Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 81-83)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ } الآية . قال مجاهد : هذا خطأ من الكاتب ، وهي في قراءة ابن مسعود - رضي الله عنه - " ميثاق الذين أوتوا الكتاب " ؛ على ما ذكر في آية أخرى : { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } [ آل عمران : 187 ] لأن الميثاق لا يؤخذ على النبيين أن يصدّقوا ، لكنه يجوز هذا . ثم اختلف فيه ، قيل : ميثاق الأوّل من الأنبياء - ليصدّقنّ بما جاء به الآخر منهم ، لو أدرك . وقيل : أخذ الله ميثاقاً على النبيين أن يصدق بعضهم بعضاً ، وأن يبلغوا كتاب الله ورسالاته إلى قومهم ؛ ففعلوا ، ثم أخذوا مواثيق قومهم أن يؤمنوا بمحمّد صلى الله عليه وسلم ويصدقوه وينصروه . وقيل : أخذ الله على النبيين ميثاقاً على أن يبلغوا الرسالة إلى قومهم ، ويدعوا الناس إلى دين الله . قال الكسائي فيه بوجهين : أحدهما : يقول : ميثاق الذين منهم النبيّون وهم بنو إسرائيل ، وكل ميثاق ذكره الله - تعالى - في القرآن في أهل الكتاب ، فإنما يراد به بنو إسرائيل . والثاني : ذكره كما ذكرنا من تصديق بعضهم بعضاً ، وتبليغ كتب الله إلى قومهم . وقوله : { ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ } . أخذ عليهم الميثاق ؛ ليأخذوا على قومهم المواثيق أن يؤمنوا بمحمّد صلى الله عليه وسلم إذا خرج وينصروه . وقوله : { قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ } : قال الله - تعالى - للأنبياء : { قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي } ، قيل : هو عهدي . والإصر : قيل : هو العهد . { قَالُوۤاْ أَقْرَرْنَا } . بالعهد لنؤمنن به ولننصرنه ، وأخذنا على قومنا ليؤمنن به ولينصرنه ، وقال الله - تعالى - : { فَٱشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ } . يقول الله - تعالى - : وأنا على إقراركم بمحمّد صلى الله عليه وسلم من الشاهدين . وقيل : قال الله : فاشهدوا أني قد أخذت عليكم بالعهد ، وأنا معكم من الشاهدين أنكم قد أقررتم بالعهد . يقول الله - تعالى - : { فَمَنْ تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ } . العهد بالإقرار بنقض العهد ، والرجوع عن الإقرار . { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } . وقوله : { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ } : الدين كأنه يتوجه إلى وجوه يرجع إلى اعتقاد المذهب في الأصل ، ويرجع إلى الحكم والخضوع ، كقوله - تعالى - : { أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ } [ المائدة : 50 ] ، ويرجع إلى الجزاء . ثم قوله : { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ } : كأن كلا منهم يبغي ديناً هو دين الله ، ويدعي أن الدين الذي هو عليه دين الله ، لكن هذا - والله أعلم - كل منهم في الابتداء يبغي دين الله في نفسه ، لكن بَانَ له من بعد وظهر بالآيات والحجج أنه ليس على دين الله ، وأن دين الله هو الإسلام ، فلم يرجع إليه ولا اعتقده ، ولزم غيره بالاعتناد والمكابرة ؛ فهو باغٍ غيرَ دين الله ، والله أعلم . قال الشيخ - رحمه الله - في قوله : { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ } ، أي : أفغير ما في دين الله من الأحكام والتوحيد . ويحتمل : { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ } : يدينون ، وليس على الاستفهام ؛ ولكن على الإيجاب أنهم في صنيعهم يبغون غير الذي هو دين الله ، كقوله : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ } [ البقرة : 30 ] ؛ وكقوله : { أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ٱرْتَابُوۤاْ أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ … } [ النور : 50 ] الآية . وقوله : { وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً } : يحتمل : وجوهاً : يحتمل : أسلم ، أي : استسلم ، وخضع له بالخلقة ؛ إذ في خلقة كُلٍّ دلالاتُ وَحدانيته . ويحتمل : { وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } ، يعني : الملائكة ، { وَٱلأَرْضِ } المؤمنين الذين أسلموا طوعاً وكرهاً ، يعني : أهل الأديان يقرون أن الله ربهم وهو خلقهم ؛ كقوله : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } [ الزخرف : 87 ] فذلك إسلامهم ، وهم في ذلك مشركون . عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال ] : " مَنْ فِى السَّمَوَاتِ أَسْلَمُوا طَوْعاً ، وَأَمَّا أهْلُ الأرْضِ : فَمِنْهُمْ مَنْ أَسْلَمَ طَوْعاً ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَسْلَمَ كَرْهاً ؛ مَخَافَةَ السَّيْفِ " . وعن ابن عباس - رضي الله عنه أيضاً - قال : " طَوْعاً مَنْ وُلِدَ فِى الإِسْلاَمِ ، وَكُلُّ مَنْ أَسْلَمَ وَلَمْ يُولَدْ فِى الإسْلاَم فَهُوَ كُرْهٌ " . وقيل : منهم من أسلم طوعاً ، ومنهم من جبروا عليه ، والإسلام : هو تسليم النفس لله خالصاً لا يشرك فيها غيره ؛ كقوله : { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ } الآية [ الزمر : 29 ] . دلّت الآية أنه ما ذكرنا ، والله أعلم . والإسلام : هو اسم الخضوع ، وكل منهم قد خضعوا ، ولم يجترئ أحد أن يخرج عليه .