Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 75-76)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَمِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ } : والقنطار ما تقدم ذكره ، { وَمِنْهُمْ مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ } : وصف - جلّ وعز - أهل الكتاب بعضهم بأداء الأمانة ، وبعضهم بالخيانة ، وليس المراد من الآية - والله أعلم - القنطار نفسه أو الدينار ، ولكن وصفهم بأن فيهم أمانة وخيانة ، قلّت الخيانة أو عظمت ، وكذلك الأمانة ؛ ألا ترى أنه يستحق الذم بدون القنطار والدينار إذا خان ، وكذلك يستحق الحمد إذا أدى بدون ذلك ؟ ! دلّ أنه لم يرد به التقدير ، ولكن على التمثيل ، وهو كقوله - عز وجل - : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } [ الزلزلة : 7 ] ليس على إرادة الذرّة ؛ ولكن على التمثيل أن لعمل الخير والشر جزاء وإن قل ؛ فكذلك الأول . وفيه دلالة جواز العمل بالاجتهاد ، ولما ذكر أنه لم يرد القدر الذي ذكره ؛ ولكن لمعنى فيه : بالاجتهاد يعرف لا بالنصوص ، وعن الشافعي - رضي الله عنه - : أن الدينار عنده مستكثر يحلف [ عليه ] مدّعيه عند المنبر ، والله - تعالى - جعله مستقلاًّ . وفيه دلالة - أيضاً - جواز شهادة بعضهم لبعض وعلى بعض ، إن كانت فيهم نزلت ، على ما قاله بعض أهل التأويل ؛ لأنه وصف - عز وجلّ - بعضهم بالأمانة في المال ، وإن كانت الأمانة لهم في الدّين والشهادة أمان ، والله أعلم . ويحتمل : أن تكون الآية فيمن أسلم منهم وصف بالأمانة ، ومن لم يسلم وصفهم بالخيانة ؛ على ما ذكر - عز وجل - مثله في آية أخرى : { وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } [ الأعراف : 159 ] : وصف - عز وجل - من آمن منهم بالعدالة والهدى ، ووصف الكفار بالخيانة في غير أي من القرآن . ويحتمل أن تكون الآية فيا ائتُمِنوا ، أو فيما جرى بينهم وبين المسلمين من المداينة من غير رهن ولا كفالة ؛ وهو كقوله : { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } [ البقرة : 283 ] : أمرهم بأداء الأمانة فيما ائتمنوا . وقوله : { إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً } : قيل : ملازماً مواظباً ، ملحاً ، دائماً ، متقاضياً . ومن عامل من المسلمين الناس هذه المعاملة يُخافُ دخوله في هذ النهي والوعيد . وقوله : { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي ٱلأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ } . قالوا ذلك ؛ لأنهم كانوا يستحلون أموال المسلمين ظلماً ، يقولون : لم يُجعل علينا في كتابنا لأموالهم حرمةُ أموالنا علينا ؛ يقولون : نحن أبناء الله وأحبّاؤه ، وأرادوا بالأمّيين : العرب ؛ إذ ليس لهم كتاب . وقيل : ذلك الاستحلال بأن قالوا : ليس علينا لله فيهم سبيل ، وأرادوا بالأميين : المسلمين ؛ على ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " نَحْنُ أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ ، لاَ نَحْسُبُ وَلاَ نَكْتُبُ " . وقيل : قالوا : لا حرج علينا في حبس أموالهم في التوراة ؛ فأكذبهم الله - عزّ وجلّ - بقوله : { وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ٱلْكَذِبَ } . بأنْ ليس في كتابهم حرمة أموالهم ، ولا لهم عليهم سبيل ، وهم يعلمون أنهم يكذبون على الله ، عز وجل . وقوله : { بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ } : يحتمل قوله : " بلى " ؛ ردّاً على قولهم : { لَيْسَ عَلَيْنَا فِي ٱلأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ } ؛ بل عليكم سبيل فيهم ، ثم ابتدأ الكلام فقال : { مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ } ، أي : هؤلاء الّذين يحبّهم الله لا أنتم . ويحتمل قوله : { بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ } : الذي عليه في التوراة أمر بأداء الأمانة ، وإظهار نعته صلى الله عليه وسلم وصفته التي فيها ، واتقاء محارمه وظلم الناس في ترك الوفاء ، وفي نقض العهد ، وصدق الله ورسوله ، ولم يكتم نعته وصفته - فإن الله يحبّهم ، والله أعلم .