Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 130-132)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَٰواْ أَضْعَٰفاً مُّضَٰعَفَةً } . قوله : { لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَٰواْ } - كقوله : { وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَٰواْ } [ البقرة : 278 ] ففيه نهي عن الأخذ ، كقوله : { وَأَخْذِهِمُ ٱلرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ } [ النساء : 161 ] ؛ فعلى ذلك قوله : { لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَٰواْ } ، أي : لا تأخذوا . وقوله : { أَضْعَٰفاً مُّضَٰعَفَةً } . فإن قيل : ما معنى النهي عن المضاعفة وغير المضاعفة حرام ؟ ! لكنه يحتمل هذا وجوهاً : يحتمل : أن يكون هذا قبل تحريم الربا ، فنهوا عن أخذ المضاعفة . ويحتمل قوله : { لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَٰواْ } : أي : لا تكثروا أموالكم بأخذ المضاعفة . ويحتمل : { أَضْعَٰفاً مُّضَٰعَفَةً } ، أي : لا تصرّوا على استحلال الرّبا فتثبتون عليه آخر الأبد . ويحتمل : { أَضْعَٰفاً مُّضَٰعَفَةً } : تضعيف العذاب . ويحتمل ما قيل : كان أحدهم يبايع الرجل إلى أجل ، فإذا حل الأجل زاد في الربح ، وزاد الآخر في الأجل ، وذلك كان ربا الجاهلية . قال الشيخ - رحمه الله - في قوله : { لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَٰواْ } . يحتمل الأكل ؛ لأنه نهاية كل كسب . ويحتمل الأخذ ؛ كقوله : { وَأَخْذِهِمُ ٱلرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ } [ النساء : 161 ] وقوله : { وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَٰواْ } [ البقرة : 278 ] ، وقوله : { أَضْعَٰفاً مُّضَٰعَفَةً } : في الأخذ ، أي : لا تأخذوا لتُكَثِّروا أموالكم ، أو تقصدوا بذلك تضاعف أموالكم إلى غير حد ؛ وليس فيه أن القليل ليس بمحرم ، لكن ذلك هو مقصود أكله ؛ فنهوا عن ذلك ، وحرمة القليل بغير ذلك من ليُكَثِّروا أن يكون في نازلة عليها ، خرج النهي لا على الإذن بدون ذلك ، ولو كان على حقيقة الأكل فهو على النهي عن التوسع بالربا أو بالأمر بالعود إلى ما لا ربا فيه ، وإن كان في ذلك ضيق ، والله أعلم . ويحتمل أن يكون في الآية إضمار ؛ فيقول : لا تأكلوا الربا ؛ لأنكم إن أكلتموه بعد العلم بالتحريم - تضاعفت عليكم المآثم والعقوبات ، وقد جعل الله للربا أعلاماً دلت على ما غلظ شأنها ؛ نحو ما وصف من لا يتقيه لا ينفيه بالخروج بحرب الله وحرب رسوله صلى الله عليه وسلم وبالتخبط يوم القيامة ، وانتفاخ البطن وما جرى في معاقبة اليهود ، وبتحريم أشياء لمكان ذلك ، وقوم شعيب ما حل بهم بلزومهم بتعاطي الربا ، والله أعلم ، { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } ولا تأخذوا الربا ولا تستحلوه { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } . وقوله : { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِيۤ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } . فيه دلالة أنها إنما أعدت للكافرين ، لم تعدَّ لغيرهم ، فذلك يرد على المعتزلة ؛ حيث خلدوا صاحب الكبيرة في النار ، والله - تعالى - يقول : إنها أعدت للكافرين ، وهم يقولون : ولغير الكافرين . قال الشيخ - رحمه الله - في قوله : { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } : يحتمل : للذين اتقوا الشرك ؛ كقوله : { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 2 ] . ويحتمل : للذين اتقوا جميع أنواع المعاصي : فإن كان التأويل هو الأول - فكل من لم يستحق بفعله اسم الكفر - فهو في الآية ؛ إذ قال في النار : { أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } ، لم يجز أن تكون هي أبداً لغيرهم ؛ لوجهين : أحدهما : إذ لا يجوز أن تكون الجنة المتخذة للمؤمنين تكون لغيرهم ؛ فكذلك النار المعدة للكافرين ، وهذا أولى بجواز القول في إيجاب الجنة لمن لا يكون منه الإيمان ؛ نحو الذرية ، وفساد القول فيهم بالنار ، والله أعلم . والثاني : أنها إذا جعلت لغيرهم أو أعدت لغيرهم - كان لا يكون للكفر فضل هيبة ولفعله فضل فزع في القلوب بوجود ذلك ، ومعلوم أن ذلك بالعواقب لا بنفس الفعل - ثبت أنه لا يجب خلود من ليس بكافر فيها حتى يكون ممن أعدّت له ، ولغير أثر وتحذير لا تحقيق ذلك كله ، والله أعلم . وإن كان التأويل هو الثاني من اتقاء جميع المعاصي ؛ فيكون لذلك بعد عبارتان : إحداهما : أن قد ظهر أهل الجنة وأهل النار ، وبينهم قوم لم تبلغ بهم الذنوب الشرك ، فيدخلون في الوعيد بالنار المعدة لهم ، ولا اتقوا جميع المعاصي ؛ فيكونون في الوعد المطلق فيمن أعدت له الجنة ؛ فحقه الوقف فيه حتى يظهر ذلك في قوله : { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [ النساء : 116 ] ، وفي قوله : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ } [ الأحقاف : 16 ] وقوله : { وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ } [ التوبة : 102 ] الآية ، وغير ذلك من آيات العفو والمغفرة ، وما كان ذلك واجباً في الحكمة ، فيكون القائم به يستحق وصف العدل لا العفو والمغفرة - ثبت أن ذلك فيما قد وجب ، أو يكون فيمن يجزيهم جزاءهم ويدخلهم الجنة ؛ إذ أخبر أنه لا يجزي السيئة إلا بمثلها ، وبالتخليد مضاعفة ذلك من وجهين : أحدهما : أنه عذاب الكفر ، وهذا دونه . والثاني : منع لذة الحسنة بكليتها ، بل حق ذلك أن يكون كقوله : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } الآية [ الزلزلة : 7 ] أن يجزي بالأمرين جميعاً ، ولا قوة إلا بالله . والثاني : أنه قد جاء بمقابل السيئة من الحسنات ، ومقابل كل أنواع من المعاصي من الطاعات ، وقد وعد على الحسنة عشر أمثالها ؛ فمحال أن يقابل مثل الذي دون الشرك من السيئات - الشرك في إحباط العمل ، ولا يقابل مثل الذي دون الإيمان الإيمانَ في إحباط الذنوب ، ويجب له الجنة ، ثم مع ذلك الإيمان الذي لا أرفع منه ، وهو الذي بعثه على الخوف والرجاء وقت الإساءة ، وعلى أنه لو خشي على نفسه كل بلاء ورجا كل نفع في الكفر بربه - لم يؤثر ذلك مع ما وعد على الحسنة عشر أمثالها ، ثم يبطل لذة ذلك كله ، ويلزم الخلق القول فيه بالكرم والعفو والرحمة ، ولا قوة إلا بالله . وقوله : { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ } . ذكر - والله أعلم - طاعة الرسول ؛ لأن من الناس من لا يرى طاعة الرسول ؛ فأمر - عز وجل - بطاعة رسوله - لئلا يخالفوا أمر الله ولا أمر رسوله ، وأن من أطاع الله ولم ير طاعة رسوله فهو لم يطع الله في الحقيقة . ويحتمل : { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ } في أمره ونهيه ، وأطيعوا الرسول فيما بين في سننه أو دعا أو بلغ ، والقصد في الآية إلى فرض طاعة الرسول ، وأطيعوا الرسول في أمره ونهيه ، كما أطعتم الله في أمره ونهيه .