Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 29, Ayat: 10-13)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِ } : قال بعض أهل التأويل : ناس مؤمنون بألسنتهم ، فإذا أصابهم بلاء من الناس أو مصيبة في أنفسهم وأموالهم افتتنوا ، فجعلوا ذلك في الدنيا كعذاب الله في الآخرة . ثم قال : { وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ } : وذلك عَلَمُ المنافق . ومنهم من يقول : نزلت الآية فيمن حقق الإيمان سرّاً وعلانية ، إلا أنه عذب لأجل إيمانه بالله وبرسوله ؛ فترك الإيمان وكفر ؛ فعلى تأويل هذا يحتمل قوله : { وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ … } إلى آخر ما ذكر على القطع من الأول والابتداء منه من صنيع المنافقين وخبرهم ، والله أعلم . ويحتمل قوله : { جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِ } أي : جعل فتنة الناس وتعذيبهم إياه في إعطاء ما سألوه - وهو الكفر - كعذاب الله في إعطاء ما سأل من أهل الكفر وهو الإيمان ؛ لأن أهل الكفر إذا نزل بهم عذاب الله أو اشتد بهم خوف نزوله عليهم أعطوا الله ما سألهم من الإيمان والتوحيد ، وهو ما قال : { فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [ العنكبوت : 65 ] . ويحتمل وجهاً آخر : وهو أن جعل فتنة الناس في ترك الإيمان كعذاب الله في ذلك ، أي : جعل العذاب الذي من الناس كأنه من الله جاء فترك الإيمان . وقوله : { أَوَ لَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلْعَالَمِينَ } : فإن كانت الآية فيمن حقق الإيمان بالله سرا وعلانية ، فيخرج هذا على التعيير له في ترك الإيمان بما عذب به ؛ لأنه كان يقدر أن يظهر الكفر لهم باللسان ؛ فيدفع العذاب عن نفسه ، ويكون في الحقيقة في السر مؤمناً على ما ذكر : { إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِٱلإِيمَانِ } [ النحل : 106 ] . وإن كانت الآية في المنافقين ، فيقول : كيف أسررتم الكفر والخلاف له في القلب ، وأنتم تعلمون أن الله عالم بما في صدور العالمين ؟ ! فيخبر رسوله بما أضمروا وأسرّوا من الخلاف ، والله أعلم . وقوله : { وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ } : قد ذكرنا تأويل هذا : أن يعلم كائناً ما قد علم أنه سيكون ، ويعلم موجوداً ظاهراً ما قد علم أنه يوجد ويظهر . وقوله : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ } : كأنهم قالوا ذلك لهم بعدما عجزوا عن الطعن في الحجج والآيات ما يوجب شبهة فيما عند الناس ، وبعدما انقطعوا عن اللجاج فيها والاحتجاج عليها ، فلما عجزوا عن ذلك كله فعند ذلك اشتغلوا بما ذكر وقالوا للمؤمنين ما ذكر . { ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا } أي : ديننا ، { وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ } يقولون - والله أعلم - : اتبعوا سبيلنا فإنه صواب ، فإن أصابكم خطأ أو أخطأتم في الاتباع له فإنا نحمل خطاياكم . وقال بعضهم : قالوا لمن آمن منهم : لا نبعث نحن ولا أنتم فاتبعونا ، وإن كان عليكم شيء فهو علينا ؛ وهو قريب من الأول . أو أن يقولوا لهم : اتبعوا سبيلنا ؛ فإن الله أمرنا به ، فإن أخطأتم في ذلك فإنا نحمل خطاياكم أو نحوه ، فهذا القول منهم متناقض ؛ لأنهم ذكروا أنهم كانوا يخطئون في الاتباع لهم دينهم ، إلا أن يريدوا بذلك ما ذكرنا . والثاني : إنما كانوا يضمنون ويحملون خطاياهم لا بإذن من له الطلب في الخطايا ، ولكن بإذن من عليه ذلك ، وذلك لا يصلح الضمان بإذن من عليه . ثم أخبر أنهم لا يحملون ذلك حيث قال : { وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } . يحتمل قوله : { إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } فيما يذكرون من حمل خطاياهم ، أي : لا يقدرون على حملها . أو كاذبون في الدعاء إلى اتباع سبيلهم . أو كاذبون أن الله أمرهم بذلك ، والله أعلم . وقوله : { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ } : يحملون أوزارهم بضلال أنفسهم ، وأثقالا بإضلال غيرهم ودعائهم إليه ، كقوله : { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } [ النحل : 25 ] ، وذكر في خبر أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من داع دعا إلى هدى فاتبع عليه إلا كان له مثل أجور من اتبعه ، ولا ينقص من أجورهم شيء " . وقوله : { وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } : قال بعضهم : افتراؤهم : اتخاذهم الأصنام آلهة ؛ إذ يكون الافتراء في الفعل والقول جميعاً . وجائز أن يكون افتراؤهم ما ذكروا من حمل خطئهم أو ما قالوا : إن الله أمرهم بذلك ، أو تسميتهم الأصنام التي عبدوها آلهة ، والله أعلم .