . وقوله : { ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ } على ما ذكر في آية أخرى : { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ } [ النمل : 12 ] هذا يدل أن لا بأس بتغيير الألفاظ واختلافها بعد إصابة المعنى وما قصد بها . وقوله : { تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } قد ذكرناه فيما تقدم . وقوله : { واضمم إليك جناحك من الرُّهب } بالضم ، والرهب بالفتح ؛ قد قرئ بهما جميعاً . ثم قال بعضهم : هو على التقديم والتأخير ، قوله : { مِنَ ٱلرَّهْبِ } موصول بقوله : { أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ } من الرهب ، أي : الخوف والغرق . وقال بعضهم : أمره أن يضم يديه إلى نفسه ؛ لأن ذلك أخوف وأهيب وأعظم من إرسالهما ، وذلك معروف أيضاً في الناس أنهم إذا دخلوا على ملك من الملوك ضموا أيديهم وجناحيهم إلى أنفسهم ؛ تعظيماً لهم وتبجيلا ، أو خوفاً منهم . فعلى ذلك جائز أن يأمره بضم يديه إلى نفسه ؛ ليكون بين يدي ربه أهيب وأخوف ما يكون ، وأعظم ما يجب له ، وهو ما قال له : { فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى } [ طه : 12 ] . وقوله : { فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ } أي : اليد والعصا ، اللتان ذكرهما { بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ } أي : حجتان { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } . وقوله : { قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ * وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً } . وقال في سورة الشعراء : { قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ … } [ الشعراء : 12 ] إلى قوله : { فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } [ الشعراء : 14 ] أخر في هذا ما كان مقدماً في الذكر في ذلك ، وذكره على اختلاف الألفاظ وتغيير الحروف ؛ ليعلم : أن ليس على السامع حفظ الألفاظ والحروف بعد إصابته المعنى ، وفهم ما قصد بها وأودع فيها ؛ لأن الله ذكر هذه الأنباء والقصص التي كانت من قبل في القرآن على اختلاف الألفاظ ، وتغيير الحروف ، على التقديم والتأخير ، والزيادة والنقصان ؛ ليعلم أن المقصود والمراد بذكرها ما فيها ، لا عين اللفظ والحروف ، فإذا عرف ما فيها وفهم جاز الأداء بأي لسان كان ، وبأيّ لفظ كان ، والله أعلم . وقوله : { هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً } يحتمل وجوهاً : أحدها : أمّا أهل التأويل فإنهم قالوا : كان في لسانه رتة أي : عقدة لما أدخل في فمه من النار ؛ فذلك لا نعلمه ، وقد قال في آية [ أخرى ] : { وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُواْ قَوْلِي } [ طه : 27 - 28 ] فيجوز أن يكون ذلك خلقة خلقه هكذا ، على ما خلق بعض الخلق أفصح وأبين من بعض . أو أن يكون لما ذكر له من الخوف والذنب ما لم يكن ذلك لهارون ، ولا شك من اشتد به الخوف منع صاحبه عن التكلم والبيان ، وذلك متعالم معروف في الناس ، وهو ما قال : { إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ … } الآية . أو أن يكون ذلك لأن نشوء هارون كان فيهم وهم بلسانه أعرف ، ومنطقه أفهم ، ولموسى فترات كان معتزلا عنهم . وقوله : { فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً } أي : عوناً { يُصَدِّقُنِي } ثم بيّن في آية أخرى أنه فيم طلب منه عوناً ؟ وهو ما قال { وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي … } الآية [ طه : 29 ] ، أي : يصدقني فيما أقول إذا كذبوني هم ، أو أستأنس به إذا ضاق صدري بالتكذيب والردّ ، فأجابه ربه فقال : { سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ } كناية وعبارة عن القوة والعون ؛ لأن القوة فيه تكون ؛ فذكر فيمن تكون ، وهو كقوله : { وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا } [ البقرة : 250 ] ذكر الأقدام ، لأنه بالأقدام يثبت ، وقوله : { نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ } [ الأنفال : 48 ] لأنه بالعقب ينكص ، ومثله كثير ، فعلى هذا ذلك . وقوله : { وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ } قال قائلون : هو على التقديم والتأخير ، أي : نجعل لكما سلطاناً ، أي : نجعل لكما سلطاناً بآياتنا فلا يصلون إليكما . وقال بعضهم : ونجعل لكما سلطاناً باللطف ندفع عنكما أذاهم وشرهم ؛ كقوله : { لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } [ طه : 46 ] أي : أسمع ما يقول لكما ، وأرى ما يفعل بكما ، وأدفع ذلك عنكما فلا يصلون إليكما بالآيات التي معكما . وقوله : { أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَالِبُونَ } يحتمل هذا وجوهاً : الغالبون بالحجج والبراهين ، أي : تغلب حجتكما سحرهم وتمويهاتهم . أو أن يكون عاقبة الأمر لكما . أو أن يكون ذلك في الآخرة . قال أبو معاذ : العرب تقول : أردت الرجل : أي : أعنته . وقال أبو عوسجة : { سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ } أي : أعينك به وأقويك ، والعضد : كناية عن القوة ؛ لأنه فيه تكون القوة ، وبه يقوى من يوصف بالقوة ، على ما ذكرنا .