Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 43-46)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ ٱلأُولَىٰ } من نحو عاد ، وثمود ، وهؤلاء الذين كانوا من قبل من الأمم ، أي : أرسلناه بعد هلاك من ذكر ؛ حتى يعتبر الناس ، يشبه أن يكون قوله : { بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ } أي : هلاك من ذكر من القرون الأولى بصيرة وعبرة لمن يكون من بعدهم ؛ لينزجروا بذلك عن تكذيب الرسل ، ويكون ذلك آية لرسالة موسى . والثاني : أن يكون قوله : { بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً } أي : الذي آتاه الله موسى هو بصائر وهدى ورحمة لهم إذا قبلوه واتبعوه وعملوا به ، وكذلك كان جميع كتب الله هدى ورحمة وبصيرة لمن آمن بها وعمل بها . وجائز أن يكون هذا جواباً وصلة لقولهم : { مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ } [ المؤمنون : 24 ] يقول - والله أعلم - : إنكم لا تسمعون ذلك في آبائكم الذين اتبعوا رسلهم ، فأجابوهم ، فأما من كذبوهم فإنا أهلكناهم بتكذيبهم الرسل واستأصلتهم ، والله أعلم . وقوله : { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ } قال بعضهم : جانب الغربي : حيث تغرب الشمس والقمر والنجوم ، والشرقي : حيث تشرق وتطلع . وقال بعضهم : بجانب الغربي ، أي : بجانب الوادي الغربي ، والله أعلم ما أراد به . وقوله : { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلأَمْرَ … وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ } أي : مقيماً { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا } يحتمل وجوهاً : أحدها : أنك لم تكن شاهداً هذه المشاهدة التي شهدها موسى حيث قضينا إلى موسى الأمر بجانب الغربي ، ولم تكن شاهداً هنالك ، وما كنت في أهل مدين ثاوياً حتى تعلم أمر موسى وحينه ، وما كنت بجانب الطور حيث نادى : يا موسى ونحوه ؛ أي : لم تكن شاهداً هذه المشاهدة التي كان موسى شاهداً فيها ، ثم أعلمناك بتلك الأنباء والأخبار على ما كانت لتتلو تلك الأنباء والأخبار على أهل مكة ؛ فتكون آية لنبوتك ، وحجة لرسالتك ؛ إذ لم تشهدها ولا اختلفت إلى أحد ممن يعرفها فعلمك ، ثم أنبأت على ما كانت ؛ ليعرفوا أنك إنما عرفت بالله تعالى . والثاني : يحتمل أن يذكر هذا له امتناناً عليه ليتأدى به شكره ؛ لأنه ذكر أنه أوحى إلى موسى ، وذكر محمداً وأمته في شرفه حتى تمنى موسى أن يجعل من أمته . يقول - والله أعلم - : لم تكن أنت شاهداً في هذه المشاهد فذكرتك ثمة وأمتك . أو أن يذكر هذا له على الاختصاص له ؛ ليعرف أن أمر الرسل والوحي إليهم على الاختصاص لهم من الله ، لا بأمر كان منهم . على هذه الوجوه الثلاثة يحتمل أن يخرج تأويل ما ذكر له . وقال بعض أهل التأويل في قوله : { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ } { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا } يقول لمحمد : لم تعاين هذا ولم تشهده ، وإنما هو شيء أنزلناه عليك لتتلوه على أهل مكة . وقوله : { وَلَكِنَّآ أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ } هذا ليس بصلة الأول ، ولكن على الابتداء ؛ يقول - والله أعلم - : لكنا أنشأنا قروناً بعد انقراض الرسل ، ودروس أعلامهم وآثارهم ، وتطاول العهد والعمر ، ثم بعثناك فيهم رسولا ؛ لتحيي به آثارهم ، وتظهر فيهم سننهم وأعلامهم ورحمة منا إليهم ، وهو ما قال في آخره : { وَلَـٰكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } أي : أرسلنا إياك رحمة منا لهم ، وهو ما قال : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء : 107 ] أو أن يكون قوله : { وَلَـٰكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } أي : ما أنبأك وأعلمك من أنباء موسى وأخباره ، حيث لم تشهدها من رحمة ربك ، حيث جعلها آية لنبوتك ، وحجة لرسالتك ، والله أعلم . وقوله : { لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ } هذا يحتمل وجهين : أحدهما : لتنذر قوماً ما أنذر به الرسل الذين من قبلك قومهم . والثاني : لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون ، أي : على رجاء التذكر تنذرهم . أو أن يكون ذلك خاصة لمن تذكر إذا كان على الإيجاب .