Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 36-42)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ } أي : جاء موسى فرعون وقومه بآياتنا ، أي : أعلاماً أنشأها موضحات ، مظهرات يظهرن ، ويوضحن رسالة موسى ونبوته ، وقد أظهرن لهم ذلك وعرفوا أنها آيات من الله نزلن ؛ أفلا ترى أن موسى قال له يا فرعون : { لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ بَصَآئِرَ } [ الإسراء : 102 ] لكنهم عاندوا وكابروا ، وقالوا : { مَا هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى } هذا منهم تمويه وتلبيس على الأتباع والسفلة ، ولم تزل عادتهم التمويه والتلبيس على أتباعهم أمر موسى . وقوله : { وَمَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } يقولون - والله أعلم - : إن آباءنا قد عبدوا الأصنام على ما نعبد نحن ، وقد ماتوا على ذلك من غير أن نزل بهم ما توعدنا من الهلاك والعذاب ، فعلى ذلك نحن على دين آبائنا ، وعلى ما هم عليه ؛ فلا ينزل بنا شيء مما تذكر وتوعدنا به من العذاب . ثم قال موسى : { رَبِّيۤ أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ ٱلدَّارِ } هذا - والله أعلم - كأنه ليس بجواب لقولهم : { مَا هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } ويكون جواب هذا إن كان هو قوله : { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } كنى بالظلم عن السحر ؛ يقول - والله أعلم - : ليس بسحر ؛ لأني قد غلبتكم وقهرتكم ، وقد أفلحت أنا ، ولو كان سحراً ما أتيتكم به لم أفلح ؛ إذ الله - تعالى - أخبر أن الساحر لا يفلح بقوله : { إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ } [ طه : 69 ] وقال - أيضاً - : { مَا جِئْتُمْ بِهِ ٱلسِّحْرُ … } [ يونس : 81 ] الآية ، وقد أصلح عملي ؛ فظهر أنه ليس بفساد ، ولكنه صلاح . ويكون جواب قوله : { رَبِّيۤ أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ ٱلدَّارِ } ما ذكر في سورة { الۤمۤصۤ } [ الأعراف : 1 ] ، حيث قالوا : { أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } [ الأعراف : 127 ] فقال عند ذلك : { رَبِّيۤ أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ ٱلدَّارِ } أنتم أو نحن ؟ يقول : ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده جواباً لقوله : { وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ } [ غافر : 29 ] والله أعلم . وقوله : { وَقَالَ فِرْعَوْنُ يٰأَيُّهَا ٱلْملأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي } كأنه قال للملأ خصوصية لهم ؛ لأنه كان اتخذ للأتباع أصناماً يعبدونها وجعل للملأ عبادة نفسه وإلهيته ، لما لم ير الأتباع أهلا لعبادة نفسه جعل لهم عبادة الأصنام ، ورأى الملأ أهلا لذلك ؛ فخصهم ، ومنه اتخذت العرب عبادة الأصنام دون الله ؛ لما لم يروا أنفسهم أهلا لعبادة الله ، وقالوا : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } [ الزمر : 3 ] . وقوله : { فَأَوْقِدْ لِي يٰهَامَانُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجْعَل لِّي صَرْحاً } قال أهل التأويل : أول من اتخذ الآجر هو ، ولا نعلم ذلك ، يحتمل أن يكون من قبل ذلك . وقوله : { فَٱجْعَل لِّي صَرْحاً } أي : قصراً { لَّعَلِّيۤ أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ } كان يعرف أنه ليس إله السماء والأرض ؛ إذ لا يملك ذلك ، فكأنه أراد بقوله : { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي } قومه وأهله خاصة { وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } كأن جميع ما كان بين موسى وفرعون من الكلام كان على الظن ؛ كقوله : { إِنِّي لأَظُنُّكَ يٰمُوسَىٰ مَسْحُوراً } [ الإسراء : 101 ] وكذلك قال له موسى : { وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يٰفِرْعَونُ مَثْبُوراً } [ الإسراء : 102 ] . وقوله : { وَٱسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } الاستكبار : هو ألاَّ يرى لنفسه شكلا ولا نظيراً ، وهو كذلك ، كان لا يرى لنفسه شكلا ولا نظيراً ؛ لأنه يدعي لنفسه الربوبية والألوهية ، واستكبار قومه لما استعبدوا هم بني إسرائيل ، واستخدموهم ، أو استكبروا أن يخضعوا لموسى ويجيبوا له إلى ما يدعوهم إليه . وقوله : { وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ } أخذناه أخذ تعذيب وإهلاك { فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلظَّالِمِينَ } يعذبون بظلمهم . وقوله : { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ } ذكر في هؤلاء : أنه جعلهم أئمة في الشر ، وذكر في الرسل وأهل الخير : أنه جعلهم أئمة في الخير ؛ حيث قال : { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ ٱلْخَيْرَاتِ } [ الأنبياء : 73 ] وما قال : { وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ } [ آل عمران : 104 ] فكان من الله - تعالى - في أهل الخير صنع ومعنى حتى صاروا بذلك أئمة الخير ما لم يكن ذلك منه بأهل الشر وأئمة السوء فيرد على المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : لم يكن من الله - تعالى - إلى الرسل وقادة الخير إلا وقد كان ذلك منه إلى كل كافر وفاسق . فلو كان على ما قالوا لكان لا يحتمل أن يصير هؤلاء أئمة الخير وأولئك أئمة الشر بأعمالهم أيضاً ، وإن كان ما من الله إليهم على السوء ، لكن يضاف ذلك إلى الله بأسباب تكون منه ، وكانت حقيقة ذلك منهم بعملهم ؛ نحو : { إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكْرَ } [ يس : 11 ] أضاف إنذاره إلى من اتبع الذكر ، وإن كان رسول الله ينذر من لم يتبع ، وكذلك ما قال في الشياطين : { يَدْعُواْ حِزْبَهُ } [ فاطر : 6 ] إنما يدعو الحزبين جميعاً ، لكنه أضاف دعاءه إلى حزبه لما منهم يكون له الإجابة ، وأضاف إنذار رسول الله إلى من اتبعه وقبله لطاعتهم له ؛ فعلى ذلك الأوّل ، أضاف ذلك إلى نفسه لفعلهم . لكن عندنا لا يكون من الخلق في فعل الخلق حقيقة الفعل ، إنما يكون منهم الأسباب ، ويكون من الله - تعالى - في أفعالهم الأسباب ، وحقيقة الفعل ، فيكون إضافة ذلك إلى الله على حقيقة الفعل والأسباب جميعاً وإلى الخلق لأسباب تكون منهم إليهم . والثاني : إنما خصّ بالإنذار من اتبع الذكر ؛ لأنه إنما يقصد بالإنذار من اتبعه لا من لا يتبعه ، وكذلك الشيطان إنما يقصد بدعائهم إياهم حزبه منهم ، وإن كان الرسول ينذر الخلق جميعاً : الذي سوف يتبعه والذي لا يتبعه ، وكذلك الشيطان يدعو الحزبين جميعاً ؛ لأن هذا يقصد ضررهم بما يدعوهم إليه ؛ ألا ترى إلى قوله : { إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } [ فاطر : 6 ] والرسول بما ينذر يقصد نفعهم ؛ لذلك خصّ الإنذار لمن اتبعه وخص في ذلك حزبه . وقوله : { أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ } ليس تصريحاً ؛ لأنهم لو دعوهم إلى النار لا يجيبونهم ، ولكن يدعونهم إلى أعمال توجب لهم النار لو أجابوهم ، وهو كقوله : { فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ } [ البقرة : 175 ] أي : ما أصبرهم على عمل يستوجبون به النار . وقوله : { وَيَوْمَ ٱلْقِيامَةِ لاَ يُنصَرُونَ } كأن الشيطان مناهم النصر والشفاعة بعبادة الأصنام ، فيخبر أنهم لا ينصرون لما مناهم . وقوله : { وَأَتْبَعْنَاهُم فِي هَذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً } وهو ما عذبوا في الدنيا واستؤصلوا { وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُمْ مِّنَ ٱلْمَقْبُوحِينَ } قال بعضهم : مسودون وجوههم . وجائز أن يكون ذلك جزاء ما افتخروا في هذه بالحلي والزينة ، وطعنوا في موسى جواباً لهم على ما قالوا : { فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَآءَ مَعَهُ ٱلْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } [ الزخرف : 53 ] يخبر أنهم يكونون في الآخرة على غير الحال التي كانوا في الدنيا وافتخروا بها . وقال بعضهم : المقبوح : هو السواد مع الزرقة .