Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 186-188)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { لَتُبْلَوُنَّ فِيۤ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ } : يحتمل الابتلاء في الأموال والأنفس : أن يُبْلَوْا بالنقصان فيها ؛ كقوله - عزَّ وجَلَّ - : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ … } الآية [ البقرة : 155 ] . ويحتمل : أن يُبْلَوْا بما جعل فيها من العبادات ، [ من نحو : الزكاة في الأموال والصدقات والحقوق التي جعل فيها ، وفي الأنفس : من العبادات ] : من الصلاة والجهاد والحج ، وغيرها من العبادات ، و الله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } : يعني : الذين لهم علم بالكتاب ومن غيرهم . { أَذًى كَثِيراً } [ أي : تسمعون أنتم من هؤلاء أذى كثيراً ، على ما سمع إخوانكم الذين كانوا من قبلكم من أقوامهم أذى كثيراً ] ؛ كقوله - عز وجل - : { فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ } [ آل عمران : 184 ] . وقوله - عز وجل - : { وَإِن تَصْبِرُواْ } : على أذاهم . { وَتَتَّقُواْ } : مكافأتهم ، على ما صبر أولئك واتقوا مكافأتهم . { فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } : قيل : من خير الأمور ؛ هذا يحتمل . وقيل : { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } من قولهم : عزير ابن الله ، والمسيح ابن الله ، { وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ } ، يعني : العرب ، { أَذًى كَثِيراً } ، يعني : نصب الحروب فيما بينهم ، والقتال ، والسب وغير ذلك ، { وَإِن تَصْبِرُواْ } : على ذلك والطاعة له ، { وَتَتَّقُواْ } : معاصي الربِّ ، { فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } : ، يعني : من حزم الأمور . وقوله - عز وجل - : { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } : أي : الذين أوتوا العلم بالكتاب ، وأَخَذَ الميثاق ؛ ليبينوا ، أي : يُبَيِّنُوا للناس ما في الكتاب من الأمر والنهي ، وما يحل وما يحرم ، وغير ذلك من الأحكام ، ولا يكتموا ذلك . ويحتمل : أن أخذ عليهم الميثاق : أنْ بَيَّنُوا للناس بَعْثَ محمد صلى الله عليه وسلم وصِفَتَهُ ، ولا تكتموه بالتحريف وبترك البيان . وقوله : { فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ } أي : لم يعملوا بما فيه ، ولا بينوا للناس ؛ فهو كالمنبوذ وراء ظهروهم . { وَٱشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً … } الآية : قد ذكرنا معناه في غير موضع . وعن علي - رضي الله عنه - قال : " ما أخذ الله ميثاقاً على أهل الجهل بطلب العلم ، حتى أخذ ميثاقاً من أهل العلم ببيان العلم ؛ لأن العلم كان قبل الجهل " . وقوله - عز وجل - : { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ } : قيل : بما غيَّروا من نعت محمد صلى الله عليه وسلم وصفته في كتابهم وكتموه ، وتبديلهم الكتاب ، وإعجاب الناس ذلك وحمدهم على ذلك . وقيل : إن اليهود دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : نحن نعرفك ونصدقك - وليس ذلك في قلوبهم - فلما خرجوا من عند [ رسول الله ] صلى الله عليه وسلم قال لهم المسلمون : ما صنعتم ؟ فيقولون : عرفناه وصدقناه ؛ فيقول المسلمون : أحسنتم ، بارك الله فيكم : يحمدهم المسلمون على ما أظهروا من الإيمان ، وهم يحبون أن يحمدوا على ذلك ؛ فذلك تأويل قوله : { وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ } . وقيل : إنهم قالوا : نحن أهل الكتاب الأول والعلم ، وأهل الصلاة والزكاة . ولم يكونوا كذلك ، وأحبُّوا أن يحمدوا على ذلك ، والله أعلم بالقصَِّة . وفي قوله - عز وجل أيضاً - : { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوْاْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ … } الآية - دلّ ما ذم الله عباده ، وأوعدهم عليه أليم عقابه فيما أحبُّوا الحمد على ما لم يفعلوا - على تعالى الربِّ عن قول المعتزلة في قولهم : ليس لله في الإيمان تدبير سوى الأمر ، ولا صُنْعٌ ، وقد أحبَّ أن يحمد عليه بقوله - عز وجل - : { أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } [ الفاتحة : 7 ] ، بقوله - عز وجل - : { بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ } [ الحجرات : 17 ] ، وقولهِ - تعالى - : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } [ النور : 10 ] في غير موضع من القرآن ، ولا قوة إلا بالله .