Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 48-51)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَيُعَلِّمُهُ ٱلْكِتَٰبَ } : بشارة منه لها - أيضاً - : أنه يعلمه الكتاب ، ثم اختلف في { ٱلْكِتَٰبَ } ؛ قيل : { ٱلْكِتَٰبَ } : الخط ههنا يخط بيده ، ويحتمل { ٱلْكِتَٰبَ } : الكتاب نفسه : التوراة والإنجيل ، ويحتمل { ٱلْكِتَٰبَ } : كتب النبيين . { وَٱلْحِكْمَةَ } ؛ قيل : الحكم بين الخلق ، وقيل : الفقه ، وقيل : الحلال والحرام ، وقيل : السنة . { وَٱلْحِكْمَةَ } : هي الإصابة ، وقد ذكرناه فيما تقدم . وقوله : { وَرَسُولاً إِلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } : أي : [ جعله رسولاً إلى بني إسرائيل ] ، وهذا - أيضاً - بشارة لها منه ، وكان عيسى صلى الله عليه وسلم من أوَّل أمره إلى آخره آية ؛ لأنه ولد من غير أب ، على خلاف ما كان سائر البشر ، يكلم الناس في المهد ، وأقرَّ بالعبودية له ، ولم يكن لأحد من البشر ذلك ، وإبراء الأكمة والأبرص ، وإحياء الموتى ، وأنباء ما كانوا يأكلون ويدَّخرون ، وما كان له مأوى يأوي إليه ، ولا عيش يتعيش هو به ، والبشر لا يخلو عن ذلك ، ثم ألقى شبهه على غيره ؛ فقتل به ، ورفع هو إلى السماء ؛ وذلك كله آية ، وكانت آياته كلها حسِّية يعلمها كل أحد ، وآيات رسول الله - عليه أفضل الصلوات وأكمل التحيات - كانت حسِّية وعقلية : أمَّا الحسِّية : فهو انشقاق القمر ، ونبع الماء من بين أصابعه ، وكلام الشاة المسمومة ، وقطع مسيرة شهر في ليلة ، وغير ذلك من الآيات مما يكثر عددها ؛ هذه كلها كانت حسِّية . وَأمَّا العقلية : فهذا القرآن الذي نزل عليه ، وهو بين أظهرهم ، وهم فصحاء وبلغاء وحكماء ، يتلى عليهم : { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ … } الآية [ البقرة : 23 ] ، وقوله : { قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنْسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً } [ الإسراء : 88 ] ، فلو كان بهم طاقة أو قدرة أن يأتوا بمثله ، لجهدوا كل جهد ، وتكلفوا كل تكلف ؛ حتى يطفئوا هذا النور ؛ ليتخلصوا عن قتلهم ، وسبي ذراريهم ، واستحياء نسائهم ، فلمَّا لم يفعلوا ذلك - دَلَّ أنه كان آية معجزة ، عجزوا جميعاً عن إتيان مثله ، فأيّ آية تكون أعظم من هذا ؟ ! وبالله المعونة والنجاة . وقوله : { أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } : أي : بعلامة أني رسول منه إليكم ، ثم فسَّر الآية ، فقال : { أَنِيۤ أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ ٱللَّهِ } . قوله : { أَنِيۤ أَخْلُقُ لَكُمْ } . هو على المجاز ، لا على التخليق [ والتكوين ] ؛ لأن الخلق ليس هو من فعل المخلوق ، وإنما هو من فعل الله - عزَّ وجلَّ - لأن التخليق : هو الإخراج من العدم إلى الوجود ، وذلك فعل الله - تعالى - لا يقدر المخلوق على ذلك ؛ فهو على المجاز ؛ ألا ترى أنه قال في آخره : { وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } ، وليس إلى الخلق تحليل شيء أو تحريمه ، إنما ذلك إلى الله - عز وجل - فمعناه : أني أظهر لكم حل بعض ما حرم عليكم ؛ فعلى ذلك قوله : { أَنِيۤ أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ } أي : أظهر لكم بيدي ما خلق الله من الطين طائراً ؛ فيكون آية لرسالتي إليكم ؛ وكذلك الآيات ليس مما ينشئ الأنبياء ، ولكن تظهر على أيديهم . وإنما لم يجز إضافة التخليق إلى الخلق ؛ لما ذكرنا : أنه إخراج الشيء من العدم إلى الوجود ، وذلك ليس إلى الخلق . والثاني : أن التخليق هو إخراج الفعل على التقدير ، وفعل العبد إنما يخرج على تقدير الله ، لا يخرج على تقديره ؛ لذلك لم يجز إضافة ذلك إلى الخلق ، إلا على المجاز . والله أعلم . قال الشيخ - رحمه الله - : الخلق : اسم المجاز والحقيقة ، والتخليق : فعل حقيقة خاصَّة ، وآيات الأنبياء - عليهم السلام - هي التي تخرج على خلاف الأمر المعتاد فيما بينهم ، يجريها الله - سبحانه وتعالى - على أيديهم ؛ ليعلموا أن ذلك لم يكن بهم ، إنما كان ذلك بالمُرْسِل الذي أرسلهم ؛ ليدل على صدقهم ، ولا قوة إلا بالله . " وإبراء الأكمه والأبرص " هو من آيات النبوة ؛ لخروجها عن الأمر المعتاد فيما بينهم . فإن قيل : إن إحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص من آيات النبوة ؛ [ لعجزهم عن إتيان مثله ، وخروجه عن المعتاد فيما بينهم ، ولكن أنباء ما يأكلون وما يدَّخرون لِمَ كان من آيات النبوة ] ، ويجوز أن يكون ذلك من منجِّم ؟ قيل : له جوابان - إن كان يكون مثل ذلك بالنجوم - : أحَدهما : أنه مضمون إلى الآيات ؛ فصار آية بما ضم إليها . والثاني : أن هذا - وإن كان يعلم بالنجوم - فعيسى - عليه السلام - لما علم قومه أنه لم يختلف إلى أحد في تعلم علم النجوم ، ثم عرف ذلك وأنبأهم بذلك - دل أنه إنما علم ذلك بالله ؛ فكان آية ، وبالله التوفيق . مع ما كان في قومه أطباء وحكماء وبصراء - لم يَدَّعِ أحد شيئاً من هذه الآيات التي جاء بها عيسى - عليه السلام - دل ترك اشتغالهم في ذلك على إقرارهم بأنها آية سماوية ، لكنهم تعاندوا وكابروا فلم يؤمنوا به . قال الشيخ - رحمه الله - : الخلق : اسم المجاز والحقيقة ، والتخليق : فعل حقيقة خاصَّة . وقوله : { بِإِذْنِ ٱللَّهِ } . قيل : بأمر الله . وقيل : بمشيئة الله . واختلف في " الأكمه " : عن مجاهد ، قال : " الأكمه : الذي يبصر بالنهار ، ولا يبصر بالليل " . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - : " الأكمه : الأعمى الممسوح العين " ، وقيل : هو الذي ولد من أمِّه أعمى لا يتكلف أحد [ من ] الأطباء إبراء مثله ، ولا اشتغل بدوائه ، دل أنه عرف ذلك بالله تعالى ، والأطباء يتكلفون في دفع العلل العارضة الحادثة ، وأما ما كان خلقه من جِبِلَّة - فلا . وقوله : { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } : قيل : قال : إن هذا آية لكم ؛ إن كنتم صدقتم أني رسول الله إليكم . وقيل : قال : إن في ذلك لآية لكم في رسالتي ؛ إن كنتم مؤمنين بالمُرْسِل . ويحتمل : { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } أي : بالآيات أنها تُعَرِّفُ مَا جُعِلْنَ له ، والله أعلم . وقوله : { وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ … } الآية : ما ذكر . وقوله : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } : يحتمل : فاتقوا الله في تكذيبي في الآيات ، و { وَأَطِيعُونِ } في تصديقي . وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } : ظاهر ، قد ذكرنا فيما تقدم .