Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 143-145)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ } : قيل فيه بوجهين : قيل : قوله - عز وجل - : تمنون ما فيه الموت ، وهو القتال . وقيل : تمنون الموت نفس الموت . ثم يحتمل وجوهاً : يحتمل : يتمنون إشفاقاً على دينهم الإسلام ؛ لئلا يخرجوا من الدنيا على غير دينهم الذي هم عليه ، ويحتمل أن يكونوا تمنوا الموت ، لينجوا أو يتخلصوا من تعذيب الكفار إيّاهم وتغييرهم ؛ على ما قيل : إن أهل مكة كانوا يعذبونهم ، طلبوا النجاة منهم والخلاص ، والله أعلم . وقيل : يتمنون الموت ، أي : يتمنون الشهادة ؛ لما سمعوا من عظيم الثواب وجزيل الأجر ، تمنوا أن يكونوا شهداء الله - عز وجل - أحياء عند ربهم ، والله أعلم . وقيل : في قوله - عز وجل - : { تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ } : وذلك حين أخبر الله - عزّ وجلّ - عن قتلى بدر ، وما هم فيه من الخير ؛ فتمنوا يوماً مثل يوم بدر ؛ فأراهم الله يوم أحد [ فانهزموا ] ، فعوتبوا على ذلك بقوله : { تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ } ، يعني : يوم أحد . وقوله : - عز وجل - : { فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ } . يحتمل [ أيضاً ] وجوهاً : يحتمل : فقد رأيتم أسباب الموت وأهواله . ويحتمل : فقد رأيتم أصحابكم الذين قتلوا بين أيديكم ، على تأويل من صرف قوله - عز وجل - : { تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ } إلى القتال ، والله أعلم . وقوله - عزّ وجلّ - : { وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } . يحتمل : { وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } إلى الموت ، يعني : إلى موت أصحابكم أو إلى القتال . ويحتمل : { وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } ، أي : تعلمون أنكم كنتم تمنون الموت ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ } : يحتمل هذا وجهين : يحتمل : - والله أعلم - : أن يقول لهم : إنكم لما آمنتم بمحمّد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث لم تؤمنوا به ؛ لأنّه محمّد [ رسول الله صلى الله عليه وسلم ] ، ولكن آمنتم بالذي أرسله إليكم ، والمُرْسِل حي ، وإن كان محمد صلى الله عليه وسلم قتل أو مات على زعمكم ؛ فكيف أنقبلتم على أعقابكم ؟ ! . قال الشيخ : رحمه الله - : في الآية خبر بانقلاب من علم الله أنه يرتد بموت رسول الله صلى الله وسلم كقوله - عز وجل - : { وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ } [ البقرة : 217 ] . والشاكرون : الذين جاهدوهم ، قد أخبر الله - تعالى - أنه يحبّهم ويحبّونه . وقال الحسن : إن أبا بكر الصّديق - رضي الله عنه - كان - والله - إمام الشاكرين . ويحتمل وجهاً آخر ، وهو أن من كان قبلكم من قوم موسى وعيسى - عليهما السلام - كانوا يكذبون رسلهم ما داموا أحيّاء ؛ حتى قال لهم موسى - عليه السلام - { يٰقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ } [ الصف : 5 ] ، وكذلك قال عيسى - عليه السلام - : { يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً } الآية [ الصف : 6 ] ، فإذا ماتوا ادعوا أنهم على دينهم ، وأنهم صدقوهم فيما دعوهم إليه ، وإن لم يكونوا على ذلك ، فلم ينقلبوا على أعاقبهم ؛ فيكف تنقلبون أنتم على أعقابكم إن مات محمد صلى الله عليه وسلم أو قتل ؟ ! . والانقلاب على الأعقاب : على الكناية والتمثيل ، ليس على التصريح ، وهو الرجوع إلى ماكانوا عليه من قبل من الدين . وقوله - عز وجل - : { وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً } : أي : من ارتدّ بعد الإسلام فلن يضرّ الله شيئاً ؛ لأنه لم يستعملهم لنفسه ، ولكن إنما استعملهم لأنفسهم ؛ ليستوجبوا بذلك الثواب الجزيل في الآخرة ، فإنما يضرون بذلك أنفسهم ، لا الله - تعالى . والثاني : أنه إنما يأمرهم ويكلفهم ؛ لحاجة أنفسهم ، لا أنه يأمر لحاجة نفسه ، ومن أمر آخر في الشاهد : إنما يأمر لحاجة نفس الآمر ، فإذا لم يأتمر لَحِق ضرر نَفْس ذلك الآمر ، فإذا كان الله - سبحانه - يتعالى عن أن يأمر لحاجته ؛ وإنما يأمر لحاجة المأمور ، فإذا ترك أمره - ضر نفسه ، وبالله التوفيق . { وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ } : قيل : الموحّدين لله . وقيل : الذين آمنوا وجاهدوا يجزيهم في الآخرة ، وكل متمسك بأمر الله ومؤتمر بأمره فهو شاكر . وقوله - عز وجل - : { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللهِ } : يحتمل قوله : { إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللهِ } ، أي : لا يموت إلا بقبض المسلط على قبض الأرواح - روحه ؛ كقوله : { قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ } [ السجدة : 11 ] : إن مات أو قتل . ويحتمل : { إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللهِ } : إلا بعلم الله . { كِتَٰباً مُّؤَجَّلاً } : قيل : وقتاً موقتاً ، لا يتقدم ولا يتأخر ، مات أو قتل ، ما لم تستوف رزقها وأجلها . وقيل : { كِتَٰباً مُّؤَجَّلاً } ، أي : مبيناً في اللوح المحفوظ ، مكتوباً فيه . وقوله : { وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا } : أي : من أراد بمحاسن أعماله الدنيا نؤته منها . { وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا } : أي : من يرد بأعماله الصّالحات ومحاسنه الآخرة نؤته منها . { وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ } : وهو كقوله : { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا } [ الشورى : 20 ] على قدر ما قدّر { وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } [ الشورى : 20 ] ؛ فكذلك هذا - أيضاً - والله أعلم .