Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 133-133)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : - عز وجل - { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } . يحتمل أن يكون هذا موصولا بقوله - عز وجل - : { لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَٰواْ أَضْعَٰفاً مُّضَٰعَفَةً } [ آل عمران : 130 ] أي : لا تأخذوا الربا أضعافا مضاعفة فتكثروا أموالكم ، وحقيقته : وسارعوا إلى ما فيه وعد المغفرة من ربكم : بالإجابة له إلى ما دعا ، والقيام به بحق الوفاء . وقوله : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في استحلال الربا ؛ لأن من استحل محرما فقد كفر ، وحقيقته : اتقوا ما أوعدكم ربكم عليه النار . وأصل الطاعة : الائتمار بأمر المطاع في كل أمر ، فمن أطاع الله فيما أمر ، وأطاع رسوله - رحمه ربه ، وفي الطاعة رحمة الخلق ؛ على ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لَنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ [ حَتَّى ] تَرَاحَمُوا ؛ قَالُوا : كُلُّنَا نَرْحَمُ يَا رَسُولَ اللهِ ؛ قَالَ : لَيْسَ رَحْمَةَ الرَّجُلِ وَلَدَهُ ؛ وَلَكِنَّهُ رَحْمَةٌ عَامَّةٌ " . قوله : { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ } في تحريم الربا ، وأطيعوا الرسول : في تبليغه إليكم تحريم الربا والنهي عن أخذه . { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } : أي : ارحموا الناس وترحموهم في ترك أخذ الربا ، ترحمون أنتم ، وتنجون من النار ومن عذاب الله . ثم قال : { وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } . أي : بادروا بالتوبة والرجوع عن استحلال الربا والترك عن أخذه ، والمغفرة هي فعل الله ، لكنه - والله أعلم - كأنه قال : بادروا إلى الأسباب التي بها تستوجبون المغفرة من ربكم ، والمغفرة : هي الستر في اللغة . ثم يحتمل وجهين : يحتمل : ألا يهتك أستاركم في الآخرة إذا تبتم . ويحتمل : أن ينسى عليكم سيئاتكم في الجنة ؛ لأن ذكر المساوئ في الجنة تنقص عليهم نعمه ، فأخبر - عزّ وجلّ - أنّه ينسيهم مساوئهم في الجنة ؛ لئلا ينقص ذلك عليهم ، والله أعلم . وقوله : - عز وجل - : { وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ } : وبادروا - أيضاً - بالتوبة عن استحلال الربا إلى جنة عرضها السماوات والأرض ، فمعنى ضرب مثل الجنة بضرب السماوات والأرض ، وذلك - والله أعلم - ذكر هو أن للسماوات والأرض أحوالاً ليست تلك الأحوال لغيرها من الخلائق ؛ بقوله - عز وجل - : { لَخَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ } [ غافر : 57 ] ؛ وذلك أنهما عندهم من أشد الخلائق وأقواها ، فقال : إن الذي قدر على اتخاذ ما هو أشدّ وأقوى وأصلب - لقادر على إنشاء ما هو دونه ، وهو هذا العالم الصغير . ووصف - أيضاً - السّماوات والأرض بالغلظ والكثافة والشدة ؛ لقوله - عز وجل - : { سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ } [ البقرة : 29 ] { شِدَاداً } [ النبأ : 12 ] وغلاظاً ، ثم أخبر - عز وجل - أنها مع غلظها وكثافتها تكاد أن تنشق لعظيم ما قالوا بأن لله ولداً وشريكاً بقوله : { تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً } [ مريم : 90 - 91 ] ؛ ليعلموا عظيم القول وقبحه ؛ لئلا يقولوا في الله ما لا يليق به . ووصف - أيضاً - السّماوات والأرض بالدوام إلى وقت يبعد فناؤها في أوهام الخلق ، وإن كانا فانيان بقوله - عزَّ وجل - : { خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ } [ هود : 107 ] ، فإذا كان للسماوات والأرض ما ذكرنا من الأحوال عند الخلق ، ليست تلك الأحوال لغيرها من الخلائق ؛ من شدتها وقوتها ، وصلابتها وكثافتها وسعتها - شبه عرض جنته وسعتها بسعة السماوات والأرض وعرضهما ؛ لما هما عند الخلق ليسا بذوي نهاية ، وإن كانا ذوي نهاية وغاية ؛ كما وصف أهل الجنة وأهل النّار بالدوام فيهما بدوام السّماوات والأرض ، وإن كانا فيهما غير دائمين أبداً ؛ لبعد فنائهما عن أوهام الخلق ؛ فعلى ذلك الأول ، والله أعلم . وفيه دلالة أن الجنة ذو نهاية المكان في العرض ، وإن لم تكن بذات نهاية الوقت غايته ؛ لأنه ذكر العرض لها ، وكل ذي عرض يحتمل نهاية عرضه - والله أعلم - ولو لم يكن ذا نهاية من حيث العرض ، فكأن الله غير موصوف بالقدرة على الزيادة ، ومن زال عنه وصف ذلك - انقطع عنه الطمع ، واضمحل الرجاء . وبعد ، فإن ثم داراً أخرى سوى الجنة ، فأوجب ذلك نهاية الجنة من حيث العرض . إذ كان غير الجنة دار أخرى مثلها في ارتفاع نهاية الوقت ، وجائز وجود أمرين مختلفين على اتفاق في الوقت ، ومحال وجودهما في مكان واحد اتفاق بمكان ؛ لذلك لزم نهايتهما ، وإن زوالت عنهما نهاية الوقت . وقوله : - عز وجل - : { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } : والاتقاء : هو من الطاعة في كل أمره ونهيه ، وترك مخالفته في ذلك كله ، ثم سبب التقوى يكون بوجوه ثلاثة : بذكر عظمته وجلاله ورفعته عن مخالفة أمره ونهيه ؛ فيذله ذلك ويحقره ، فيمنعه عن مخالفته . أو بذكر نعمته وإحسانه ، فيمنعه ذلك عن ارتكاب ما نهي عنه حياء منهم . والثالث : بذكر نقمته وعذابه في مخالفة أمره ونهيه ؛ فيتقي بذلك عذاب الله ونقمته . قال الشيخ - رحمه الله - : وقوله - عز وجل - : { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } ، ثم فسَّر الذين يتقون إلى آخر ذلك ، فهو يحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون المراد : من أعدلت له ، [ له ] من جميع الذي ذكر . والثاني : أن يريد بـ { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * ٱلَّذِينَ } اتقوا الشرك بالذي أخبر - عز جل - بقوله : { إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } [ الأنفال : 38 ] . ثم وصفهم بالذي ذكر من الأفعال المحمودة ؛ لا أن ذلك بكليته شرط لأن يعد له الجنة حتى يحرم من لم يبلغ ذلك ، فإن كان على الأول - فكأنه وصف النهاية لمن اعدّت الجنة ، وقد يجوز أن يكون لهم أتباع في الشركة ، وإن لم يبلغوا تلك الرتبة بفضل الله ، أو بما أعطى من ذكر فيهم من الشفاعة ، أو بما شاركوا أولئك في أصل الاعتقاد بقبول ذلك ، وإن كان منهم تقصير على أنه قد يذكر في [ كل ] أمر من الأمور العظيمة ، والنهاية في ذلك على مشاركة من دونهم لهم في ذلك ، وعلى ذلك ما ذكر من بعث الرسل إلى الفراعنة على دخول من دونه من ذلك ، وعلى مخاطبة أهل الجلال في ذلك ، ودخول من دونهم في الحق ؛ وكذلك ذكر الخطاب في أهل الرفعة والعلو على تضمين من دون ذلك ؛ فكذلك الأول ؛ وكذلك الله - سبحانه - ذكر في القرآن من الكفرة الذين جمعوا مع الكفر العناد والتمرد ، وذكر أهل الإيمان الذين لهم مع ذلك الخيرات منّاً منه ، إن ذكر هؤلاء بأعلى [ ما استحقوا من الثناء ، والأول ] بأعلى ما به يصير لمَقْته ، من غير تخصيص في أصل له الوعد والوعيد ، إلا من حيث التشديد والتفضيل ، فمثله الأوَّل ؛ أيد ذلك قسمته أهل الجنة قسمين : السابقين ، - وَأَصْحَابَ اليَمِينِ ، ثم قال في الذين من ذكر : الذين { خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً } [ التوبة : 102 ] ، وقد بين في آخر ذلك ما يدل على ذلك ، وهو من ذكر من الذين يأتون الفواحش والظلم ، ثم { وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ } ، ويكون في ذلك وجهان : أحدهما : أن الله - تعالى - بمنِّه يوفقه لما يرضيه في آخر أمره ؛ ليختمه به ؛ إذ كان في وقت ارتكابه ما ارتكب ، وتقصيره فيما قصر - معتقداً جلال ربّه ، خائفاً عظمته ، راجياً رحمته ، معترضاً لما عرفه من الكرم والعفو ، فيكون هو شريك من ذكر في الخاتمة ، وإن كان منه تخلف عنه في الابتداء ، والله أعلم . أو أن يكون يجزيه عما قصر وفرط ؛ حتى يطهره مما كان من الخلط ؛ فيرجع إلى ما وافق الأول في جملة الاعتقاد ، فتكون معدة لمن جمع ذلك ، والجمع يكون بالذي ذكر ، أو بالعفو والجود ؛ إذ جعل الجزاء طريقة الجود والكرم ، لا الاستحقاق ، والله أعلم . وإن كان على معنى الثاني - فالآية تخرج مخرج الترغيب في جميع تلك الأوصاف ، وتكون الجنة في الإطلاق معدّة للمتقين ، الذين اتقوا الشركة والدرجات وما فيها من الفضائل والمراتب ، على قدر ما يبقى من أنواع الخلاف في الأفعال ، ويتوسل إلى الله - تعالى - بالمبادرة والمسارعة إلى ما فيه الرغائب ؛ وعلى ذلك أمر الوعد بتفضيل الدّرجات في الجنة ، وتفريق الدركات في النار ، على ما أعدت النار في الجملة للكفرة ، ويتفاوت أهلها بتفاوت الأفعال من الخلاف والتمرد ، والله الموفق . ثم السّبب الذي به يستعان على التقوى ثلاثة : أحدها : أن يذكر المرء عظمته وجلاله وقدرته عليه في كل أحواله ؛ فيتقي مخالتفه بالهيبة والإجلال . والثاني : أن يذكر عظم منّته عليه ، ونعمه عنده ، وأياديه التي فيها يتقلب ، وبها يتمتع ؛ فيتقيه حياء منه . والثالث : أن يذكر نفسه عظم نقمته الموعودة ، وعذابه المعد لأهل الخلاف له ؛ فيتقيه إشفاقاً على نفسه ، والله الموفق . وجملة ذلك : أن من تأمل ما إليه مرجعه ، والذي منه بدؤه وما فيه متقلبه ، من أول أحواله إلى منتهى آجاله ، حتى صيّر ذلك كله كالعيان لقبله - سَهُل عليه وجه التقوى ؛ لما عند ذلك تذهب شهواته ، وتضمحل أمانيه ، والله الموفق .