Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 128-129)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ … } الآية . قوله : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ } : إنما أنت عبد مأمور ؛ فليس لك من الأمر ؛ إنما ذلك إلى الواحد القهار ، الذي لا شريك له ولا ندّ ؛ كقوله : { يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ } [ آل عمران : 154 ] . وقوله : { أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ … } الآية . فيه : إنه كان من النبي صلى الله عليه وسلم معنى قولاً وفعلاً ، حتى ترك قوله : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ } ، ولكنا لا نعلم ذلك المعنى ، غير أنه قيل في بعض القصّة : " إن النبي صلى الله عليه وسلم شج يوم أحد في وجهه ، وكسرت رباعيته ، فدعا عليهم ؛ فنزل قوله : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ } " . وقيل : " إن سرية من [ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ] خروجوا إلى قتال المشركين يقاتلونهم حتى قتلوا جميعاً ، فشق على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بقتلهم ، فدعا عليهم باللعنة - يعني : على المشركين - أربعين يوماً في صلاة الغداة ؛ فنزل قوله : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ } " . وعن ابن عمر - [ رضي الله عنه - أنه ] قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد : " اللَّهُمَّ الْعَنْ أَبَا سُفْيان ، اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلاناً ، حتى لعن نفراً منهم " فنزل قوله : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ … } الآية " . وقيل : " إن نفراً من المسلمين انهزموا ، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزل : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ } ، فأمره بكف الدعاء عنهم ، والله أعلم بالقصّة في ذلك . وقوله : { أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ } : فإن كانت القصة في الكفار فكأنه طلب التوبة والهدى ، وأفرط في الشفقة فقال : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } فيهديهم لدينه ، { أَوْ يُعَذِّبَهُمْ } على كفرهم ؛ { فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } ؛ كقوله : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ } [ القصص : 56 ] . فإن كان في المؤمنين فقوله : { يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } عن ذنبهم الذي ارتكبوا ، { أَوْ يُعَذِّبَهُمْ } بنذبهم ، ولا يعفو عنهم ، والله أعلم بذلك . وقوله : { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ … } الآية . فيه دلالة ما ذكرنا في قوله : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ } إنما الأمر إلى الله ، الذي له ما في السماوات وما في الأرض ، هو الذي يغفر لمن يشاء ، ويعذب من يشاء . وفي قوله : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ } جواز العمل بالاجتهاد ؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - عمل بالاجتهاد لا بالأمر ، حتى منع عنه ، والله أعلم . قال الشيخ - رحمه الله - قوله : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ } يحتمل أن يكون على أثر أمر مما جبل عليه البشر ما رأى في ذلك صلاح الخلق ، ومما عليه التدبير بحيث الإطلاق فقيل هذا ، وإن كان على ما رأيت فليس لك من أمر هذا شيء ، وإنما الذي إليك الصفح عن ذلك والإعراض ، والله أعلم ما كان . ويحتمل أن يكون يبتدئ القول به من غير أن يسبق منه ما يعاتب عليه أو يمنع منه ؛ ليكون - أبداً - مُتَقبلا الإذن له في كل شيء والأمر ، ولا يطمع نفسه في شيء لم يسبق له البشارة به ، على أن النهي والوعيد أمران جائزان ، وإن كان قد عصم عن ركوب المنهي ، ووجوب الوعيد ؛ إذ هناك تظهر رتبة العصمة ، ولا قوة إلا بالله . والظاهر أن يكون على إثر أمر استعجل ذلك من : دعاء الإهلاك أو الهداية لقبول الحق والخضوع له ؛ فيقول : ليس لك شيء من ذلك في أحد على الإشارة إليه ، إنما ذلك إلى الله ، يصنع فيهم ما عنده من الثواب أو التعذيب ، على قدر ما يعلم من إقبالهم على الطاعة له أو نفاذهم عنها ، والله أعلم .