Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 47-50)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَلَوْلاۤ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } لا ينتظم الجواب ، وليس ما ذكر على إثره جواباً له ، إلا أن يقال : إن قوله : { وَلَوْلاۤ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ } أي : لم تصبهم مصيبة ، وذلك جائز في اللغة ؛ كقوله : { وَلَوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا } [ النور : 16 ] أي : لم تقولوا : ما يكون لنا أن نتكلم بهذا ، وقوله : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ } [ النور : 14 ] أي : لم يمسّهم ، وجميع ما ذكر في هذه السورة من { وَلَوْلاۤ } كله أنه لم يكن ؛ فعلى ذلك جائز أن يكون تأويل قوله : { وَلَوْلاۤ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ } أي : لم تصبهم مصيبة ، ولو أصابتهم مصيبة ، وهو العذاب { فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً } وهو كقوله : { وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً } [ طه : 134 ] على هذا يخرج تأويل هذا . ثم في هذه الآية في قوله : { وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ } وجهان : أحدهما : على من يقول بأن ليس لله أن يعذبهم بما كان منهم قبل بعث الرسل إليهم لقوله : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [ الإسراء : 15 ] ، وفي الآية بيان أن له أن يعذبهم وإن لم يبعث الرسل ؛ لأنه أوعدهم الهلاك ، فلو لم يكن له التعذيب والإهلاك لم يكن للإيعاد فائدة ؛ فدل أن له الإهلاك في الدنيا والاستئصال ، لكنه أخره عنهم ؛ فضلا منه ورحمة . والثاني : على المعتزلة في قولهم الأصلح ؛ لأنه لا يخلو إما أن يكون ما أوعدهم أصلح لهم من الترك أو الترك لهم أصلح : فإن كان ما أوعد لهم أصلح فقد تركهم ؛ فيكون في تركهم إياهم جائراً على قولهم ؛ لأنه لم يفعل ما هو أصلح لهم في الدين . أو أن يكون الترك لهم أصلح ؛ فيكون بما أوعدهم جائرا ؛ إذ أوعد بما كان غيره أصلح لهم مما أوعد ؛ فدل ما ذكرنا على أن ليس على الله حفظ الأصلح لهم في الدين . ثم قوله : { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } ليس الكفر نفسه ، ولكن العناد والمكابرة مع الكفر ؛ لأن عذاب الكفر في الآخرة ليس في الدنيا ؛ لأن الله تعالى قد أبقى كثيراً من الكفرة لم يهلكهم ولم يعذبهم في الدنيا ، ولكن إنما أهلك واستأصل في الدنيا من عاند وكابر الرسل في الآيات والحجج التي أتوهم بها وأقاموها عليهم على أثر سؤال كان منهم ، فعند ذلك أهلكهم واستأصلهم لا بنفس الكفر ، ثم مع ما كان له التعذيب قبل بعث الرسل لم يعذبهم ، ولكن أخر عنهم إلى أن يبعث الرسل إليهم بالآيات والحجج ؛ ليقطع به لجاجهم ومنازعتهم فضلا منه ، وإن لم يكن لهم الاحتجاج عليه بقولهم : { لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } . يحتمل قوله : { فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ } الآيات التي تبعث مع الرسل لا يبعث الرسل بالآيات . وجائز أن يكون قوله : { فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ } يعنون بالآيات : الرسل أنفسهم ، والله أعلم . وقوله : { فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا } : جائز أن يكون الحق الذي ذكر الرسول نفسه ، ويحتمل الحق الكتاب الذي أنزل عليه وآيات . وقوله : { قَالُواْ لَوْلاۤ أُوتِيَ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ } : هذا يحتمل وجوهاً : أحدها : قالوا : هلا أوتي محمد من أنواع النعم من المن والسلوى وغيره من غير تكلف ولا تعب ؛ مثل ما أوتي موسى لو كان رسولا على ما يقول . أو أن يقولوا : لولا أوتي من الآيات الحسيات الظاهرات من نحو اليد والعصا والحجر الذي كان ينفجر منه والغمام ، وما ذكر من الضفادع والقمل والدم والطوفان وغير ذلك مثل ما أوتي موسى . أو أن يقولوا : لولا أوتي محمد القرآن جملة عياناً جهاراً ؛ كما أوتي موسى التوراة جملة عياناً جهاراً ، والله أعلم بذلك ما عنوا به . ثم بين الله تعالى وأخبر أنهم إنما يسألون ما سألوه سؤال عناد ومكابرة لا سؤال استرشاد وطلب الحق حيث قال : { أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ } أي : لم يكفر هؤلاء الذين سألوك الآيات بما أوتي موسى - يعني : أهل مكة - لأنهم كانوا مشركين لم يؤمنوا برسول قط من قبل . ويحتمل قوله : { أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ } أي : أولم يكفر قوم موسى بعد سؤالهم الآيات إذ أتاهم بها ؛ فعلى ذلك هؤلاء يكفرون بما أوتيت . والأول أشبه . ثم قالوا : { سِحْرَانِ تَظَاهَرَا } ، وقد قرئ : { ساحران } بالألف . وقال بعضهم ساحران : موسى وهارون . وقال بعضهم : موسى ومحمد . وقال بعضهم : عيسى ومحمد . وقوله : { سِحْرَانِ } بغير ألف : كتابان ، لكنهم اختلفوا : قال بعضهم : التوراة والإنجيل . وقال بعضهم : الفرقان والتوراة ونحوه . وقال بعض أهل الأدب : ساحران : أولى وأقرب ؛ لأن ذكر التظاهر إنما يكون بين الأنفس لا يكون بين الكتب . { تَظَاهَرَا } أي : تعاونا . وقال بعضهم من أهل الأدب - أيضاً - { سِحْرَانِ } بغير ألف أولى ؛ لأنه أراد به الكتابين . ألا ترى أنه طلب منهم بما قالوا إتيان الكتاب حيث قالوا : { فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَآ } ردّاً على ما قالوا وطلبوا منه . لكن نقول نحن : لا نحب أن نختار إحدى القراءتين على الأخرى ؛ لأنه إنما هو خبر أخبر عنهم أنهم قالوا ذلك : فمرة قالوا : { ساحران } ، ومرة قالوا : { سِحْرَانِ } ، فأخبر على ما قالوا ؛ وكذلك قوله : { سيقولون الله } بالألف وبغير الألف ، لا يختار أحدهما على الآخر ؛ لأنه خبر أخبر عنهم على ما كان منهم فهو على ما أخبر ، والله أعلم . وقال بعض أهل التأويل في قوله : { لَوْلاۤ أُوتِيَ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ } : قالت اليهود : نأمر قريشاً أن تسأل أن يؤتى محمد مثل ما أوتي موسى يقول الله لرسوله : قل لقريش يقولوا لهم : { أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ } يعني : اليهود ، وقالوا : { ساحران تظاهرا } قال قول اليهود لموسى وهارون وهو مما ذكرنا قريب ، والله أعلم . وقوله : { وَقَالُواْ إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ } ما أوتي موسى على اختلاف ما ذكرنا . ثم قال : قل يا محمد لقريش أهل مكة : { فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَآ } من التوراة والفرقان أو التوراة والإنجيل على اختلاف ما قالوا ، { أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } في زعمكم أنهما سحران تظاهرا ، وأنه مفترى ، ائتوا أنتم من عند الله بكتاب أتبعه ؛ إلى هذا ذهب أهل التأويل . ووجه آخر يشبه أن يكون أقرب منه : وهو أن قوله : { فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَآ } ، أي : ائتوا بكتاب من عند الله أنه أمركم بعبادة الأصنام والأوثان ؛ لأنهم كانوا يعبدون الأصنام دون الله ، ويقولون : الله أمرهم بذلك ، ويقولون : هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، وإن عبادتهم إياها تقربهم إلى الله زلفى ونحوه من الكلام ، فيقول - والله أعلم - : ائتوا بكتاب من عند الله : أنه أمركم بذلك هو أهدى منهما ، أي : أبين منهما وأوضح من هذين ؛ لأن هذين إنما جاءا بنهي عبادة غير الله ومنعها دونه ، يقول : ائتوا بكتاب هو أهدى وأبين عما جاء منه من هذين ، إن كنتم صادقين أن الله أمركم بذلك ، ويكون عبادتكم إياها على ما تزعمون ، هذا جائز أن يكون أقرب من الأول ، والله أعلم . وقوله : { فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ } : في إتيان ما تطلب منهم وتسأل من الكتاب ، { فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ } بغير علم ، وهم كانوا يعلمون : أنهم إنما يتبعون في عبادة الأصنام وتحريم الحلال وتحليل الحرام - أهواءهم ، ويجعلون هواهم هو الإمام ؛ إذ لا يؤمنون برسول حتى يكون لهم كتاب . ثم قال : { وَمَنْ أَضَلُّ } ، أي : لا أحد أضل { مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِ } ، أي : من غير بيان من الله - { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } ، أي : والله أعلم - : إن الله لا يهدي قوماً يتبعون أهواءهم ، لا يتبعون الحجج والبراهين لا يهديهم ما داموا في اتباع هواهم . أو لا يهدي القوم الذين ظلموا الحجج والبراهين ، والله أعلم .