Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 77-80)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ } : قيل : عهد الله : أمره ونهيه . يحتمل هذا العهد فيما عهدوا في التوراة ألا يكتموا نعته وصفته ؛ ولكن يظهرون ذلك للناس ويقرون به . { وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً } : أيمانهم التي حلفوا كذباً أن ليس نعته وصفته فيه ؛ مخافة ذهاب منافعهم . ويحتمل : أن حلفوا كذباً ، فأخذوا أموال الناس بالباطل والظلم ؛ وعلى ذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ ؛ لِيَقْطَعَ بِهَا مَالَ امْرِىءٍ مُسْلِم لَقِيَ الله - تعالى - وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ " وتلا هذه الآية : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً … } الآية . والعهد والإيمان سواء ؛ ألا ترى [ إلى قوله - عز وجل - : { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ ٱللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ ٱلأَيْمَانَ … } [ النحل : 91 ] الآية . ويحتمل عهد الله : ما قبلوا عن الله ] ، وما ألزمهم الله ، والأيمان : ما حلفوا ، والله أعلم . وقوله : { أُوْلَـٰئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ } : أي : لا نصيب لهم في الآخرة مما ذكروا أن لهم عند الله من الخيرات والحسنات ؛ كقوله : { حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } [ البقرة : 217 ] . وقوله : { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ } : يحتمل وجهين : يحتمل : أنه أراد بذلك كلام الملائكة الذين يأتون المؤمنين بالتحية والسلام من ربهم ؛ كقوله : { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } [ الرعد : 23 - 24 ] . وقوله : ( لا تكلمهم ) الملائكة ؛ على ما تكلم المؤمنين ، أضاف ذلك إلى نفسه ، على ما ذكرنا فيما تقدم من إضافة النصر إليه على إرادة أوليائه ؛ فكذلك هذا ، أو أن يكون الله - عز وجل - كان قد كلمهم بتكليم الملائكة إياهم ؛ لأنهم رسله ؛ فكان كقوله : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً } [ الشورى : 51 ] : صيّره ببعث الرسل كأنْ قد كلمهم هو ؛ فكذلك الأوّل . ويحتمل : أن يكون الله - عز وجل - يكرم المؤمنين في الجنة بكلامه عال ما كلم موسى في الدنيا ؛ فلا يكلمهم كما يكلم المؤمنين . ويحتمل : لا يكلمهم بالرحمة سوى أن يقول لهم : { ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [ المؤمنون : 108 ] ؛ وكقوله : { وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } . وقوله : { وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ } : نظر رحمة ، كما ينظر إلى المؤمنين بالرحمة . وقوله : { وَلاَ يُزَكِّيهِم } : أي : لا يجعل لخيراتهم ثواباً . ويحتمل : أن يكون هذا في قوم علم الله منهم أنهم لا يؤمنون أبداً ؛ فقال : لا يزكيهم ، أي : لا تزكو أعمالهم . وقوله : { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِٱلْكِتَابِ } : أي : كانوا يحرفون ألسنتهم بالكتاب على التعظيم والتبجيل : { لِتَحْسَبُوهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ } أي : كانوا يحرفون نعته - عليه أفضل الصلوات - وصفتَهُ ، ثم يتلونه على التعظيم والتبجيل ؛ ليحسبوه من الكتاب المنزل من السماء ، وما هو من الكتاب الذي أنزل من السماء . { وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللًّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } وهو كقوله - عز وجل - : { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً } [ البقرة : 79 ] . { وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أنهم يكذبون على الله ، وأن ذلك ليس هو من عند الله . وقوله : { مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيهُ ٱللَّهُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ } : أي : ما كان لبشر اختاره الله للذي قال ؛ وتبين أنهم إنما أضافوا دينهم الذي فيه عبادة غير الله إلى أنبيائهم كِذْبةً ، وأن الله يجعل رسالته عند من يعصمه عن مثله بقوله : { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [ الأنعام : 124 ] ، لا يجعلها حيث يخان ويكتم ، والله الموفق . وهذه الآية تنقض على الباطنية قولهم ؛ لأنهم يقولون : إن الله لا يؤتي النفس البشرية الكتاب ولا النبوة ؛ إنما يؤتي النفس البسيطة ، وهي الروحانية ، ليأتي تخيل في قلوب الأنبياء ، ويؤيدهم حتى يؤلفوا ؛ كقوله : { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ } [ الشعراء : 193 - 195 ] . فإذا ثبت ذلك في قلوب الرسل ألفوا هم الكتب والصحف ، لا يقدر غير الرسل على ذلك ، ثم الناس يأخذون ذلك منهم ؛ فالآية تكذبهم وترد عليهم قولهم ؛ حيث أخبر أنه يؤتي البشر الكتاب والحكم والنبوة بقوله : { مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيهُ ٱللَّهُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ } وكذلك قال عيسى - عليه السلام - في المهد : { إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ آتَانِيَ ٱلْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً } [ مريم : 30 ] . وفي الآية دليل عصمة الرسل والأنبياء - عليهم السلام - عن الكفر بقوله : { مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيهُ ٱللَّهُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ ٱللَّهِ } ، وخاصّة في عصمة رسولنا - محمد صلى الله عليه وسلم - قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } [ الأحزاب : 57 ] ، وقال : { وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ } [ الأحزاب : 58 ] : شرَطَ في المؤمنين اكتسابَ ما يستوجبون به الأذى ، ولم يشترط في النبي صلى الله عليه وسلم ؛ دل أنه لا يكون منه اكتسابُ ما يستوجب به الأذى ، ويكون من المؤمنين بشرطه فيهم ذلك ، والله أعلم . وقوله : { وَلَـٰكِن كُونُواْ } : معناه : أي : ولكن يقول لهم : كونوا ربّانيين ؛ وكأنه على الابتداء والاستئناف ويقول لهم : { وَلَـٰكِن كُونُواْ رَبَّـٰنِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ ٱلْكِتَٰبَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ } . ثم اختلف في { رَبَّـٰنِيِّينَ } ؛ قيل : متعبدين لله بالذي يُعلِّمون الكتاب ، وبالذي يدرسونه . وقيل : الربانيون : العلماء الحكماء . وقيل : حكماء علماء . وقيل : علماء فقهاء . وهو واحد . ثم فيه دلالة أن الرجل قد يدرس ويعلّم آخر بما لا يفقه ولا يعلم ، معناه : إلا كل من يدرس شيئاً أو يعلّم آخر يكون فقيهاً فيه ، ويعرف ما أودع فيه من المعنى . وفيه دلالة جواز الاجتهاد ؛ لأنه إنما يوصل إلى ما فيه من المعنى والفقه بالاجتهاد ، والله أعلم . وقوله : { وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ وَٱلنَّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً } . اختلف فيه ؛ قيل : ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة أرباباً ؛ لأنهم يقولون : إن الله أمرهم بذلك ؛ كقوله - تعالى - : { وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } [ الأعراف : 28 ] . وقيل : إن عيسى وعزيراً ومن ذكر لا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً من دون الله ، وقد عصمهم الله بالنبوة . وقوله : { أَيَأْمُرُكُم بِٱلْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } : يحتمل وجوهاً : يحتمل : أيأمركم الله بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون له بالخلقة ؛ لما يشهد خلقه كل أحد على وحدانيته ؛ كقوله : { وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [ آل عمران : 83 ] . ويحتمل : { بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } ، أي : أسلموا له ، وأقروا به مرة ، ثم كفروا بعد ما كانوا مخلصين له بالتوحيد . ويحتمل قوله : { بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } : بعد إذ دعاكم إلى الإسلام فأجاب بعضكم .