Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 90-92)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً [ لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } الآية : اختلف فيه ، قيل : قوله : { كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ } ] ، أي : ماتوا على ذلك ، فذلك زيادتهم الكفر . وقيل : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } : بعيسى بعد الإيمان بالرسل جميعاً ، ثم ازدادوا كفراً : بمحمد صلى الله عليه وسلم { لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } ، قيل : لن تقبل توبتهم التي تابوا مرة ثم تركوها . وقيل : { لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } التي أظهروا باللسان ، وما كان ذلك في قلوبهم ، أي : ليست لهم توبة [ إلا أن ] يكون توبة منهم فترد ؛ كقوله : { لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ } [ النجم : 26 ] . وقيل : هم قوم علم الله أنهم لا يتوبون أبداً ؛ فأخبر أنه لا يقبل توتبهم ؛ كقوله : { ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ البقرة : 6 ] . وقيل : لا تقبل توبتهم عند الموت ؛ كقوله : { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ } [ غافر : 84 ] وكقوله : { وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } [ النساء : 159 ] ، وكقوله : { لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ } [ الأنعام : 158 ] : أخبر أنه لا ينفع الإيمان في ذلك الوقت ؛ فعلى ذلك قوله : { لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } في ذلك الوقت ؛ إذا داموا على الكفر إلى ذلك الوقت . قال الشيخ - رحمه الله - في قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } - : ذلك في قوم مخصوصين ، أي : لا يكون منهم توبة ؛ كقوله : { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ } [ البقرة : 48 ] ، أي : لا شافع لهم ، ويحتمل عند رؤية بأس الله وجزاء فعله عند القيامة أو معاينة الموت ؛ يدل على ذلك الآية التي تقدمت . وقوله : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً … } الآية . قوله : { فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ } ، يقول : لو كان معهم لافتدوا به أنفسهم - ما قبل منهم ، ولكن لا يكون ؛ كقوله : { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } [ البقرة : 48 ] ، أي : لا يكون لهم شفيع ، لا أن كان لهم شفعاء فيشفعون فلا تقبل شفاعتهم ، ولكن لا يكون لهم ؛ فهذا يدل على أن قوله : { لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } ، أي : لا يتوبون ، والله أعلم . وروي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " يُجَاءُ بالكَافِرِ يَوْمَ القِيَامَةِ ، فَيُقَالُ لَهُ : أَرأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مِلءُ الأرْضِ ذهباً ، أكُنْتَ مُفْتَدياً به ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ يَا رَبّ ، فَيُقَالُ لَهُ : قَدْ سُئِلْتَ أيْسَرَ مِنْ ذَلِكَ ! " . وقوله : { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } . يحتمل أن تكون الآية - والله أعلم - في كفار منعهم عن الإسلام الزكاةُ والصدقات التي تجب في الأموال ؛ كقوله : { وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ * فَلَمَّآ آتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ … } الآية [ التوبة : 75 - 76 ] ، إلى قوله : { بِمَآ أَخْلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } [ التوبة : 77 ] : أخبر - عز وجل - لن تنالوا الإسلام حتى تنفقوا مما تحبّون من الأموال ؛ وكقوله : { لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } [ فصلت : 7 ] . وتحتمل الآية في المؤمنين ؛ رغبهم - عز وجل - في إنفاق ما يحبّون ؛ كقوله : { لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ } الآية [ البقرة : 177 ] : أخبر أنّ البرّ ما ذكر : من الإيمان به ؛ وإيتاء المال في حبه . ورُوي عن أنس - رضي الله عنه - قال : لما نزل قوله - تعالى - : { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } ، قال أبو طلحة : يا رسول الله ، حائطي الذي في مكان كذا وكذا فهو لله ، ولو استطعت أن أسرّه ما أعلنته ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اجْعَلْهُ في قَرَابَتِكَ - أو أَقْرِبَائِكَ " . وروي عن ابن عمر - رضي الله عنه - أنه لما نزل هذا : أعتق جارية . ثم اختلف في البرِّ ، قيل : البرّ هو الجنة ههنا . وقيل : البر هو الإسلام ، إن كان في الكافرين . وقيل : لن تنالوا درجات الجنة ، وما عند الله من الثواب إلا بإنفاق ما تحبون . وقوله : { وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } . ففيه دليلُ قبول القليل من الصدقة ؛ لأنهم كانوا يمتنعون عن قليل التصديق استحقاراً ، فأخبر أنه بذلك عليم وإن قل ، بعد أن يكون ذلك لله عز وجلّ ، والله أعلم .