Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 123-127)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ } . يذكرهم - عز وجل - ألا يتكلوا إلى أنفسهم لكثرتهم ولقوتهم ولعدّتهم ، ولا يثقوا بأحد سواه ، بل على الله يتوكلون ، وإليه يكلون ، وبه يثقون ؛ لأنه أخبر أنهم كانوا أذلة ضعفاء فنصرهم ، وأمدّ لهم بالملائكة حتى قهر عدوهم - مع ضعفهم ، وقلة عددهم - يوم بدر . ويوم أحد : كانوا أقوياء كثيري العدد ؛ فوكلوا إلى أنفسهم ، فكانت الهزيمة عليهم . وقوله : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } . يعني : اتقوا معاصيه { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } . فيه دلالة أن الشكر إنما يكون في طاعته ، واتقاء معاصيه ، وأن المحنة إنما تكون في الشكر لما أنعم عليه ، والتكفير لما سبق منه من الجفاء والغفلة ، والله أعلم . وقوله : { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُنزَلِينَ } ، وذكر في سورة الأنفال : { بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ } [ الأنفال : 9 ] . فاختلف فيه : قيل : كانوا عشرة آلاف ؛ لأنه ذكر مرة : ثلاثة آلاف ، ومرة : خمسة آلاف . ومرة : ألفاً - مردفين ؛ فيكون ألفان ، فذلك عشرة آلاف . وقيل : كانوا تسعة آلاف : ثلاثة آلاف وخمسة آلاف ، وألف . وقيل : كانوا كلهم خمسة آلاف : ثلاثة آلاف ؛ وألفان مدد لهم . ثم اختلف فيه : قال بعضهم : كان يوم أحد . وقال آخرون : يوم بدر . وقوله : { فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ } [ الأنفال : 9 ] يوم بدر ، ولا ندري كيف كانت القصة ؟ وليس لنا إلى معرفة القصة حاجة ؛ سوى أن فيه بشارة للمؤمنين بالنصر لهم ، والمعونة بقوله : { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ } جعل في ذلك تسكين قلوب المسلمين . ثم اختلف في " قتال الملائكة " : قال بعضهم : قاتل الملائكة الكفار . وقال آخرون : لم يقاتلوا ، ولكن جاءوا بتسكين قلوبهم ما ذكر في الآية ، ولا يحتمل القتال ؛ لأنه ذكر في الآية : { وَيُقَلِّلُكُمْ فِيۤ أَعْيُنِهِمْ } [ الأنفال : 44 ] ، ولو كانوا يقاتلون لم يكن لما يقلل معنى ؛ ولأن الواحد منهم كاف لجميع المشركين ، ألا ترى أن جبريل - عليه السلام - كيف رفع قريات لوط إلى السماء فقلبها ؟ ! فدلّ لما ذكرنا ، والله أعلم . وقيل : قاتلوا يوم بدر ، ولم يقاتلوا يوم أحد . فلا ندري كيف كان الأمر ؟ . وقوله : { مُسَوِّمِينَ } : قيل : " منزلين " ؛ " ومسوّمين " سواء ، وهو من الإرسال ؛ ومن التسويم . وقيل : معلمين بعلامة ، وذلك - والله أعلم - لِيُعْلِمَ المؤمنين حاجتهم إلى العلامة ، [ لا أن ] الملائكة يحتاجون إلى العلامة ؛ وكذلك روي عن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه يوم بدر : " تَسَوَّمُوا ؛ فإنَّ المَلائِكةَ قَدْ تَسَوَّمَتْ " . وقوله : { وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } . ليعلم أنّ في النصر لطفاً من الله لا يوصل إليه شيء من خلقه ؛ لأنه نفاه عنهم مع مدد الملائكة ؛ ليعلم أن كل منصور على آخر - إنما كان ذلك من الله - عز وجل . وقوله : { لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ … } [ الآية ] . قال قتادة : " كان يوم بدر قتل صناديدهم وقادتهم في الشر " . وقيل : { طَرَفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } : جماعة . وقيل : { طَرَفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ … } : يعني : أهل مكة . وقوله : { أَوْ يَكْبِتَهُمْ } : قيل : يخزيهم . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : " الكبت : الهزيمة " . وقيل : الكبت : هو الصرع على وجهه . وقوله : { فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ } : والخائب : هو الذي لم يظفر بحاجته ، أي : رجعوا ولم يصيبوا ما أمَّلوا . قال الشيخ - رحمه الله - : ما ذكر من حضور الملائكة الحرب فهو - والله أعلم - في حق محنة الملائكة ، ولله أن يمتحنهم بما شاء من الحضور والمعونة ، والكف عن ذلك ، أوالدعاء لأوليائه بالنصر ، وبما شاء الله من الوجوه التي يمتحن بها عباده ، وفيهم من قد امتحنه على الأرزاق والأرواح ، والأمطار والأعمال ، وأنواع الأذكار والأفعال ؛ إذ هم خلق اصطفاهم واختارهم لعبادته وطاعته في جميع ما يأمرهم ؛ ليجل به قدرهم ، ويعلي رتبتهم ، ثم لو أذن لهم بالمعونة أعانوا المؤمنين على قدر الإذن لهم ؛ إذ هم - على ما وصفهم الله - : { لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } [ الأنبياء : 27 ] . وقوله : { يُسَبِّحُونَ لَهُ بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُمْ لاَ يَسْئَمُونَ } فصلت : 38 ] وغير ذلك مما وصفهم بالطاعة له ، والاتباع لأمره ، وما أكرمهم من هيبة جلاله ، وخوف عقابه ، صلوات الله عليهم أجمعين . ثم كان للمؤمنين في حضورهم أنواع البشارات فيما لم يكن أذن لهم بالقتال ، وأنواع الآيات فيما قد أذن لهم ، على ما ذكر من أمر بدر وغيره ؛ مما أخبر الله - عز وجل - من إرسال جنوده ، وهزيمة أعدائه ؛ بمنّه وفضله ، من ذلك : ما قال الله - عز وجل - : { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } الآية [ الأنفال : 12 ] ، أن يكون الله يؤيّدهم بما به تشجيع قلوب المؤمنين على ما قد أمكن أعداءه من أنواع الوساوس ، التي لديها تضطرب قلوبهم ، وتزل أقدامهم ، فمثله يمكن أولياءه في تشجيع المؤمنين ، ليسكن قلوبهم ، ويثبت أقدامهم ، والله أعلم . والثاني : أن يكون الذي جُبل عليه الخلق أن يكون كل أحد عند معاينة الحاجة إلى دعائه ، وما يحتمل وسعه من معونة ؛ عليه أقبل وبه أرغب ؛ فيكون للمؤمنين بحضورهم رجاء النصر بدعائهم ، ويخرج قوله : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا … } الآية [ غافر : 51 ] ، وقوله - تعالى - : { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ لَكُمْ } ، والله أعلم . أو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصرهم يبشرهم بحضورهم ؛ فيكون لهم بذلك فضل ثبات وقرار حياة منهم بما أعلموا إطلاعهم على ذلك ، أو يكون لهم فضل قوة بذلك ، وإقبال على الأمر ؛ على ما جبل الخلق من الإقبال على الأمور المهمة ، وإذا كثروا على ذلك قوله : { إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ } [ التوبة : 25 ] ولعلهم - أيضاً - بما يطمعون أنهم لو أطاعوا الله ، وثبتوا لأعدائه - أن لهم النصر والدفع ، فكان ذلك بعض ما يستبشرون ؛ وعلى ذلك أكثر ما بلي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهزيمة ، إنما كان يصرف قلوبهم إلى بعض ما جبل عليه البشر من حبّ الدنيا ، والإعجاب بالكثرة ، ونحو ذلك ، ثم من أعظم الأعلام في ذلك ما قال الله - عز وجل - : { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } فتكون البشارة والطمأنينة بالذي جبل عليه البشر على ما بينتُ ، ويكون النصر من عند الله ، الذي متى أراد نصر أحد لن يغلب ، قلَّت أعوانه أو كثرت ، وذلك لطف من الله العزيز العليم ؛ يريهم النصر من الوجه الذي لا يعلمه إلا هو ، وفي حال الأنفس من أنفسهم أن يقوم لعدوهم ؛ ليعلموا عظيم لطفه الذي بمثله ارتفعت درجات الأخيار ، وشرفت منازلهم ، ولو كان لهم بالإذن ؛ على ما ذكر من قوة جبريل - عليه السلام - في قلب قريات لوط بجناح واحد ، لم يكن يقوم لمثله أهل الأرض ، فضلاً عن عدد يسير منهم ، ولكنهم لا يتقدمون بين يدي الله ، والله لم يكن أذن لهم في القتال عند كل مشهد ، والله أعلم .