Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 57-61)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَقَالُوۤاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ } : دل قولهم : { إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ } على أنهم عرفوا أن ما جاء به رسول الله ويدعوهم إليه هو الهدى ، حيث قالوا : { إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ } . وقوله : { نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ } : يخرج قولهم هذا على وجهين : أحدهما : أن نهلك ونفنى جوعاً إذا خالفنا أهل الآفاق في الدين ؛ لأن أرزاقهم وما به قوام أبدانهم إنما يحمل ويمار من الآفاق ، فيقولون : إنا إذا اتبعنا الهدى معك وخالفنا في الدين أهل الآفاق ، منعونا الميرة فنهلك ونموت جوعاً ؛ فذلك تخطفهم من الأرض . والثاني : قالوا ذلك مخافة أن يغزوا ويؤسروا أو يقتلوا إذا خالفوا أهل الآفاق والأطراف في الدين واتبعوا الهدى مخافة الأسر والقتل ، فأجابهم الله وردّ عليهم اعتلالهم في الوجهين ، فقال : { أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا } يقول - والله أعلم - : إنا جعلناهم في الحرم آمنين ، وما يمتار إليهم من أنواع الثمرات باللطف لا بموافقة الدين ؛ ألا ترى أنهم مع موافقة الدين كانوا يتخطفون الناس منهم ؛ حيث قال في آية أخرى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ } [ العنكبوت : 67 ] أخبر أنهم مع موافقتهم في الدين يتخطفون ؛ دل أنه إنما جعل لهم الحرم مأمنا والميرة إليهم باللطف لا بالموافقة في الدين ؛ حتى لا يتعرض لأهل الحرم في الحرم ولا خارجه بشيء منه ، ولا يتعرض - أيضاً - من دخل الحرم بشيء ؛ ليعلم أنه إنما كان كذلك باللطف من الله لا بالموافقة في الدين . والثاني : أنه مع ما كانوا يعبدون الأصنام دون الله فيه لا يمنعهم الرزق ويؤمنهم فيه ، فلأن يفعل ذلك بهم عند عبادتهم لله وتركهم عبادة غيره أحق أن يرزقوا ويأمنوا فيه . وقوله : { يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ } : قال أهل التأويل : { ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ } أي : من كل جنس ونوع من الثمرات يجيء إليه . وظاهره : أن يجيء إليه من [ كل ] شيء أرفعه وأنفعه وذلك ثمرته ؛ لأن ثمرة كل شيء أرفعه وأنفعه ، يقال : ثمرة الشيء كذا وثمرة هذا الكلام كذا ، أي : ما ينتفع من هذا : هذا ، والله أعلم . وقوله : { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي : ولكن أكثرهم لا يعلمون أن ما يحمل إليهم من الآفاق ، ويجيء إليهم من الثمرات والأطعمة إنما هو باللطف لا بموافقة الدين ؛ وكذلك لا يعلمون أن أمنهم فيه باللطف لا بموافقة الدين ، والله أعلم . وقوله : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا } : قال بعضهم : كفرت معيشتها . وقال بعضهم : لم ترض معيشتها ، وفيه إضمار " في " ، أي : ( بطرت في معيشتها ) فانتصب لانتزاع حرف " في " ، وتأويله - والله أعلم - أي : كم أهلكنا قرية بطر أهلكها في معيشتها ، حتى صرفوا شكر ما أنعم عليهم ، وجعلوا عبادتهم لغير الذي جعل لهم السعة والرخاء ، فأنتم يا أهل مكة إذا بطرتم أشركتم في سعتكم وخصبكم تهلكون ؛ كما أهلك من كان قبلكم ، وهو كما قال : { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ … } الآية [ الأنعام : 44 ] . وقوله : { فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً } : من القريات ، قريات إذا أهلك أهلها أسكن غيرهم فيها نحو : قريات فرعون وغيره ، جعل مساكنهم لبني إسرائيل حيث قال : { وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ ٱلأَرْضِ … } الآية [ الأعراف : 137 ] ، وقوله : { وَأَوْرَثْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ } [ غافر : 53 ] ، ومن القريات ما جعلها خربة معطلة لم يسكن غيرهم فيها نحو قريات لوط وغيره . وقوله : { وَكُنَّا نَحْنُ ٱلْوَارِثِينَ } أي : الباقين ، والوارث : هو الباقي في اللغة على ما ذكرنا آنفاً في غير موضع . وقوله : { وَكُنَّا نَحْنُ ٱلْوَارِثِينَ } يخرج على وجهين : أحدهما : إخبار عن هلاك أهل الأرض وفنائهم ويبقى هو ؛ كقوله : { إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا } [ مريم : 40 ] والثاني : إخبار عن هلاك أولئك وجعلها لغيرهم ، أي : للمتقين ؛ كقوله : { إِنَّ ٱلأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [ الأعراف : 128 ] ، والله أعلم . قال أبو عوسجة : { نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ } أي : نؤخذ ، وقوله : { يُجْبَىٰ إِلَيْهِ } من الجباية ، أي : يجمع ، يقال : جبيت أجبي جباية وجبيا ، وأجبى يجبي ، أي : حاز يحوز ، { بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا } أي : لم ترض بمعيشتها . وقال القتبي : أي : أشرت . وقالا : { فِيۤ أُمِّهَا رَسُولاً } أي : في أكثرها وأعظمها قدرا وهي مكة ، والنبي منهم والكتاب أنزل عليهم . وقالا : و { أُمِّهَا } : كلمة لا يتكلم بها أحد يعنون بالكسر . وقوله : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِيۤ أُمِّهَا رَسُولاً } : جائز أن يكون تلك القرى التي أخبر أنه غير مهلكها حتى يبعث في أمها رسولا - : القريات اللاتي هن حول مكة ، لا يهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا . قيل : في أعظمها - وهي مكة - رسولا { يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا } ، فإن كان هذا ؛ فيكون الإهلاك لها الانتزاع من أيديهم ، وجعلها في أيدي أهل الإسلام على ما كان ؛ لأن الله كان يفتح على رسوله قرية فقرية وبلدة فبلدة ، حتى جعل الكل في أيدي المسلمين ، وهو ما قال : { وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ ٱللَّهِ } [ الرعد : 31 ] وهو وعد فتح مكة ، وذلك إهلاكهم . والثاني : جائز أن يكون هذا في كل القرى وجميع الرسل : أنه كان لا يهلكها بالكفر نفسه ، حتى يبعث في أكبرها وأعظمها - وهي المصر - رسولا يتلو عليهم آياته ، وذلك يشبه قوله : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [ الإسراء : 15 ] . وإنما ذكر بعث الرسول في أمها ؛ لأنه إذا بعث الرسول في أعظمها - وهو المصر - ينتشر وينتهي إلى الآفاق والصغائر منها والقرى ؛ لما أنهم يدخلون المصر لحوائجهم ؛ فيتهيأ للرسول تلاوة الآيات عليهم والدعاء لهم ، وإذا كان في بعض القرى لا يتهيأ لهم ذلك ، والله أعلم . وقوله : { وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي ٱلْقُرَىٰ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } أي : معاندون مكابرون ، لا نهلكهم إهلاك تعذيب بنفس الكفر في الدنيا ، حتى يكون منهم العناد والمكابرة ، إنما يعذبون عذاب الكفر في الآخرة وهو عذاب الأبد . وقوله : { وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } : إنهم كانوا يتفاخرون بما أوتوا من السعة ومتاع الحياة الدنيا ، وأهل الزهد والتقوى آثروا الباقي الموعود في الآخرة على متاع الحياة الدنيا وزينتها ؛ ولذلك قال : { أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاَقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } ، فجواب هذا أن يقال : بل الموعود الحسن الملاقى بالذي له عاقبة خير من المتاع الفاني الذي ليست له عاقبة ، لكنه لم يذكر له جواباً ، فجوابه ما ذكرنا . ثم كل استفهام كان من الله فهو على الإيجاب في الحقيقة ليس على الاستفهام . وقوله : { ثُمَّ هُوَ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } أي : يحضرون في النار . وقيل : من المحضرين ، أي المعذبين ، وكلاهما واحد .