Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 52-53)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ } : قيل : أحسَّ : علم . وقيل : أحسَّ : رأي ؛ وهو كقوله : { هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ } [ مريم : 98 ] . وقيل : أحسّ ، أي : وجد ، وهو قول الكيساني ، وقيل : عرف ؛ وهو كله واحد . ثم قوله : { فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } : يحتمل - والله أعلم - أن قومه لما سألوه أن يسأل ربه أن ينزل عليهم مائدة من السماء ؛ تكون لهم آية لرسالته وصدقه ؛ ففعل الله - عز وجل - ذلك ، وأنزل عليهم المائدة ، ثم أخبر أن من كفر منهم بعد إنزال المائدة يعذبه عذاباً لا يعذبه أحداً ، فكفروا به ؛ فعلم أن العذاب ينزل عليهم ؛ فأحبَّ أ ن يخرج بمن آمن به ؛ لئلا يأخذهم العذاب ، فقال : { مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } ؛ يؤيد ذلك قوله : { فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ … } الآية [ الصف : 14 ] . ويحتمل أن يكونوا أظهروا الإسلام له ، وكانوا في الحقيقة على خلاف ذلك ، فلما علم ذلك منهم ، وقد همُّوا على قتله ، قال عند ذلك : { مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } ؛ أحبَّ أن يكون معه أنصار مع الله ينصرونه ؛ فيظهر المؤمنون من غيرهم ، فنصرهم الله على أعدائهم ؛ ليظهر المؤمنون من غيرهم ، وهو قوله : { فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ } [ الصف : 14 ] . ومن الناس من يقول : إنه لم يكن في سُنَّةِ عيسى - عليه السلام - الأمر بالقتال ، وفي الآية إشارة إلى ذلك بقوله : { فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ } [ الصف : 14 ] أخبر أنهم أصبحوا ظاهرين على عدوهم ؛ فلا يخلو إمَّا أن يكون قتالاً أو غلبة بحجة أو شيء ما يقهرهم ، والله أعلم . وقوله : { قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ } : اختلف في الحواريين : قال بعضهم : هم القصَّارون الغسَّالون للثياب ، ومبيِّضوها . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : " إِنَّما سُمُّوا الحَوَارِيِّينَ ؛ لِبَيَاضِ ثِيَابِهِمْ " ، وكانوا يصيدون السَّمك . وقيل : الحواري : الوزير ، والناصر ، والخاص ؛ على ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إِن لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيِّينَ ، وَحَوَارِيِّي فُولانٌ وفُلانٌ " ، ذكر نفراً من الصحابة - [ رضوان الله عليهم أجمعين ] - وإنما أراد - والله أعلم - الناصر والوزير . ويحتمل أن يكون سمُّوا بذلك ؛ لصفاء قلوبهم ، وهم أصفياء عيسى ، [ عليه السلام ] . كذلك روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - والله أعلم بهم . وقوله : { نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ } . إن الله يتعالى عن أن يُنصَر ، ولكن يحتمل { نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ } ، أي : أنصار دين الله ، أو أنصار نبيه ، أو أنصار أوليائه ؛ تعظيماً . وكذلك قوله : { إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ } [ محمد : 7 ] : إن الله لا يُنْصَرُ ؛ ولكن يُنْصَرُ دِينُهُ أو رسلُهُ أو أولياؤه ؛ وهو كقوله : { يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ } [ البقرة : 9 ] : إن الله لا يُخَادَعُ ، ولا يمكر ، ولكن لما خادعوا أولياءه أو دينه ، أضاف ذلك إلى نفسه ؛ فعلى ذلك لما نصروا دين الله ونبيّه ووليّه ، أضاف [ ذلك ] إلى نفسه . وقوله : { آمَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } الآية : ينقض قول من يجعل الإيمان غير الإسلام ؛ لأنهم أخبروا أنهم آمنوا ، وأنهم مسلمون ، لم يفرقوا بينهما ، وكذلك قوله : { فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [ الذاريات : 35 - 36 ] : لم يفصل بينهما ، وجعلهما واحداً ، وكذلك قول موسى لقومه : { وَقَالَ مُوسَىٰ يٰقَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِٱللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوۤاْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ } [ يونس : 84 ] لم يجعل بين الإيمان والإسلام فرقاً ، وهو قولنا : إن العمل فيهما واحد ؛ لأن الإيمان : بأن تصدق بأنك عبد الله ، والإسلام : أن تجعل نفسك لله سالماً . وقيل : الإيمان : اسم ما بطن ، والإسلام : اسم ما ظهر ؛ ألا ترى أنه جاز في الإسلام الشهادة ، وفي الإيمان التصديق ؟ ! . وقوله : { رَبَّنَآ آمَنَّا بِمَآ أَنزَلَتَ } . يعنى - والله أعلم - : بما أنزلت من الكتب السماوية التي أنزلها على الرسل جميعاً ، فإن أرادوا بما أنزلت على عيسى - عليه السلام - فالإيمان بواحد من الكتب أو بواحد من الرسل : إيمان بالكتب كلها وبالرسل جميعاً ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم .