Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 12-13)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } هذا - والله أعلم - في قوم قد علم الله - عز وجل - أنهم لا يؤمنون أبداً ؛ لذلك قال [ تعالى ] لنبيّه صلى الله عليه وسلم : أن قل لهم : { سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ … } الآية ، وإلا فلا يلحقه ذلك الوعيد ، والله أعلم ؛ لأن من الكفار من يسلم ومن لا يسلم ، [ وإلا فلا يلحق بالوعيد من الكفار من أسلم ] . وقوله : { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا } . فيه : فإن قال قائِل : ما في فئة قليلة ، وهى فئة أهل الإسلام ، في غلبة فئة كثيرة ، وهي فئة المشركين ؛ حيث غلبت فئةُ المسلمين - وهم قليل - فئةَ المشركين - وهم كثير - يوم بدر ، وقد يكون لأهل الكفر إذا كانوا قليلاً ، فغَلَبُوا على أهل الإسلام - آيةٌ . قيل : ليست الآية في الغلبة خاصّة ؛ لكن الآية فيها [ والله أعلم ] وفي غيرها من وجوه : أحدها : أن غلبة المسلمين ، مع ضعف أبدانهم ، وقلة عددهم ، وخروجهم لا على وجه الحرب والقتال - المشركين مع قوة أبدانهم ، وكثرة عددهم ، واستعدادهم للحرب ، وخروجهم على ذلك ، والقتال - آيةٌ ، وعلم العدو أنْ ليس لهم فئة ، ولا لهم رجاء المدد ، وأنْ لا غياث لهم من البشر ، وذلك آية الجرأة وعلامة الشجاعة ، ومعه آمَنُ ، والله أعلم . والثاني : [ أن ] ما روي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ كفاً من تراب ، فرماه على وجوههم ، وقال : " شَاهَتِ الوُجُوُه " ؛ فامتلأت أعينهم من ذلك وعموا ؛ حتى انهزموا ؛ فصار آية . والثالث : ما قيل : إن أبا جهل قام فدعا فقال : " أيُّنا أَحَقُّ دِيناً ، وَأوصَلُ رَحِماً ؛ فَانْصُرْهُ ، واجْعِلِ الغَلَبَةَ والْهَزِيمَةَ عَلَى الآخَرِ " ، فأستجيبت ؛ فكانت الغلبة والهزيمة عليهم ؛ فكان آية . والرابع : ما أعان الملائكةُ المسلمين ، وبعثهم الله - عز وجل - مدداً لنصرة المؤمنين على الكافرين يوم بدر ؛ فذلك آية . ووجه آخر : ما ذكرنا أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا خرجوا شبه العير بغير سلاح ، غير مستعدين للقتال على علم منهم بذلك ، وأولئك خرجوا مستعدين لذلك ، فكان ما ذكر ، والله أعلم . قال الشيخ - رحمه الله - : في ذكر القليل في الأعين من الجانبين آيةٌ عظيمة ؛ إذ هي حسّية ، والحواس تؤدي عن المحسوسات حقائقها ، فجعلها الله بحيث لا تؤدي ؛ لما قال : { لِّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً } [ الأنفال : 42 ] ؛ فيحتمل أن يكون المراد مما ذكر من الآية في أمر الفئتين - هذا ، والله أعلم . وقوله : { يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ ٱلْعَيْنِ } . وفي بعض القراءات : " ترونهم " بالتاء : يرى المؤمنون أولئك مثلي أنفسهم لا أكثر ، وهم كانوا ثلاثة أمثالهم ، على ما روي في القصة ؛ وهذا لما جعل الحق عليهم قيام الواحد من المسلمين بالاثنين منهم ، مع ضعفهم ؛ لجهدهم في العبادات ، ويلوغهم الغاية من احتمال الشدائد والمشقات . أخبر - عز وجل - بمعرفتهم أمر أهل الحرب ، وشدة رغبتهم في تعلمهم ما يحتاجون في الحرب والقتال ؛ ولهذا قالوا : إن الله - عز وجل - علم المؤمنين جميع ما يحتاجون في الحرب من الآداب وغيرها في الكتاب ؛ كقوله : { إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ } [ الأنفال : 45 ] : أمرهم بالتثبت ، ثم قال : { فَلاَ تُوَلُّوهُمُ ٱلأَدْبَارَ } [ الأنفال : 15 ] ، وقال : { وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ } [ الأنفال : 46 ] : فجعل التنازع الواقع بينهم - على خلاف بعضهم بعضاً - سببَ الهزيمة ؛ ففيه أمر بالاجتماع ، وجعل التدبير واحداً ، والطاعة لإمامهم . وقوله : { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ } : وإنما كان عبرة ؛ لما ذكرنا من خروج المؤمنين بقلة عددهم ، وضعف أبدانهم ، بلا استعداد للحرب والقتال ، إنما هو خروج شبه العير ، وخروج أولئِك بالعدة مع قوة أبدانهم ، وكثرة عددهم ، وطمع المدد لهم ، ولم يكن للمسلمين ذلك ؛ ففي مثل غلبة المؤمنين الكافرين ، والظفر بهم ، والنصر لهم عليهم ، على الوصف الذي وصفناهم - عبرةٌ وآيةٌ لأولي الأبصار والعبر .